خطوات التعاون الروسي الفرنسي لمكافحة الإرهاب
بشرى الفروي
لم يعد لفرنسا أي خيار آخر سوى الانخراط والتنسيق لمكافحة الإرهاب مع الدولة الروسية التي أصبحت العرابة والحامية للقارة العجوز أوروبا، وذلك بعد الهجمات الإرهابية الموجعة التي ضربت قلب العاصمة الفرنسية باريس في 13 تشرين الثاني والتي أدت إلى سقوط 130 قتيلاً وإعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته.
تمدد الإرهاب في أوروبا شكًل نقطة تحول في السياسة الخارجية للعديد من الدول الغربية ومن ضمنها فرنسا ما أدى إلى الانعطاف والتغيير الجوهري حيال الأزمة السورية، وهذا ما عكسه قرار مجلس الأمن الدولي الأخير/2254/ تاريخ 2015/12/18 بالإجماع بشأن سورية والذي أعرب عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية ومكافحة الإرهاب.
سياسة التقارب الروسي الفرنسي بدأت عقب لقاء فلاديمير بوتين وفرنسوا هولاند، وذلك بتنسيق الضربات ضدّ تنظيم «داعش» في سورية، وهو أول تعاون مشترك بين فرنسا وروسيا حيال الأزمة السورية، حيث اتفق الرئيسان الروسي والفرنسي أثناء لقائهما في موسكو 26 تشرين الثاني على إطلاق تعاون بين جيشيهما المشاركين في العمليات العسكرية ضد الإرهابيين في سورية، واعتبرا تنظيم «داعش» الإرهابي عدواً مشتركاً لروسيا وفرنسا وأكدا استعداد البلدين للتعاون في مواجهته.
آفاق التنسيق والتعاون بين روسيا وفرنسا في مجال مكافحة الإرهاب تتطوّر على قدم وساق هذا ما أكده وزير الدفاع الروسي «سيرغي شويغو» خلال محادثاته مع نظيره الفرنسي «جان إيف لودريان» الاثنين الأسبق، في 21 كانون الأول، وقال إن السبيل الوحيد لإزالة التهديدات الإرهابية عن سكان باريس وموسكو ولندن وغيرها من المدن الأوروبية هي جمع جهود الدول المعنية ضد الإرهاب. ويأتي ذلك بالتزامن مع تأكيد مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى في إيران علي أكبر ولايتي خلال لقائه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرارد لارشيه، أن فرنسا وإيران «ترفضان أي تدخل عسكري في الصراع السوري، مع ضرورة إقرار حل للأزمة ومكافحة الإرهاب».
كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها قدمت لفرنسا معلومات عن عمليات النهب والسلب المستمر للموارد الطبيعية في سورية والتي يشكل ريعها تمويلاً لتنظيم «داعش»، وعن دور تركيا في هذه العمليات، إضافة إلى نقلها لإرهابيين جدد إلى شمال سورية، حيث اتفق رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي الجنرال «فاليري غيراسيموف» مع نظيره الفرنسي «بيير دو فيليه» على إنشاء فريق عمل مشترك يضم خبراء عسكريين من هيئتي الأركان العامة في البلدين وتبادل المعلومات والتنسيق للقضاء على مراكز القيادة والمعدات العسكرية والمستودعات وخطوط الإمداد لإرهابيي «داعش « في سورية. كما أكدا التفاهم المشترك بأن روسيا وفرنسا تعملان معاً «للحفاظ على سورية دولة واحدة موحدة علمانية متعددة المكونات».
فرنسا التي ارتضت التبعية للسياسة الأميركية في محاولة تحقيق مكاسب وحلمها بأمجاد ماضيها الاستعماري، فكانت رأس حربة في مواجهة السياسة السورية، وانسياق حكومتها خلف المصالح الاقتصادية التي حتّمت عليه محاباة السعودية وقطر، خصوصاً في ملف دعم الإرهابيين في سورية، وبتزعّمها حلفاً ضمّها مع تركيا وقطر، ما أفقدها الدور الريادي كقوة عظمى، ففشلت السياسة الفرنسية ما دفع سياسييها لاستدراك مخاطر الاستمرار بهذا النهج، ودفع الأصوات المعارضة لسياسة هذه الحكومة بالمطالبة بضرورة التعاون والحوار مع حكومة الرئيس بشار الأسد في سورية لمكافحة الإرهاب الذي بدأ يتسلل خارج حدود سورية ويضرب في قلب أوروبا.
يرى مراقبون أن أولى الخطوات الجدية المطلوبة من الحكومة الفرنسية هي توقيف كل العناصر الإرهابية التكفيرية وتفكيك خلاياهم على أراضيها، وعرقلة عمليات نقلهم من فرنسا وإليها، والعمل على تجفيف منابع تمويلهم والمشاركة بفعالية في الجهود العسكرية لضربهم، فما هو الحجم الذي سيضيفه الثقل الفرنسي على خيارات دول الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب؟