حزب الله والرئاسة: أحرجوه باللبننة ليخرجوا منها
روزانا رمّال
تحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مراراً عن عبثية انتظار التطورات الخارجية من أجل التوصل إلى اتفاق لبناني داخلي على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية، لأنّ هذا الأمر لا يشغل القوى الإقليمية حالياً، وهذا ما بدا واقعاً.
لكن محاولات التعويل على نجاح داخلي للاستحقاق الرئاسي، ولو جاءت على لسان السيّد نصرالله أو أجواء حزب الله لا تبدو حتى الساعة مفهومة أو واضحة المعالم، وتحديداً بعد تجربة طرح ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية للرئاسة، لأنّ ترشيحه حمل في طياته تفسيرين أولهما، أنه لم يكن الرئيس الأسبق سعد الحريري ليرشح فرنجية لولا أنّ المتغيّرات الإقليمية تدور في فلك المصلحة الإيرانية السورية، وإلا لكان قد تمسك بمرشح لفريق 14 آذار من دون أن يضطر لإعادة تجربة الرئيس العماد اميل لحود. ومن هنا يأتي السؤال عن مدى اطمئنان الحريري، أو بمعنى آخر من أين استحصل الحريري على ما يطمئنه لجهة التلاقي بين فرنجية ومشروعه الخاص وعداوته مع النظام السوري الذي يستحيل أن يتوازى مع تاريخ فرنجية وصداقته الأخوية مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ ما هي الضمانات التي جعلت من الخصم اللدود سياسياً، وهو فرنجية، الاسم الأوفر حظاً لدى الحريري؟
اللافت أنّ فرنجية وهو الذي كان وزيراً للداخلية عندما تمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري لحق به سيل من التهم المباشرة بالتورّط مع النظام الأمني اللبناني ـ السوري، ومن هنا يأتي الجواب الواضح بقوة اسم فرنجية النابع من قوة حلف برمّته.
التفسير الآخر لترشيح فرنجية هو التفسير الانتخابي الداخلي المحض، وهو الذي يرتكز على نيات لكسر فرضية أن يكون في لبنان زعيم مسيحي عصامي قادم من المؤسسة العسكرية استطاع أن يستحوذ على شعبية كبيرة تمتدّ على كامل البقعة الجغرافية في لبنان، أيّ أنه ليس زعيماً مناطقياً يمرّ مروراً عادياً على الجمهورية اللبنانية، أو اسماً توافقياً لا يقدّم لسجل المسيحيين الكثير، وبالتالي فإنّ الحساب الداخلي الذي يخشاه اللاعبون السياسيون هو انتخابات تحجّم حضورهم وترفع من حظوظ إعلان رئيس الجمهورية، العماد المقصود هنا العماد ميشال عون رئيساً بشرعية كاملة وزعامة واسعة وفرصة يتعزّز فيها تياره أكثر. وهذا بطبيعة الحال يشكل خطراً على حيثية النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري معاً في حساب الكتل.
تجربة ترشيح فرنجية والانتظار الذي دخله لبنان اليوم تؤكد أنّ لبننة الاستحقاق ليست واردة اليوم، وبات يمكن الحديث عن نقض هذه النظرية، حتى ولو كان ترشيح فرنجية، حسب المعلومات، هو فكرة ولدت داخلياً عبر بعض الأقطاب وتمّ دعمها خارجياً سعودياً وفرنسيا وأميركياً، وحتى ولو كانت مساعي حزب الله بإقناع اللبنانيين عبر تحفيزهم بأنّ الملفات الإقليمية أو التسويات المقبلة لن تضع لبنان على سلّم أولويات أطروحاتهم من أجل أن تنجح المساعي المحلية، فإنّ الكرة التي أصبحت اليوم في ملعب حزب الله تقول غير ذلك فوق السيناريو المتداول اليوم، فإن حزب الله الذي يرى في ترشيح فرنجية بداية اعتراف بوزن فريق 8 آذار وحلفائه إقليمياً، وتقبّل فكرة أن يكون المرشح منه، فإنّ المزيد من الصبر سيؤدّي إلى القبول بالعماد ميشال عون، وهنا فإنّ ترجمة هذا الصبر لا تفسّر إلا انتظاراً لانكشاف معالم الأزمة السورية ومصير الرئيس الأسد في المرحلة المقبلة.
لبننة الاستحقاق الرئاسي في لبنان باتت مستحيلة، فإذا صحّ أنّ انتظار حزب الله اليوم هو حساب خارجي، فماذا يمكن أن يترك للفريق الآخر من هذا القبيل، من هنا فإنّ الوقوف عند هذه الحقيقة اليوم هو أمر صحي، ربما يمكن تفسيره بشكل أدق، والاستفادة منه من ناحية أنّ حزب الله الذي استطاع أن يفرض مرشحاً رئاسياً مثل فرنجية عند ذهنية الخصوم قادر أن يستثمر فرص الخارج لتحسين شروطه وليس للاطمئنان على هوية الرئيس المقبل، فهو استطاع أن يقطع الطريق عن أي تراجع لفريق الحريري من طرح مرشح من 8 آذار أي أن هوية الرئيس السياسية حُسمت.
ينتظر لبنان اذاً، بدخول السنة الجديدة تطورات الوضع في سورية، كي يحسم توجه العملية السياسية في البلاد حتى يكاد يضاف دليل جديد عن استحالة فصل الملف اللبناني عن الملف السوري مهما حاول الأفرقاء الإيحاء بأن هناك فرصة داخلية يجب استغلالها، فالأفرقاء السياسيون اليوم ينتظرون الحسم السوري من اجل الإعلان عن ترشيح احد المرشحين رسمياً، فإنّ اللبنانيين ينتظرون ربما هذا الحسم من اجل سلة شاملة تشمل قانون انتخاب يعني الكثير للبننة الرئاسة.
يقول العارفون إنّ بين صنّاع الطبخة التي سُمّيت التسوية الرئاسية مَن يعرف حزب الله عن كثب، فقال لهم أحرجوه باللبننة فإن قبلها فزنا وإن خسرنا أخذناه خارجها، فانطلقوا من الحسابات الإقليمية وتقدّموا تحت عنوان اللبننة بترشيح يلبّي المرحلة الإقليمية للمقاومة وسورية وتهرّبوا من البعد اللبناني للرئاسى الذي تمثله السلة، وإلا لو قبلوا السلة لتشارك معهم في اللبننة، فاضطر إلى قبول العودة إلى الرئاسة كمسار إقليمي قائم على الانتظار، لعلهم أحرجوه بها ليخرجوا هم منها ويتركوها لمن يصنع عندهم القرار…