«إسرائيل» والانتظار المؤجل في حبس الأنفاس

تاهَ «الإسرائيليون» في استخلاص ما كانوا يتوقعون من الكلمة مساعدتهم على استخلاص، عندما سمعوا كلمة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، فكانوا ينتظرون أن تُمكّنَهم من تحليل يساهم في توقع نوعية الردّ وترجيح مكان وتوقع مدى زمني له، ففاجأهم بتأكيد مؤكد عندهم وهو أنّ المقاومة لها حق بالردّ، لكنه أربكهم باعتماد تثبيت حق الردّ وتحديد المكان والزمان والكيفية على نص سابق، والاستخلاص أنّ شيئاً لم يتغيّر، فهذا حق وسنمارسُه.

قبلها انتظر «الإسرائيليون» على أعصابهم ساعات طويلة بعد تنفيذ اغتيالهم للقائد المقاوم سمير القنطار لمعرفة ماذا سيكون ردّ المقاومة، فاستنفروا طائراتهم في الأجواء اللبنانية، وأعلنوا من باب الرسالة السياسية أنهم أصدروا التعليمات لسلاح الجو باستهداف أيّ منصة صواريخ تظهر أمامهم، تعبيراً عن العزم على المواجهة، وبعد ساعات من الانتظار والتحليق علموا بأنّ سيد المقاومة سيتحدّث لاحقاً، فازداد قلقهم وحبسُ أنفاسهم، وبعضهم قال ننتظر، وبعضهم الآخر قال ربما كان التأخير ليتمّ الردّ قبل الحديث فزادوا الاستنفار.

ولما تكلم السيد أربكهم التحليل والتفكير في مبرّر ظهور مواضيع أخرى مع الحديث عن الحدث الذي ظنّ «الإسرائيليون» أنّ الحديث سيكون مخصّصاً له، والواضح أنّ الأمر ليس تقليلاً من شأن ولا مكانة الشهيد القنطار في نظرة المقاومة وسيّدها، ففي ما قاله عنه قال ما يكفي ليقول إنه قائد من قادة هذه المقاومة وكفى. لكنه رسالة تظهر تقليلاً من حجم الحساب الذي تقيمه المقاومة لـ«إسرائيل» كما فهم محلّلوها.

عرف «الإسرائيليون» ما كانوا يعرفونه أصلاً بأن أكد لهم المؤكد عندما كان الخبر الوحيد هو أنّ سيّد المقاومة حاسم في قرار الردّ على الاغتيال، لكنه لم يروِ غليل العطش «الإسرائيلي» لمعرفة المزيد، فقد كان هادئاً جداً، لم يمنحهم فرصة تحليل نبرة صوته، وإشارات يديه، وسبابته، ولما أراد تثبيت قرار الردّ، أورده مكتوباً من قبل سنة تقريباً وأعاد قراءته، بما يقول مرة إنه موقف مبدئي لا يزال قائماً، ويسمح بالقول إن لا حاجة إلى التذكير بأننا قرّرنا وسنردّ وكفى، وفي كل حال تعمّد السيّد ألا يقول كلاماً مخصصاً للحدث، فزاد الوضوح وضوحاً، لكنه زاد الغموض غموضاً، موغِلاً في تقنيات الحرب النفسية، يلاعب بها أستاذ محترف تلامذة هواة، مذكراً أنّ ثمة حفلاً تأبينياً خاصاً بالشهيد القنطار سيقول فيه السيّد عن خصال وتجربة القنطار ما يجب، وهم الآن على موعد انتظار جديد عساه يفك رموز وشيفرة الكلام المباح، والخشية أن يسبقه فعل أبلغ من الكلام، إذن انتظار جديد واستنفار جديد.

لم يقل السيّد نصرالله إنّ «إسرائيل» فتحت على نفسها أبواب جهنم، ولا توعّدها بأنّ لدى المقاومة قدرات تطال عمق العمق في بنيتها السكانية والعسكرية والاقتصادية، ولا في المقابل قال إنّ الحرب سجال وكرّ وفرّ وهذه طريق ذات الشوكة والتضحيات، فزاد الارتباك «الإسرائيلي» ارتباكاً، والانتظار انتظاراً، والاستنفار استنفاراً، عسى كلمة التأبين التي وعد بها تحمل المزيد من تعابير الوجه ونبرة الصوت وحركة السبابة إن لم تحمل كلاماً يسمح بالاستنتاج

حمل «الإسرائيليون» انتظاراً مؤجلاً ومدّدوا استنفارا مؤجّلاً وناموا على قلق مؤجّل.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى