حربُ القِيْم… ينتصرُ النُبْل!!

هاني الحلبي

كانت القيم، قبل عصر التواصل، محلية، بقدر كبير، إذا كان يندر التفاعل اليومي بين الجماعات، إلا ما كان ينتقل بقوافل التجار أو الحملات العسكرية أو الأسفار المتعدّدة لأغراض العلم والاكتشاف والبحث عن الموارد.

مع الطباعة، بدأ فتحٌ جديدٌ أمكنَ للمكتوب أن ينتقل بسرعة وخفة وسهولة، إذ كان يستحيل قبل الطباعة نقل مسلة حمورابي وسرقتها إلا بعد احتلال ميديّ، لثقلها وتثبيتها في ساحة عامة كمدوّنة قوانين ينبغي الاطلاع عليها من الكافة ليصح تطبيقها في المعاملات بينهم. فالكتاب الورقي، إذ ضمّ بين دفتيه فكراً أو علماً أو تاريخاً أو ديناً أو سياسة نقل قيماً ما، راعتها جماعة ما، عبر تاريخها فغدت مقاييسَ لنظرتها إلى الكون والحياة والفن والوجود وما بعد الوجود.

وبعد انفجار التقنية من العصر الراديوي إلى العصر التلفازي فالعهد السابيري الإلكتروني، في خط من التنامي اللحظي المتسارع لقدرة الكتابة والنشر عبر العالم لأي فكرة أو صرعة أو بدعة أو أكذوبة ما، وضعت العقل الإنساني والخيال الإنساني والفكر الإنساني والوجدان الإنساني، في ميادين التشريع والسياسة وقوانين الاجتماع والفلسفة والأمن والأدب والتربية والهوية القومية والكينونة الإنسانية… أمام تحديات خطيرة ومصيرية ملحّة.

في كلّ عصر من عصور الإعلام كان لا بدّ من الإلمام بالقراءة والكتابة، لكن في عصر التلفاز كان يكفي أن تتلقى سَمَعاً، ويكفي أن ألا تكون مصاباً بالصمم لتشارك بالحدّ الأدنى، فلا تكون معزولاً عن دورته الدعائية ومشهديته الملوّنة المثيرة. بالتلفاز، خاصة، ومن بعده في الإعلام الإلكتروني تربّعت الصورة مجدَها، وغدت صور أيقونات، كما غنى كاريكاتور ما عن مجلدات تشرح عنه.

في ما قبل عصر التواصل كانت الفضيحة منكمشة في ظلام ما، تتستر بالصمت، أما في عصر التواصل فغدا المفتضَح يفاخر بفضيحته ويعمّمها أنها قيمة بذاتها! ففاخر الغبي بغبائه والمجنون بخبله والمعتوه بعتهه فكثرت أوهام السوق المتداولة في مسرح السياسة واستولدت من البلاهة فكراً تلغو به وتشاغل به فُرّاغ الأرواح وعميان القلوب!!

والأدهى أنّ أولئك الذين يقيمون من أنفسهم قضاة ويدينون، ولا يخشَون أن يدانوا، يبدون مثاراً للشفقة إن أراد باحث تشريح مقولاتهم وعرض آرائهم، فمهما ساير حرية التعبير وحق كلّ إنسان بها، فلا بدّ أن يتمسك بحق الحَجْر على المعتوهين والمجانين والمخدّرين عقولاً ووجداناً وذمماً وقلوباً وإيماناً.

فمأثرة القائد القرطاجي هملقار بعل برقة بعدم قبوله أن يساوم القائد الروماني على جثث قتلى الرومان التي كانت بحوزته، في كبرى معارك الحرب البونية بين الجيشين، بل أجاب طلبه بقوله «يمكنك أن تأخذ جثث قتلاك، لأننا نقاتل الأحياء لا الأموات». ومَن كان بهذه الرفعة التي اشتُهر بها السوريون، أهل بلاد كنعان والرافدين، معلمو البشرية قيمَها وأديانَها وأنبياءَها وعلومَها وآدابَها كافة، فلم يمثِّل ولن يمثِّل بجثث قتلى العدو، فهم أمانة بين يديه، أيضربُ في ميْت، وهو حرام؟!

إذا كان التمثيل بجثث قتلى عدو حراماً، فماذا يقول مَن لهم إيمانٌ بمحمد وعيسى وغيرهما، ومَن لهم إيمان بأن حياة أيّ كائن تستحق أن تُحترم، ولو كان كافراً أو ملحداً، فلو شاء ربك لأهداه، لأنّ قتله كقتل الناس جميعاً؟!!

لكن، ما قيل في القائد المقاوم الشهيد سمير القنطار أبشع من تمثيل في جثته! وأقذر من التنكيل بجسده!! وأقسى من أن يقوله مؤمن بأيّ إيمان قد يخطر ببالكم!!

مما قيل في حساب في «تويتر» للمسؤول في «حماس» محمود الزهار «الحمدلله لقد نال إخواننا المسلمون من هذا المجرم الذي هدم مساجدنا وقتل أطفالنا في سورية». ومثله هشام ملحم المتأمرك المتصهين أنّ «سمير القنطار ليس عندي سوى قاتل أطفال»، حتى تقول إحدى «الحماسيات» المتصهينات أنّ الشهيد القنطار «ليس سوى فطيسة نالت عقابها». وأمس قابلتْ يافطةٌ باسم أهالي مجدل عنجر في البقاع، بوقاحة، حافلات تقلّ مجرمي الزبداني تخاطبهم «أهلاً بأشرف الناس»!

أيّ شرف هذا وقد ديس بالدناءة والخسّة وقتل الأبرياء؟ وأية مقاومة تلك التي يدّعي تمثيلها مسؤول حماسي، إن صحّ ما نُسب إليه، وهو لم يَنْفِه حتى الآن، وتلك المقاومة استسقت دماءَنا، وهدمت بيوتَنا، وأثخنتْ جراحَنا، وأزهقتْ ميامينَنا، وبوّرت حقولنا وما زلنا نقول: «لأجلك يا فلسطينُ هذا القليل!»، كما نقول ونحن نشيّع شهداءنا ونرفع جراحنا لأنها «جراح أعزاء لا أجراح أذلاء» «لأجلك يا سورية هذا القليل!». أما مَن انحطّ ورأى في سميرنا القائد، المعراج إلى فلسطين، والسرداب لتحريرها القريب، أنه فطيسة، كما لم يكن لهم شرف مسح الغبار عن قدميه وحذائه، كذلك لن يكون لهم شرف مسح غبار قدمِ مقاومٍ عابرٍ من لبنانَ والجولانَ إلى فلسطينِنا العائدة حتماً، أما فلسطينُكم فستزول بزوال الاحتلال، لأنها ربيبته وتلعق من دولاره ونفطه ليستمرّ فتستمرّ!

الحرب آتية كالسيل عصفاً وسيجرف حماة الاحتلال بالاحتلال!

ناشر موقع حرمون

www.haramoon.org gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى