العلاقات الإيرانية ــ السعودية… التعثر مستمرّ
هتاف دهام
تتجه المملكة العربية السعودية إلى إحداث تغيير في أعلى هرم السلطة في المملكة، وتشهد حركة من أجل تهيئة الأجواء الداخلية والإقليمية لتعيين ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان ملكاً على السعودية عبر مرحلتين: الأولى تقوم على تعيين الأمير أحمد شقيق الملك سلمان ولياً للعهد بدلاً من الأمير محمد بن نايف، ليتم في المرحلة الثانية تعيين محمد بن سلمان ملكاً بعد تعيين الأمير أحمد. وفي هذا السياق تأتي سياسة تبريد الأجواء الإقليمية التي يمكن من خلالها تبرير العلاقات التي تنتهجها السعودية مع الدول الثلاث مصر، تركيا، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي أغدقت على مصر المساعدات المالية، وأبعدت الخلافات بين جماعة الإخوان المسلمين والحركة الوهابية عن الواجهة، وكذلك لجأت المملكة إلى خطوة تعيين علي حسن جعفر سفيراً لها في طهران بعد تعليق استمرّ أكثر من أربع سنوات، والهدف تفعيل العلاقات الإيرانية السعودية والحؤول دون المزيد من توتير الأجواء. وبما أنّ هذه السياسة «الانفتاحية» تنسجم مع السياسة والاستراتيجية الإيرانيتين القائمتين على توثيق العلاقات مع الدول الإقليمية عموماً، والخليجية خصوصاً، تلقفت إيران هذا المسعى «الانفتاحي» السعودي، وردّت على التحية بمثلها خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبلغها اسم السفير. لكن الأسئلة التي تُطرح: هل تكون الظروف والمتغيّرات مناسبة لمحمد بن سلمان في خطته؟ وهل يقوم السفير السعودي في طهران بالدور المأمول منه؟
لقد بعثت الرياض في الفترة الأخيرة رسائل إلى طهران تدلّ على رغبة سعودية في الاستعداد للحديث مع الجمهورية الإسلامية حول الأزمات العالقة في المنطقة، لعلّ أبرزها انطلاق المفاوضات اليمنية في جنيف، وإعلان الحكومة اليمنية موافقتها على المشاركة في مفاوضات مع الحوثيين، وتعيين سفيرها الجديد في طهران، وتعمّد وزير خارجيتها عادل الجبير وإصراره على لقاء نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على الواقف على هامش مؤتمر فيينا، ودعوته ظريف لزيارة المملكة، بعدما كانت السعودية في السابق ترفض الانفتاح الإيراني والرسائل التي بعثها ظريف أنه مستعدّ لزيارة الرياض من منطلق الاستمرار في سياسة مدّ اليد الإيرانية.
إنّ عدول السعودية عن تعليق العمل الدبلوماسي مع إيران، والذي يأتي بعد حادثة منى، التي راح ضحيتها مئات الشهداء من الحجاج الإيرانيين، أبرزهم السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي، مردّه بحسب المطلعين، الضغط الأميركي المتزايد في الفترة الأخيرة على الرياض، للجلوس مع الإيرانيين والتفاهم حول ملفات المنطقة، لكن توقيت الدعوة غير مناسب، بحسب مصادر مطلعة، فالسعودية تمارس أقصى درجات التصعيد ضدّ إيران وحلفائها في المنطقة لا سيما ضدّ حزب الله بفرضها عقوبات على عدد من الشخصيات والشركات المحسوبة عليه، وتصنيفه على لائحتها للإرهاب.
ويؤكد مطلعون على مسار العلاقة السعودية – الإيرانية أنّ آوان الزيارة السعودية لظريف لم يحِن بعد، لأنّ السعودية لا تملك رغبة حقيقية في التواصل، ومَن يريد حلحلة الملفات موضع الخلاف في سورية واليمن، يجب أن يرفق ذلك بسلسلة تدابير وخطوات تبيّن التوجه الصادق لحلحلة المشاكل العالقة. وحتى الساعة لا شيء يوحي عكس ذلك، فالرياض لا تزال تصعّد ميدانياً في سورية بدعمها وتسليحها الإرهابيين، وعدوانها الذي تشنه على اليمن ما زال مستمراً، والمعارك التي تخوضها مع الحوثيين مستعرة برغم بدء المفاوضات.
وعليه يمكن القول إنّ مباشرة السفير السعودي في طهران مهامه قريباً في طهران لن تغيّر في جوهر الصراع حول القضايا الوطنية والقومية، فتطبيع العلاقات بين البلدين لا يزال متعثراً بفعل الملفات الملتهبة في اليمن وسورية ولبنان، وهو ليس سوى محاولة سعودية لإعادة التواصل والاستعداد المنقوص للحوار، لكنه ليس مؤشراً على التفاهم.