هل تعيش تركيا إرهاصات الربيع الكردي؟!
د. هدى رزق
تعيد تركيا ترتيب علاقتها بـ «إسرائيل» ولا تأبه كثيراً لطلب وزراء الخارجية العرب سحب قواتها من العراق. إنها تقوم بسحب جزء من قوات الكومندوس التي أرسلتها الى بعشيقة وتستند في مواقفها الى دعم حليفها مسعود البرزاني. وفيما يصرح الناطق باسم وزارة الدفاع التركية بأنها لن تسحب كامل قواتها بل ستعيد الانتشار يعتبر ابراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي بأنها تقوم بانسحاب جزئي.
تثيرخطوات روسيا حفيظة تركيا في سعيها الى توحيد منظومة الدفاع الجوي مع أرمينيا وإعلان الأخيرة انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار حول «ناغورني كاراباخ» مع أذربيجان. هي تخشى من وقوع اشتباكات في منطقة القوقاز وتقوم بتفنيد هذه المخاطر.
لا شك في أن سياسة «صفر مشاكل» تنوء تحت ضغوط كثيرة بسبب سياسة الحزب الحاكم الذي يتخبط في حرب داخلية مع حزب العمال الكردستاني بعد تحول خط المواجهة الى المدن في الشرق والجنوب الشرقي ما أدى الى دمار واسع النطاق. إذ تحولت الحرب الى عقاب جماعي للسكان المدنيين في منطقة «سور» في ديار بكر وهي أكبر مدينة في المنطقة حيث يدور القتال بين المناطق السكنية، هي حرب شوارع تحولت عبرها المنطقة التاريخية بعد حظر التجول فيها لمدة 9 أيام الى منطقة مدمرة. تعيش 18 مقاطعة من مناطق الشرق والجنوب الشرقي من تركيا منذ 16 آب حظر تجول فرض عليها أربعين مرة لمدة 130 يوماً.
لا بد من لحظ التحولات الاجتماعية السياسية التي مرت بها الحركة الكردية بعد تسيس المسألة في السنوات الأخيرة ما أدى الى وجود حركة شعبية ذات قواعد شابة في المدن والبلدات انبثق عنها حركة الشباب الثوري وهو تجمع شباب تابع لحزب العمال الكردستاني. حاولت الاضطلاع بدور قوة الشرطة في الأحياء كبديل من السلطة بعد تعرض الحملات الانتخابية الكردية في 7 حزيران لهجمات من مناوئيهم بدفع من الحكومة، تصاعدت الحماية بعد تفجير سروش الذي أدى الى إسقاط الاتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني بعد ما نفى أردوغان وجود اتفاق بينهما.
قوبلت الحملة الأمنية التي خاضتها الحكومة في تموز ضد هؤلاء بالمقاومة المسلحة وحفر الخنادق وإقامة حواجز في المناطق السكنية. ما أدى الى وقوع 157 مدنياً و195 عنصراً من حزب العمال الكردستاني و171 من قوى الأمن.
أمرت الحكومة مؤخراً في 15 كانون الأول الجاري الجيش بالعمل كقوة شرطة خاصة لكنها فشلت في كسر المقاومة وإيقاف التوتر في مقاطعات دير بكر وماردين وسيرناك. قاد عشرة آلاف جندي العمليات المدعومة بالدبابات والعربات المدرعة في سيرناك وجزري وسيلوبي حيث وضعت متاريس لحزب العمال الكردستاني.
تزيد تصريحات أردوغان من تصاعد الأزمة فهو يتوعد باستمرار القتال ضد حزب العمال الكردستاني، أما صلاح ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي فهو يعتبر أن المسألة ليست عسكرية إنما هي سياسية. حذر الحكومة من انتهاكات حقوق الإنسان كونها لا تسمح للناس بدفن موتاهم وتسمح بالتعذيب في شوارع غرب تركيا.
ويسود انقسام حاد في الشارع التركي ففي غرب تركيا يعتبر الأكراد إرهابيين ويتم تشجيع العنف ضد المناطق الكردية لذلك يعتقد ديمرتاش بأنه لا بد من بدءالحوار سريعاً. وهو يخشى أن تتمدد الحرب الى مدن الغرب بعد انهيار عملية السلام الذي حدث في الصيف، وأن تؤدي ثورة الشباب الأكراد في الأحياء الفقيرة في اسطنبول وأنقرة الى العبث بالأمن.
وتسود غرب تركيا حالة من الرهاب إذ يتصدى القوميون الأتراك لمحاولات المعارضة السياسية إيقاف دورة العنف ويعتبرونها تشجع على الإرهاب لأنها تطالب بوقف اعتقال نشطاء السلام والتهجم عليهم.
يتعرض الناشطون المدنيون لإطلاق النار إذ تم قتل 4 نساء ناشطات في اسطنبول. يدعو رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح ديمرتاش سكان غرب تركيا لرفع صوتهم. يخشى الأكراد سكان المنطقة الغربية التحرك كون أهالي المنطقة يعانون أيضاً من فقدان أبنائهم من الشرطة أو الجيش. وهم ليسوا على ثقة أن الاحتجاجات في الشوارع سوف تقود الى أي نتائج لا سيما بعد الانفجار الذي وقع في أنقرة في تشرين الأول الماضي وأدى الى استشهاد ما يزيد على 100 شخص .
ويسوء الوضع الداخلي في تركيا في ظل تقليص القدرة على التعبير الحر في مواجهة زيادة وفيات الجنود والشرطة والقمع الذي تواجهه الصحافة إذ يتعمق الانشقاق بين االمنطقة الشرقية والجنوب الشرقية ومنطقة غرب تركيا الأولى ترى في شباب حزب العمال الكردستاني مقاومة بينما الثانية تراهم إرهابيين.
ويقوم أردوغان بتطبيق مقولته إن حزب العدالة والتنمية هو الذي يحمي الأكراد في تركيا وأن وقوفهم الى جانبه سيبعد عنهم العنف أما ابتعادهم واستقلالهم عنه ووقوفهم في الانتخابات ضده يعرضهم لما يعيشون في ظله اليوم. وكأنما الحزب يشكل مظلة لهم ويقوم بوساطة بين المجتمعين التركي والكردي وهذا يحمل الأتراك مسؤولية ويعني أنه لولا حماية الحزب ستعيش تركيا حرباً دائمة أو تقسيم.
يبدو أن استمرار القتال سيشكل حجة لأردوغان من أجل تحقيق طموحه بالتحول الى نظام رئاسي بعدما ساهمت إثارة النعرة القومية في تركيا ضد الأكراد وحزب العمال الكردستاني الى فوز حزبه في الانتخابات البرلمانية. وسيواصل الحرب هذه من أجل تأمين تصويت الكتلة القومية في استفتاء يقوم به حول تعديل الدستور. لكن العنف المتصاعد والضغط العسكري على المدنيين بدا يثير نفور الأتراك. لكن توسع القتال وضرب خدمات التعليم التي أوقفتها الحكومة وإقفال المحلات التجارية وتدمير بعضها في المناطق الكردية يثير غضب الشعب ضد الحكومة. ويعطى حزب العمال الكردستاني الحق بالاستنجاد بالخارج بسبب الإفراط في استعمال العنف والعنصرية ضد الأكراد تحت مسمى محاربة الإرهاب.