عتريسي: معادلة الردع الحالية تفرض ردّ المقاومة القريب على اغتيال القنطار
حاورته: روزانا رمّال تحرير محمد حميّة
أكد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور طلال عتريسي أنّ «البارز في كلمة الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله هو إعلانه أنّ القنطار قائد من قادة المقاومة، ما يعني أنّ الردّ سيكون بمستوى حجم ودور وموقع الشهيد القنطار»، ورجّح «أن يكون الردّ التي تفرضه معادلة الردع قريباً ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة أو من مزارع شبعا». موضحاً «أنّ الردّ مرتبط بالظروف اللوجستية وتوفر الهدف وطبيعته».
وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، قلل عتريسي من احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة، ومن ذهاب «إسرائيل» إليها في الظروف الحالية ومن دون موافقة الولايات المتحدة «غير المستعدة لأي حرب في الوقت الحالي».
وميّز بين محوري المقاومة والممانعة، لافتاً إلى أنّ «روسيا لم تدَّعِ يوماً أنها في محور المقاومة، بل هي والصين ودول بريكس ومنظمة شنغهاي يُعتبرون في محور الممانعة، أي أنهم يقاتلون الهيمنة الأميركية على العالم ومحاصرة روسيا في منطقة نفوذها في آسيا وجوارها»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «روسيا تقاتل في سورية لمنع تشكل نظام عالمي جديد في غير مصلحتها ولمنع سقوط النظام في سورية ومجيء نظام تكفيري إرهابي يتحول إلى مصدر لآلاف المقاتلين إلى روسيا وجوارها». ورأى «أنّ هذه الاستراتيجية الروسية، تفترض التحالف مع محور المقاومة الذي يضم إيران وسورية وجزءاً من العراق».
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً
ما هي قراءتك لكلام أمين عام حزب الله السيد نصرالله بعد اغتيال القائد الشهيد سمير القنطار، وما الهدف من اقتضاب الموقف؟
ـ جزء من كلمة السيد نصرالله كان متوقعاً، فلم يكن أحد ينتظر أن يعلن السيد متى وكيف ستردّ المقاومة على اغتيال القنطار، لكنّ البارز كان إعلانه أنّ القنطار «قائد من قادتنا»، ما يعني أنّ الردّ سيكون بمستوى حجم ودور وموقع الشهيد القنطار. وثانياً، عندما يكتب السيد، معنى ذلك أنه يريد إيصال فكرة محدّدة ليست وليدة اللحظة، وقد قال: «من حقنا الردّ»، وهو بذلك يفتح لـ«الإسرائيلي» أفقاً للتفكير والارتباك بأنّ الردّ ربما يكون بالطريقة نفسها أو بطريقة أخرى، كي يبقى «الإسرائيلي» في حالة خوف واستنفار أطول فترة ممكنة. «إسرائيل» تتوقع ردّ حزب الله، لكن بموازاة الأرباح والخسائر، وهي أيضاً لن تسمح بتأسيس نواة مقاومة في الجولان المحتل وعندما تعرف أنّ المقاومة تتقدم في الجولان وتتطور لن تتردّد في ضرب أي هدف هناك، كما حصل في اعتداء القنيطرة في كانون الثاني الماضي.
هل تربط بين اغتيال الشهيد القنطار وتنامي المقاومة في الجولان؟ أم أنّ هدف «إسرائيل» هو تصفية حسابها القديم معه؟
ـ ربما لم تكن «إسرائيل» تعرف طبيعة وتفاصيل عمل الشهيد القنطار منذ سبع سنوات حتى الآن، وهي تحاول بعد الاغتيال أن تقول إنها أغلقت الحساب معه لقتله مواطنين يهوداً منذ عشرات السنوات، كما تزعم، لذلك كان تأكيد السيد أنّ «إسرائيل» قتلت القنطار لأنه قائد من قادة المقاومة وليس لأنها تريد تصفية حسابها القديم معه.
هل يمكننا القول إنّ عملية الاغتيال تشير إلى أنّ «إسرائيل» لم ترتدع بعد المعادلة التي فرضها السيد نصرالله بعد عملية مزارع شبعا العام الماضي؟
ـ المعادلة موجودة نسبياً وقائمة، لكنّ هذا لا يعني أنها ثابتة مدى الحياة، لكن ضمن الحسابات «الإسرائيلية». إنّ اغتيال الشهيد القنطار يحقق لـ«إسرائيل» هدفين، الأول قتله والثاني إرسال رسالة مفادها أنّ «إسرائيل» لن تقبل بتشكيل مقاومة في الجولان، وهي تتوقع ردّاً معيناً من المقاومة وأن تحتويه وتتحمل خسائره، ولولا ردع المقاومة لكانت «إسرائيل» تعتدي على لبنان بشكلٍ دائم، فالردع بين المقاومة والعدو نسبي ومتبادل. «إسرائيل» تعتبر أنّ الهدف الذي حققته يستحق الثمن الذي يمكن أن تدفعه والتفكير بالثمن هو جزء من الردع.
يرى الخبراء العسكريون أنّ «إسرائيل» أخذت بعين الاعتبار الوجود الروسي في سورية ولم تخرق الأجواء السورية كما أعلنت. هل هذا يعني أنها درست احتمالات ردّ حزب الله قبل تنفيذ العملية وربما تكون قد استعدت للحرب؟
ـ «إسرائيل» قصفت من داخل أجواء فسلطين المحتلة وليس من الأجواء السورية، ما يعني أنها تريد تجنب الاشتباك والتصادم مع المظلة الجوية الروسية الموجودة في سورية، وهذا يصعِّب على حزب الله الردّ ويمكن أن يكون الردّ من الأراضي المحتلة أو من مزارع شبعا. «إسرائيل» تجنبت الاشتباك مع روسيا على أساس أنها لم تخرق المجال الجوي السوري وبالتالي الروسي، القصف من الداخل الفلسطيني يعطي فرصة للردّ من الداخل الفلسطيني، وقيادة المقاومة تدرس الردّ وتدرس حساباته والأرجح أنّ الردّ سيكون قريباً لأنّ معادلة الردع تفترض ذلك كما حصل بالردّ في عملية شبعا وهذا له علاقة أيضاً بالظروف اللوجستية وتوفر الهدف وطبيعته.
ألا يخشى حزب الله أن يورط الردّ من الأراضي السورية دمشق في حرب مع «إسرائيل»؟
ـ الردّ مفتوح على كلّ الاحتمالات، والردّ «الإسرائيلي» على الردّ متوقع أيضاً، وهو مرتبط بطبيعة ومكان الردّ. هذه حسابات معقدة، ولا يبدو أنّ «إسرائيل» ذاهبة إلى حرب واسعة في المنطقة، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة غير مستعدة لأي حرب حاضراً، ومن دون موافقة الولايات المتحدة الأميركية لا تذهب «إسرائيل» إلى حرب شاملة قد تشعل المنطقة كلها. أي ردّ من حزب الله تحتويه «إسرائيل» إذا جاء ضمن حدود مقبولة.
هل تستدرج «إسرائيل» الحرب لتكون على طاولة التسويات في ملفات المنطقة التي فتحت في أكثر من مكان؟
ـ «إسرائيل» حاضرة في المشهد العام وأميركا دائماً تأخذ بعين الاعتبار مصالح وأمن «إسرائيل» في أي مفاوضات وتسويات، عملية الاغتيال يمكن استثمارها من قبل «إسرائيل» في المفاوضات على صعيد المنطقة لكنها ليست مرتبطة بها مباشرة. في الملف الفلسطيني، «إسرائيل» ليست في حاجة إلى المفاوضات بل هي مجمّدة ولا شيء يلزمها باستئنافها في ظلّ غياب الموقف الفلسطيني الموحَّد والسلطة لا تمارس أي ضغوط والعالم منشغل بملفات أخرى كسورية واليمن، أما اهتمام العرب الأول فهو تنامي نفوذ إيران في المنطقة والخليج، أما في الشأن السوري فهناك أطراف أخرى يمكن أن تحقق لها مصالحها.
ألا تطمع «إسرائيل» بقرار 1701 آخر في الجولان قبل حلّ الأزمة السورية واحتمال انطلاق قطار التسويات؟
ـ الجولان خاضع للاحتلال حالياً وأي قرار دولي يصدر يمكن أن لا يكون في مصلحة «إسرائيل». كيان المقاومة في الجولان لم يتشكل بعد ويحتاج إلى وقت و«إسرائيل» تحسب لما سيكون عليه وضع هذه المقاومة في المستقبل وأفضل شيء لـ«الإسرائيلي» في ما يخصّ سورية هو بقاء الوضع على ما هو عليه.
هل هناك ترابط بين اغتيال القنطار والتصعيد التركي في الموصل والتصعيد السعودي عبر إعلان التحالف الإسلامي لتغطية بعض الفشل في سورية؟
ـ الربط ممكن لكنني لا أرى «إسرائيل» تعمل على الإيقاع التركي ـ السعودي. البيئة الاستراتيجية العامة هي أنّ هناك تقاطعاً موضوعياً بين موقف «إسرائيل» والموقفين السعودي والتركي تجاه التعامل مع الإرهاب في سورية ومع النظام أيضاً. أما دخول تركيا العراق فهو نتيجة شعورها بالعزلة في الوضع السوري وأنّ الورقة السورية تسحب من يدها ما يسقط حلم المنطقة العازلة، في حين أنّ مشكلة السعودية في مكان آخر، وقد أعلنت عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، لأنها باتت متّهمة من قبل الرأي العام العالمي ومن دول غربية بدعم الإرهاب، ولا سيما بعد تفجيرات باريس الأخيرة، ما فرض عليها إعادة النظر في موقفها من الإرهاب. السعودية أعلنت عشية مفاوضات اليمن عن هذا التحالف لأنها مُحرجة في الذهاب إلى المفاوضات. إذاً هو للتغطية على ذهابها إلى التفاوض في سويسرا كما أنّ لديها مشاكل داخلية، فهذا التحالف يجب أن يعلن عنه الملك السعودي وليس ولي ولي العهد. إذن حسابات تركيا والسعودية و«إسرائيل» مختلفة، لكن هناك، في الوقت عينه، تقاطعاً في المصالح والأهداف وأبرزها إسقاط النظام في سورية وبقاء العراق بلداً ضعيفاً.
هل صحيح أنّ روسيا غضّت الطرف عن إطلاق «إسرائيل» للصواريخ أم أنها لم تستطع رصدها؟ وهل يهمّ موسكو أن تتدخل في الصراع بين حزب الله و«إسرائيل»؟
ـ هناك التباس في تحليل الموقف الروسي، وإذا عدنا إلى تصريحات المسؤولين الروس، نجد أنهم لم يدعوا أنهم في محور المقاومة، بل هم يقاتلون الهيمنة الأميركية على العالم ويصدّون المحاولات الأميركية لمحاصرة روسيا في منطقة نفوذها في آسيا وجوارها، وهذه الاستراتيجية تفترض التحالف مع إيران وحماية النظام في سورية الذي يقع في منطقة مهمّة في جوار قلب العالم. روسيا تقاتل لمنع تشكُّل نظام عالمي جديد في غير مصلحتها وتقاتل في سورية لمنع سقوط النظام ومجيء نظام تكفيري إرهابي يتحول إلى مصدر لآلاف المقاتليتن إلى روسيا وجوارها، وهذا ما دفع روسيا إلى المشاركة في القتال في سورية.
كيف سمحت روسيا لـ«إسرائيل» بأن تحقق مصالحها في سورية ولم تسمح لتركيا بذلك في شمال وغرب سورية؟
ـ روسيا لم تسمح لـ«إسرائيل» باغتيال القنطار وليس مطلوباً أن تقوم بردّة فعل. ولو لم تعتد تركيا روسيا لم لما كان للأخيرة موقفاً منها. ففي العام الماضي تمّ الإعلان عن حلف استراتيجي رفيع المستوى بين روسيا وتركيا وعن رفع حجم التبادل التجاري، كما تمّ إعلان تركيا شريكاً حصرياً لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا. كانت تركيا تقاتل في سورية وتريد إسقاط النظام وتعمل لإنشاء منطقة آمنة وتحمّلت روسيا هذا الأمر. لو أنّ «اسرائيل» قصفت طائرة روسية لكانت روسيا تحركت ضدّها.
في ظلّ القطيعة القائمة بين روسيا وتركيا، كيف يمكن التوصل إلى حلّ سياسي في سورية؟
ـ ليس كلّ قرار دولي ينفذ سريعاً، هناك دول لا تلتزم كتركيا، لذلك هناك ضغط على تركيا لضبط حدودها ووقف شراء النفط من تنظيم «داعش» وهذه الورقة ربما لا ترى تركيا أنّ من مصلحتها التخلى عنها اليوم، وليس مؤكداً أنها ستساهم في الحلّ السياسي ووقف دعم الإرهاب، لكنّ القرار الأممي في كلّ الأحوال هو غطاء ومرجعية يُستند إليهما وخطوة إلى الأمام للحلّ السياسي. إنّ الذين يجتمعون على طاولة المفاوضات ليسوا أنفسهم الذين يقاتلون على الأرض، وليس مؤكداً أن يلتزموا بأي حلّ سياسي، لأنّ أي حلّ سيأتي على حسابهم.
يبدو أن لا جدوى للمفاوضات في اليمن، وأنّ الذين يفاوضون على الطاولة مختلفون عن الذين يحاربون على الأرض، كيف ترى الوضع في اليمن؟
ـ الطرف السعودي المفاوض يقاتل على الأرض وطرف أنصار الله والجيش اليمني أيضاً يشاركون في المفاوضات ويقاتلون في الميدان، لكنّ تنظيم القاعدة يقاتل ميدانياً وغير موجود على الطاولة، السؤال هو: هل فعلاً جاءت السعودية أو الإمارات للتفاوض، أم بسبب الضغوط الأميركية لإنقاذ ما تبقى من ماء الوجه بعد الخسائر التي لحقت بهما؟ منذ تسعة أشهر والحرب مستمرة ولا تقدم، ولكن في نهاية المطاف نحن ذاهبون إلى التفاوض بسبب الاستزاف الميداني للسعودية وتحالفها.
هل يمكن اعتبار حلّ أي ملف في المنطقة مقدمة لحلّ باقي الملفات؟
ـ الملف السوري هو العقدة وإذا تمّ التوصل إلى حلّ سينعكس إيجاباً على الملفات الأخرى. إنّ حلّ أي ملف يخلق بيئة إيجابية للتفاوض حول ملفات أخرى. العقدة السورية أكثر صعوبة من باقي الملفات، بينما الملف اليمني أسهل.