تقرير

كتبت مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية: ليس من المرجح أن يُهزَم تنظيم «داعش» ولا غيره من الجماعات المتطرّفة العنيفة المموّلة تمويلاً جيداً، بتكلفة مقبولة من قبل القوة العسكرية الغربية. التجربة التاريخية الحديثة وتحليل الأوضاع الراهنة يعزّزان بقوة هذا الاستنتاج.

ومع ذلك، فإن الأمر ليس ميؤوساً منه. فاستراتيجية بديلة تعمل على تفوّق أعظم نقاط القوة في الغرب ضدّ أكبر نقاط الضعف لدى الجماعة المتشددة قد توفر إمكانية لتناقص التهديد الإرهابي الذي تواجهه الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.

كانت الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد حركة طالبان في أفغانستان منذ تشرين الأول 2001، وضدّ مختلف الجماعات المسلحة الإسلامية في العراق منذ عام 2003. ولا يبدو أن النضال له نهاية في الأفق.

بدأت المعركة ضد تنظيم «داعش» في آب 2014، فقط قبل سنة ونصف السنة. كما تشير دراسة أجراها «مركز راند» لعام 2010، فإن مدة نضال أميركا في مكافحة التمرد على الأرض في العراق وأفغانستان تناسب المعايير التاريخية.

إذا واصلنا ملاحقة المعركة ضدّ «داعش» بالطريقة نفسها كما فعلنا في النسخة الحالية من محاربة التمرد، فإننا سنصل بالكاد إلى شن المعركة الحاسمة ضدّ التنظيم بعد ما يقارب 15 سنة من الآن.

أشار الباحثون إلى أن القتال ضد التمرّد «مع وجود أكثر من طرفين لديه نهايات، أكثر عنفاً، وأكثر تعقيداً». قد تكون هذه الحرب ضدّ تنظيم «داعش» التمرد الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث. فتنظيم «داعش» لا يقاتل فقط الغرب، إنما أيضاً الروس والسوريين والأتراك والقوى الكبرى الأخرى.

وعلاوة على ذلك، فإنه يحارب ضدّ فصائل مختلفة، وغالباً ما تتنافس مع بعض هذه الفصائل التي هي أيضاً معادية للغرب. ولكن المعركة ضدّ «داعش» توسعت جغرافياً خارج حدود العراق وسورية، وانتشرت في أكثر من عشرة بلدان مختلفة.

خلاصة القول: من الواضح بغالبية ساحقة أنه لا يمكن تحقيق النصر في هذه المعركة عسكرياً.

هناك أخبار جيدة، ولكن التهديد الذي يشكله التطرف الإسلامي لا يقهر. توجد لديه نقاط ضعف يمكن استغلالها. باستخدام القوة المشتركة للدبلوماسية والقوة الاقتصادية والعسكرية الأميركية، هناك طريقة للحفاظ على الأمن القومي الأميركي. مفتاح الحل هو في الدور الذي سيلعبه كل جانب من هذه الجوانب وأين وكيف يتم تطبيقه.

حتى الآن، اختارت الولايات المتحدة الأهداف التي تفضلها من الناحية المثالية، بمعزل عن النظر فيما إذا كانت هذه الأهداف يمكن تحقيقها بشكل واقعي على سبيل المثال، الرغبة في هزيمة «داعش» من دون توضيح أي تفسير لكيف يمكن للوسائل المحدودة المستخدمة تحقيق أي منها . أساس النجاح هو اختيار أهداف الحملة التي تحقق التوازن الفعال بين ما هو مطلوب، وما يمكن تحقيقه.

إن الحالة التي ستنتهي إليها هذه الخطة هي إنشاء بيئة أمنية وطنية آمنة ومستدامة للأميركيين ومصالحهم في جميع أنحاء العالم. بدلاً من محاولة سحق الإيديولوجية العنيفة للإسلام الراديكالي عن طريق نشر القوة العسكرية الأميركية في الخارج، فإن أميركا تسعى بدلاً من ذلك إلى احتواء تلك الأيديولوجية حيث تقع حالياً، واستخدام ترسانتها الكاملة من القوة الصلبة والقوة الناعمة لتقويض الدعم الذي تتلقاه هذه الأيديولوجية، والأهم من ذلك، تعزيز الدفاع عن الداخل الأميركي.

بالنظر إلى ما يحتاجه تنظيم «داعش» من أجل البقاء كياناً قابلاً للحياة، وللحفاظ على الدعم المالي وتدفق المجندين بمعدل ثابت لتقديم بدائل لمقاتليه الذين قتلوا أو جرحوا، فإن على التنظيم أن يحافظ على نفسه كعنوان رئيس على الصفحات الأولى من وسائل الإعلام الغربية.

للقيام بذلك، فإنه بحاجة إلى أن يكون في معركة مستمرة ضد الولايات المتحدة، والقوات العسكرية المتحالفة معها.

حرمان تنظيم «داعش» من المعارك اليومية والعناوين الغربية الجاذبة سواء للمانحين الماليين والمتطوعين، سيقلل إلى حد كبير التمويل الذي يتلقاه التنظيم، خصوصاً أن المانحين للتنظيم شأنهم شأن المستثمرين، فكلاهما يريد العائد على استثماراتهم، وإذا لم يقدم «داعش» ذلك، فإن المال سيجف.

لتحييد التهديد، يمكن للولايات المتحدة أن تقود عملية تشارك فيها الحكومة والجنسيات الشاملة المتعددة التي ستكون أهدافها المشتركة الأولى هي احتواء «داعش» في البصمة الجغرافية الحالية، ومنعه من الانتشار، وخنقه ببطء لأكثر مرة.

وستستخدم المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة السكان الذين يخضعون لسيطرة «داعش». على الولايات المتحدة مواصلة العمل على اعتراض كافة أشكال الدعم المالي والمادي لـ«داعش» من خارج العراق/ سورية.

وفي الوقت نفسه، يمكن للولايات المتحدة توسيع نطاق العمل السياسي في أحيان كثيرة لمساعدة بغداد في إنشاء مؤسسات حكم وطنية مقبولة على الصعيدين الإقليمي والمحلي.

من شأن هذه التدابير أن تعمل على التناقص التدريجي لجاذبية الانضمام إلى «داعش» أو دعمه، وتضعف قوته على السكان المحليين الذين يخضعون لسيطرة التنظيم، وتقوض في نهاية المطاف حتى الدعم الضمني الذي يحصل عليه التنظيم من المجتمعات المحلية.

وفي الوقت نفسه، خلال السنوات التي ستستغرقها هذه العملية حتى تؤتي ثمارها، فإن الولايات المتحدة ستحمي مواطنيها من خلال تعزيز الأمن الداخلي.

يبقى السبب الرئيس في أن أميركا قد تعرضت لعدد قليل جدّاً من الحوادث الإرهابية منذ هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، هو أن وكالات إنفاذ القانون، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي عملوا من دون كلل لحماية البلاد.

وقد تم وضع الأمن القومي الأميركي في خطر أكبر على مدى السنوات الـ15 الماضية نتيجة لزيادة استخدام القوة العسكرية في الخارج. تستمر الجماعات الإسلامية المتطرفة في الاستفادة من الاهتمام بها من خلال وسائل الإعلام الغربية الناجمة عن العمل العسكري غير الحاسم والمستمر في الشرق الأوسط.

لقد حان الوقت للخروج من هذا الوضع إلى نتائج عكسية، وتعظيم نقاط القوة الأميركية، وكشف نقاط الضعف في الجماعات الإرهابية.

إن الحفاظ على الوضع الأمني الراهن، أو ما هو أسوأ، مما يعزز الفشل من خلال زيادة أنواع التكتيكات التي تعزز عدونا، سيستمر في تقويض الأمن القومي الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى