«إسرائيل» جديدة في الشمال العراقي نتاج خمسة عقود من العشق الممنوع

محمد أحمد الروسان

الجانب الوحيد المستفيد مما يحصل في الداخل العراقي بين مكوّناته المعروفة للجميع هو الجانب الكرديّ، الكرديّ فحسب، أضف إليه الطرف الثالث في الحدث العراقي الراهن من محور واشنطن ـ «تل أبيب» استراتيجيّاً وبعض عرب تكتيكيّاً، ومن شأنه ذلك أن يدفعنا إلى تحفيز العقل على التفكير في التساؤلات الآتية: هل دخل الوضع والحال في العراق حالة من الاستنقاع السياسي والعسكري؟ العراق الى أين في ظل قعقعة السلاح وقعقعة المصالح؟ ما يحصل في العراق هل هو نتاج مؤامرة خارجية تستهدف العراق وتستنزف إيران وتمهّد لإشعال الساحة السعودية عبر شمالها الشرقي وتهديد وحدة الكويت عبر استقطاعات من شمالها وضمها الى دولة الجنوب الشيعي المراد تأسيسها بحسب وجهة نظر «البلدربيرغ» الأميركي، ومزيد من استنزاف الدولة الوطنية السورية، ثم تفجير تركيا من الداخل التركي عبر الملف الكردي كلّه، ثم نقل نسخ من «داعش» الى الداخل الأردني لتعمّ الفوضى وجعله مخرجات لساحات أخرى، إذ تجاوز الأردن مرحلة البيئة المنتجة الى مرحلة البيئة الحاضنة عبر تعقيدات ديموغرافيته وعبر اشتباكاته بالحدث السوري عبر سنوات اشتعاله وما زال؟

أم أنّ الحدث العراقي الحالي هو نتاج حراك عراقي داخلي يستهدف التغيير وتحت عنوان «داعش» وتسربله ببعثية البعض ونقشبنديته؟ وكون «الدواعش» نتاج استخبارات، هل أدركت الثالوث الخطير في كسب الحروب من عامل اقتصادي واستثمار الإعلام وإجادة فنون القتال؟ هل دقّت ساعة الهولوكوست العراقي؟ لماذا استقبلت بعض العشائر العراقية أبو بكر البغدادي كأنّه خالد بن الوليد كمخلّص لهم من سلطة المالكي وطائفيته وإقصائه كما يقولون؟ لكن أيّ خلاص هذا يقوده هؤلاء البرابرة الجدد؟ لماذا بعض عرب وبعض مسلمين تنشرح صدورهم للمشهد العراقي الراهن؟ وهل تستنسخ صيغة الأقاليم السبعة في اليمن في العراق النازف لكن بثلاثة، دولة كردية في الشمال ودولة شيعية في الجنوب تضاف لها، مناطق شمال شرق السعودية واستقطاعات مناطق حيوية من الكويت لها ودولة سنيّة في الأنبار بمحاذاة سورية حيث إقليم كردي مزدهر ومنتعش وإقليم شيعي مضطرب وإقليم سني ضعيف؟ لماذا «إسرائيل» جديدة في الشمال العراقي بفعل الملف الكردي؟ لماذا تعمل واشنطن وبعض عربها على الإيحاء بأنّ الإرهاب في العراق نتاج خلل في الحكومة العراقية؟

هل نجحت أميركا في فك عقدتها العراقية بإرسالها مستشاريها العسكريين والاستخباراتيين؟ إن كانت حقوق الطبع محفوظة لأبي مصعب الزرقاوي في ما يخص الأخ «داعش» ومنظومته، فمن سنّ أنبوبة تشريعه وتأسيسه غير الأميركي؟ دعوة المالكي لواشنطن في تنفيذ الاتفاق الأمني عام 2008 خطأ استراتيجي! فلماذا ضغطت إيران عليه لتغيّر موقفه؟ لماذا آعاد مقتدى الصدر جيش المهدي من جديد بعد حله ولبس البزّة العسكرية العراقية؟ وهل وحّدت «داعش» الشيعة وعمّقت المذهبية في العراق؟ الغلبة في العراق لمن؟ هل هي لقعقعة السلاح أم قعقعة المصالح؟ هل هدّدت السعودية العراق في آخر اجتماع لما يسمى بمجلس وزراء الخارجية العرب بقولها: لن يبقى عراقٌ إن بقي المالكي؟ ما هي المواقف الكاريكاتورية لمعظم العرب حيال المشهد العراقي؟ لماذا بالغ الإعلام العراقي والصديق للعراق في انتصارات الجيش العراقي والقوّات الداعمة له من العشائر؟ ولماذا بالغ الإعلام المعادي للعراق ولنظام الحكم فيه هو الآخر في انحيازاته لـ «الدواعش» وحلفائهم الإرهابيين من بعض بعث ونقشبنديّة، وفاحت من هذا الإعلام الروائح الطائفية وكفل بشن حرب نفسية لمصلحة «داعش» وغطائها من بعض بعثية ونقشبندية حيث خرج هذا الإعلام على جميع القيم الأخلاقية والمهنية؟

للمسألة الكردية مفاعيل وتداعيات وهي مقدمة لتغيّر شكل المنطقة والجغرافيا السياسية فيها، بعقابيل على الصراع الكوني في الشرق الأوسط وعلى الشرق ذاته وعلى العراق جرح الأمّة النازف بشكل خاص، وعبر متتاليات هندسية سياسية وأمنية وعسكرية، من خلال سعي حثيث محموم لزعماء الحركات الكردية الانفصالية إلى الاستقواء بالخارج واستغلال حركة «الدواعش»، عبر بناء تحالفاتهم الأمنية السياسية العسكرية مع الإرهابيين من «دواعش» وغيرهم ومع القوى الخارجية وخاصةً «إسرائيل» وغيرها، إذ يريحهم ما يجري في العراق الآن. هذه القوى الإرهاب في الداخل العراقي والخارج العراقي هي التوجهات المعادية ذاتها لشعوب منطقة الشرق الأوسط وتاريخها، وللعراق تحديداً، ودول جواره الأقليمي والعربي، تركيا، سورية، إيران، السعودية، الكويت والأردن.

تقول المعلومات، إنّ عناصر البشمركة الكردية تلقت وما زالت تتلقى التدريب العسكري النوعي الاحترافي، تحت إشراف عناصر النخب في الكوماندوز «الإسرائيليين»، وفي مناطق بعضها سرّي في مناطق إقليم كردستان الجبلية النائية، وبعضها في مناطق معلنة للبعض، ويتابعون دورات تدريبية على يد خبراء «إسرائيليين» وأميركيين وبريطانيين تشمل العمليات الاعتراضية المتعلقة باعتراض الدوريات العسكرية ومهاجمتها، وعمليات حماية المطارات، ومن خلال الاتفاقيات التي وقعتها حكومة كردستان العراقية الإقليمية، مع الشركات الأمنية والعسكرية «الاسرائيلية»، بحيث يتم الإشراف على تدريب عناصر البشمركة بأحدث المواصفات العسكرية، وتبنى مطارات صغيرة لأداء مزدوج للأغراض العسكرية والمدنية.

مع تدريبهم على أعمال «القنّاصة» وأداء المهمات الخاصة لناحية تنظيم الاغتيالات وعمليات «فرق الموت» وتخطيطها، وكيفية جمع المعلومات وإرسالها داخل إقليم كردستان العراق، وجمع المعلومات عن الداخل التركي والداخل الإيراني عبر أكراد جنوب وجنوب شرقها، وعبر أكراد إيران في شمال إيران وشمال غربها، وعن الداخل السوري، عبر بعض أكراد سورية المرتبطين بالخارج وغيرهم الموجودين في شمال شرق سورية.

وتؤكد بعض المعلومات الاستخبارية أنّ حكومة كردستان العراقية الإقليمية تعاقدت مع شركة «انتاروب الإسرائيلية»، ومع شركتين مسجلتين في سويسرا كفرعين لشركات «إسرائيلية» أخرى، وهما شركة «كيودو» وشركة «كلوزيوم»، كي يتم تزويد المطارات الصغيرة ومطار أربيل الأممي أجهزة أمنية حساسة ذات تقنيات عالية مربوطة بالأقمار الاصطناعية «الإسرائيلية» والأميركية التجسسية، والإشراف على تجهيز وتركيب وتشغيل نظام الاتصالات الأمنية في المطارات الأخرى ومطار أربيل الدولي، وكذلك تعاقد آخر مستمر مع شركات «إسرائيلية» متخصصة في مجالات الأمن وتكنولوجيا مكافحة الإرهاب، تعد وتشرف على معسكرات تدريب في إقليم كردستان العراق سريّة ومعلنة تحت شيفرة Z الأمنية. ذلك كلّه لأجل إعداد جيش «نظامي» كردي محترف متحالف مع قوى خارجية، وبعقيدة عسكرية كردية قومية تهدف إلى قيام دولة كردية فدرالية مركزها شمال العراق، وحكوماتها المحلية في الجيوب الإقليمية لإقليم كردستان العراق اليجب التركي في جنوبها، والجيب الإيراني في غربها، والجيب السوري في شرقها . ويُبنى هذا الجيش «الكردي النظامي» برؤية استراتيجية لجهاز الموساد «الإسرائيلي» كفرع خارجي، بدعم من جهاز الاستخبارات «الإسرائيلي» الداخلي، بالتنسيق مع «سي آي إيه» وجهاز الاستخبارات البريطاني الفرع الخارجي M16، بالتعاون والتنسيق مع «مجمّع» استخبارات أممي له مصالحه الاستراتيجية في المنطقة. وتتحدث المعلومات، أنّ ضابط الارتباط بين «تل أبيب» والأكراد وحركاتهم السياسية وأذرعها العسكرية هو رئيس جهاز الموساد السابق داني ياتوم وبعض رفاقه من مجتمع الاستخبارات الصهيوني.

تستمر المعلومات الاستخباريّة، بسرد الحقائق والوقائع في المشهد الكردي، شمال العراق، حيث يقدّم «الإسرائيليون» المعلومات تلو المعلومات الاستخبارية للأكراد، ضمن برنامج تبادل المعلومات الأمنية بين الحركات الكردية و»الإسرائيليين»، فمهمّة «الإسرائيليين» ودورهم في الشمال العراقي المتاخم لكل من تركيا وسورية وإيران خطيرة جداً ومتشعبة، من خلال إعداد وحدات خاصة من نخب البشمركة الكردية، لتعمل كقوّات كوماندوز ذات تدخلات سريعة ومهمات خاصة، بحيث تُستخدم في شمال العراق وفي وسطه وجنوبه، وكذلك الحال لدى جواره الإقليمي والعربي.

العلاقات «الإسرائيلية» الكردية، تدخل في صميم وجوهر مذهبية الحركات الكردية الانفصالية المعروفة، إذ تتوافق مع استراتيجيات حلقات الدور «الإسرائيلي» الموسادي في اقليم كردستان العراق، إقليم ظلّت «إسرائيل» ولا تزال حاضرة فيه على الدوام.

تؤكد تقارير استخبارات إقليمية أنّ واشنطن و»تل أبيب» تقدمان دعماً غير محدود لأكراد العراق، لفرض سيطرة شاملة على إقليم كردستان وجعله إقليماً كرديّاً بامتياز لجهة سكّانه وتطهيره من أي أعراق وإثنيات أخرى، عبر طرد السكّان العرب والآشوريين والتركمان والمطالبة ببقاء القوّات الأميركية وعودتها من جديد.

جعلت واشنطن و»إسرائيل» من كردستان العراق «محمية كردية»، ما جعل من الإقليم الموصوف أعلاه ملاذاً آمناً لسائر الحركات الكردية الموجودة في المنطقة، ولهذا الإقليم أدوار عميقة لجهة الداخل السوري تتساوق مع رؤوس المثلث الأفعواني في الحدث السوري لندن، باريس، واشنطن ومن يغذيّه من بعض العرب.

رغم أنّ الأكراد في العراق يمثلون نحو 16 في المئة من سكّان العراق، إلاّ أنّ الحركات السياسية الكردية وبفضل الدعم الأميركي و»الإسرائيلي»، باتت لها حصة كبيرة في البرلمان العراقي، منذ احتلال العراق عام 2003، وذلك بنسبة مقاعد تعادل ضعف استحقاقاتها الديموغرافية، كما عملت وتعمل واشنطن على استيعاب أفراد الميليشيات الكردية وضباطها في الجيش وقوى الأمن والشرطة في العراق، بحيث صار الأكراد يشكلون أكثر من 51 في المئة من تكوين عناصر هذه الأجهزة من دون أدنى مبالغة.

في مقارنة سريعة بين ما تقوم به الحركات الكردية الانفصالية في شمال العراق، وما تقوم به «إسرائيل» نرى الآتي:

تعمل الحركات الكردية الانفصالية في شمال العراق على طرد السكّان المحليين وإقامة دولة كردية، وهي بذلك تطبق النموذج «الإسرائيلي» نفسه الذي ما زال يركز على أطروحة الحق التاريخي في الاستيلاء على أرض العرب باعتبار أنّها تمثل أراضي دولة «إسرائيل»، في حين يقول الكرد: إنّ هذه الأراضي تمثل مملكة «مها آباد الكردية» القديمة، فالتساوق والتطابق واضحاً بين المنطق الكردي والمنطق «الإسرائيلي» الاحتلالي في نفي الآخر وتاريخه.

مرةً ثانيةً الأخطر في النموذج الكردي لكردستان العراق يقوم أساساً على نفي التاريخ، فهناك الآشوريون والكلدانيون وهم أصحاب حضارة مدنية تاريخية ذات أفق سياسي أقدم من كيان مملكة الكرد مها آباد .

ليس مهماً للدولة العبرية والولايات المتحدة الأميركية، المعنى الاستراتيجي «كردستان»، بل الذهب الأسود في المعنى الاستراتيجي الاقتصادي، ولذلك كانت «ملحمة الذهب الأسود» عبر إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين. والمهم لهما في المعنى السياسي الاستراتيجي، كل من تركيا وإيران وسورية، ويهدفون الى إفراغ المنطقة الكردستانية من سكّانها، وبدأ ذلك بدعم الكرد في عملية طرد العرب والآشوريين والتركمان، عبر المحطة الأولى في مخطط وسيناريو الإفراغ، عن طريق قوّات البشمركة الكردية ووحدات الكوماندوز الخاصة لها، إذ قامت وتقوم بعملية تطهير إثني- ثقافي، وستأتي المحطة الثانية من هذا المخطط، وهي طرد الأكراد أنفسهم عندما تحين اللحظة التاريخية المناسبة.

تفصح المعلومات عن تطورات خطيرة بطبيعة ونوعية الدور «الإسرائيلي» الموسادي في كردستان، بحيث لم يبق الأمر مقتصراً على التعامل فحسب مع الحركات الكردية، وإنما بتنفيذ الكثير من العمليات السريّة عبر استهداف منظم وممنهج للمسيحيين الآشوريين والكلدان، لاستعادة المناطق التي يزعم «الإسرائيليون» أنّها تتضمن آثاراً «إسرائيلية» قديمة، تحديداً الآثار والمواقع ذات الطبيعة المقدسة بالنسبة إلى اليهود، من خلال شراء الأراضي من العراقيين المالكين لها، واستخدام الترغيب والترهيب لأبعاد السكّان عن المناطق المستهدفة «إسرائيليّاً».

ذلك يتم بموافقة ودعم حكومة كردستان الإقليمية، عبر صفقة كردية «إسرائيلية» تتمثل في اعادة توطين اليهود الأكراد في المناطق المستهدفة، أيضاً عبر إغراء السكّان المحليين وجميعهم من المسيحيين الأشور والكلدان بالأموال وتسهيل هجرتهم الى الدول الغربية وأميركا وكندا وأستراليا، لقاء التنازل عن ممتلكاتهم، وفي حالة الرفض يستهدفون بعمليات القتل والإرهاب، ما يدفعهم الى الهجرة والنزوح القسري.

مخططات التفريغ الآنف ذكرها تتم بدعم المنظمات الكنسية المسيحية الصهيونية لتنفيذ هذا المشروع الموسادي في تهجير طوعي ونزوح قسري للمسيحيين من مناطق شمال العراق، وتتساوق رؤية المسيحية الصهيونية ، مع وجهة نظر الجماعات الحاخامية لبعض أجزاء العراق، باعتبارها ضمن خريطة مملكة «هرمجدون» التي وعد بها الرب اليهودي، وعملية إعادة توطين اليهود الأكراد في المنطقة من خلال مشاريع الموساد «الإسرائيلية»، ليس الهدف منها العودة الى مناطقهم في المقام الأول، وإنما سيطرة اليهود على المناطق المقدسة، وهذا كله يندرج ضمن وعد الرب اليهودي بحق العودة اليهودية إليها!

على هامش معلومات استخبارية أخرى ذات صدقية، يفصح صندوق المعلومات، عن أنّ زعيم اللوبي الكردي في واشنطن العاصمة هو قوباد جلال الطالباني ويقوم بدور كبير في تنفيذ مخططات الموساد «الإسرائيلي» في كردستان العراق والجارية لطرد المسيحيين من مناطقهم، وحتّى والده جلال وأضحى رغم مرضه أكثر حماسة لتنفيذ مخططات الموساد، علماً أنّ زوجته اليهودية هيرو إبراهيم أحمد والدة قوباد، تفرض على زوجها المزيد من الضغوط وتستغل حالته الصحيّة لجهة القيام بدعم مخططات الموساد في تلك المنطقة من العراق المحتل.

ومسألة قتل المسيحيين في شمال العراق تمت وتتم بواسطة الوحدات السريّة الخاصة بقوّات البشمركة التي يشرف الموساد على عملها، لتكون على غرار «فرق الموت» التي تشرف عليها «سي آي إيه» والموساد، فتستأصل الحركات اليسارية في السلفادور وغواتيمالا وهندوراس.

مخطط أميركي «إسرائيلي»، بأدوات سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية كردية وغير كردية يسعى الى فتح صناديق الشر الكامن الجديدة والمستحدثة مرةً واحدةً في إقليم كردستان العراق. تدخل واشنطن باستمرار في عمليات إقناع للحركات الكردية الانفصالية بأن أميركا لن تتخلّى عنهم وعن دعم طموحاتهم الكردية القومية بدولة كردية فدرالية في المنطقة، مع طمأنة «إسرائيل» لزعماء الكرد بأنّها قادرة على ممارسة الضغوط على الإدارة الأميركية لحماية الكرد أينما وجدوا.

أعتقد أنّ الاستراتيجية التركية لجهة العلاقات مع إقليم كردستان العراق، تتموضع وتتنمّط من خلال ممارسة أنقرة استراتيجية سياسية بحيث صارت أكثر ميلاً إلى العمل وفق استراتيجية الإغلاق الباكر للأبواب قبل اشتداد العاصفة وريحها ومطرها، أو من خلال مواصلة الأسلوب الذي كانت تقوم به تركيا سابقاً حيال التعامل الباكر الاستباقي مع الأزمة الكردية.

صحيح أنّ حزب العمّال الكردستاني، وبعد دعم الموساد و»سي آي إيه» وجهاز الاستخبارات البريطاني أضحى قويّاً وذا عتاد عسكري، لكن الأخطر من ذلك، هو الكيان الكردي الجديد في المنطقة وهو ما يطلق عليه باللغة الكردية «حكومة تي هه ريمي» وتعني بالعربية «حكومة كردستان» وعاصمتها أربيل.

فأنقرة ترفض رفضاً مطلقاً إقامة دولة كردية في شمال العراق، مع تعاظم فيتو إقليمي رافض لوجودها، وترفض أنقرة ضم منطقة كركوك الى إقليم كردستان والحرب ضد حزب العمال الكردستاني.

مقابل هذه الاستراتيجية التركية، ثمة ثوابت ومبادئ كردية تتمثل في إقامة مناطق حكم ذاتي كردية في جنوب تركيا، وغرب إيران وشمال سورية، على غرار إقليم كردستان العراق، مع ضم كركوك الى الإقليم الكردستاني، وعدم تدخل أي جهة سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً في إقليم كردستان العراق، كي يكون الإقليم ملاذاً آمناً للحركات الكردية التركية والإيرانية والسورية المعارضة، على ما أسلفنا.

أنقرة تؤكد أيضاً، أنّ الوجود العسكري الأميركي في العراق وعودته من جديد ومن شأنه أن يؤدي الى المزيد من تقييد حرية حركة تركيا الدولة والمؤسسات في مواجهة الخطر الكردي المحدق بها، فملف العراق بالنسبة إلى تركيا أهم من ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. هذا ما أكّد عليه أكثر من مرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أرودوغان، في حين دعا رئيس الاستخبارات التركية أكثر من مرة إلى ضرورة دخول أنقرة الدولة كلاعب رئيسي في العراق.

جميع المؤشرات السياسية والأمنية تشي بأنّ استراتيجية أنقرة حيال العراق، باتت تسير بعمق وفي اتجاه المحافظة على وحدة العراق وسيادته الكاملة غير منقوصة، فمصالحها تكمن هنا، في حين نجدها ترتكب حماقات في الحدث السوري. كما تسعى أنقرة إزاء العراق إلى تصحيح خلل توازنات المجموعات العراقية الطائفية والدينية والعرقية، وإشراف الحكومة المركزية العراقية على عائدات النفط العراقي، وإشرافها على أداء مهماتها السيادية من إدارة المعابر الحدودية ومنح التأشيرات للداخلين والخارجين وعقد الاتفاقيات الدولية، وضرورة مراجعة الدستور العراقي، وإلغاء كل بند يتضمن أبعاداً انفصالية تكرّس التقسيم والانفصال، وحل مشكلة مدينة كركوك وحماية السكّان المحليين من عرب وتركمان وأشوريين وكلدان، وإنهاء أي تواجد لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق والعمل على إنهاء الوجود «الإسرائيلي» الموسادي في كردستان وفي العراق نفسه.

يقوم حزب العمّال الكردستاني، وتحديداً جناح الصقور فيه، بعمليات عسكرية إرهابية في منطقة تومسيبي وغيرها من مناطق جنوب شرق تركيا، مستهدفاً عناصر من الجيش التركي ومخلّفاً قتلى وجرحى، فالخلافات تعصف به لناحية تحديد موقفه مما يسمّى بمبادرة المسألة الكردية، إذ يرى جناح الحمائم في الحزب، ويضم كبار السن وقدامى المحاربين أنّ المبادرة تشكل تطوراً إيجابياً يجب التعامل معه بإيجابية وانفتاح. من شأن ذلك أن يؤدي الى تحقيق جزء من مطالب الحزب الملحّة وبحسب وجهة نظرهم.

لكن جناح صقور العسكري في الحزب العمّالي الكردستاني مضى نحو إعادة إنتاج مسلسل إشعال بؤر الأزمة التركية الكردية، وبتحريض ودعم من محور واشنطن- «تل أبيب» وداخل الأراضي التركية نفسها هذه المرة، إذ يرى هذا الجناح أو الاتجاه، أنّ مبادرة المسألة الكردية لن تحقق له كياناً كردستانياً يتمتع بالاستقلالية في تركيا، فكانت عملياته الأخيرة لإعادة بناء وتقوية قوته الرمزية السياسية وأمجاده العسكرية الأولى، لكي يحصل على دعم السكّان المحليين الأتراك ومساندتهم، ما يسهّل عليه نقل عناصره وعتاده وقواعده في شمال العراق، الى داخل المناطق التركية الجنوبية الشرقية، التي تتميز ببيئتها الجبلية الوعرة.

كما يحاول قادة هذا الحزب العسكريون والسياسيون توظيف الخلافات التركية الأرمنية لمصلحتهم، وعبر اقامة قواعد عسكرية للحزب داخل الآراضي الأرمنية، بغية خلط الأوراق وفتح صناديق الشر كلّها مرةً واحدةً، وبمساعدة حدثيثة من محور واشنطن «تل أبيب»، عبر تساوق اللوبيات في واشنطن العاصمة، من اللوبي الأرمني المعادي لتركيا، اللوبي «الإسرائيلي» المعادي لأنقرة واللوبي الكردي بزعامة قوباد جلال الطالباني ابن هيرو إبراهيم احمد وزوج شيري كراهام المعادي لتركيا واستراتيجيتها الجديدة حيال العراق.

بالتعاون والتنسيق التام مع النسخ الجديدة من المحافظين الجدد، من صقور الإدارة الديمقراطية الأميركية الحالية الثانية والأخيرة، ذات الأجندات ما بعد الجمهورية البوشية، لناحية العمل المشترك المتوازن وحل الخلافات، للوصول الى تفاهمات وعناصر مشتركة لمواجهة العدو الاستراتيجي الأول بالنسبة إلى المكون الكردي المتمثل في حكومة حزب التنمية والعدالة التركي بقيادة الثلاثي غول أرودوغان أوغلو.

بلى، «إسرائيل» جديدة في الشمال العراقي لضرب محور المقاومة والممانعة في خاصرته العراقية، ولتشكيل دولة حاجز تفصل إيران عن العمق العراقي وعن سورية ولبنان، ولتكون نموذجاً للدويلات الإثنية العرقية الطائفية في المنطقة، وليسهل على «اسرائيل» تسويق نفسها كدولة يهودية.

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى