اغتيال علوش: تقليص مساحة وقف إطلاق النار

عامر نعيم الياس

اختراق أمني عالي المستوى وتنفيذ عسكري للعملية لا يقلّ حرفيةً عن الاختراق الأمني، وهدفٌ قلنا عنه في مقال في البناء بتاريخ الخامس من تشرين الثاني الماضي بعنوان «ماذا يريد زهران علوش؟»، أنه المطلوب رقم واحد للدولة السورية وحلفائها إنْ لم يتمّ وضع «جيش الإسلام» على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية التي تتوجب محاربتها والتي في حينها تم تجييرها إلى الأردن للبتّ فيها.

قائمة التنظيمات الإرهابية تشكل محور الصراع الدولي الجديد حول العملية السياسية في سورية، فخارطة الطريق التي وضعها القرار الدولي والتي منحت فسحة من الأمل بخصوص الملف السوري، تقترن بأمرين، الأول، قائمة الوفد المفاوض من جانب ما يُسمى المعارضة السورية، والثاني، قائمة التنظيمات الإرهابية التي باتت قوائم كما الهيئات الممثلة للمعارضة السورية والتي تبدأ بقائمة موسكو، مروراً بقائمة القاهرة وليس انتهاءً بقائمة الرياض وأنقرة والأمر يجري على دمج القوائم، لكن بكل تأكيد ستكون الذراع السعودية الأولى على تخوم دمشق خارج إطار هذه التنظيمات وهو أمرٌ يُحرج الدولة السورية والحلفاء، ويجعل من وقف إطلاق النار والحفاظ على توازن القوى الراهن في محيط دمشق أمراً واقعاً.

في حالة «جيش الإسلام» وزهران علوش كانت العاصمة في مواجهة توازن ردع قائمٍ على تفعيل وتصعيد القصف على المدنيين في العاصمة، عند أي محاولة لتغيير خطوط التماس في حرستا وجوبر وحتى في دوما مسقط رأس جيش الإسلام وقائده الإرهابي القتيل، وحتى قائده الحالي «أبو همام البويضاني». وهذا ما قطع الطريق على أي محاولة للتقدم الميداني في شرق العاصمة خاصةً مدينة جوبر التي تبعد حوالي 800 متر عن ساحة العباسيين التي باتت كابوساً يقضّ مضاجع سكان العاصمة السورية.

اليوم تغيّرت المعادلة، فعلى الرغم من أن هذه التنظيمات لا تتأثر باغتيال قادتها، إلا أن البعد العقائدي عند علوش وتنظيمه أقل حدةً منه في البعد العقائدي الحاضر عند القاعدة وتنظيم داعش وغيره من الحركات السلفية الجهادية كما أن البعد الدولي والاستقطاب داخل صفوف التنظيم للمقاتلين الأجانب هو أقل من غيره من التنظيمات الأخرى الرابضة على الأرض السورية، وهذا ما يمنح التنظيم بعداً محلياً أكثر، كما أن شخصية زهران علوش وقوة تأثيرها على المحيطين به كانت طاغية على الجميع دون استثناء، فالرجل كان له طموح سياسي يتجاوز البعد الجهادي الذي يقف وراء تأسيس المجموعة السلفية التي ينتمي إليها، وبالتالي فإن عملية اغتيال علوش ترجّح حصول سيناريو انقسام «جيش الإسلام» المؤلف من ستين من الألوية والكتائب على بعضه والتحاق غالبية الكتائب التي ستنفض عن الإطار الذي أرساه علوش في صفوف التنظيمات الأكثر تطرفاً في الغوطة الشرقية، خاصةً حركة أحرار الشام وجبهة النصرة الإرهابيتين.

هنا وعند هذه النقطة يتضح الهدف الأساسي من وراء شطب علوش من المعادلة الميدانية في سورية، فالإخفاق في وضع «جيش الإسلام» على قائمة التنظيمات الإرهابية وانحسار الخلاف حول «حركة أحرار الشام»، عزز موقف السعودية التفاوضي، وأحرج الدولة السورية والحلفاء، لذلك كان من الضروري اغتيال علوش والرهان على الجانب المعنوي والشخصي الذي يقف وراء تشكيل «جيش الإسلام» وتماسكه حتى اللحظة، وهو ما حوّله إلى أحد أهم وأكبر التشكيلات التي تهدد أمن العاصمة دمشق.

صرخ «الائتلاف» المعارض حزناً على مقتل علوش الذي «سيؤثر على العملية التفاوضية»، فالجميع يدرك حجم الخسارة، لكن هذا لا يعني بأي حالٍ من الأحوال ألا تشهد الأيام المقبلة موجة انتقام من الإرهابي الجديد الذي خلفه على رأس التنظيم، بينما المؤكد أن التنظيم «المعتدل» سيتقلص وينكمش لمصلحة مزيد من التطرف سواء في صفوفه أو عبر انقسامه وانضمام عناصره إلى التنظيمات المنافسة في الغوطة الشرقية، وبعض المحافظات التي يتواجد فيها التنظيم، وهو ما سيساهم في تقليص مساحة وقف إطلاق النار الذي يراهن عليه الغرب في الحفاظ على الوضع الراهن خاصةً في محيط دمشق، وهو ما لن يكون بعد اغتيال علوش.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى