الإذاعة مدرسة أولى لمحمد قطّان ثم التلفزيون… والدرب كانت شاقّة إلى الاستوديو فوق جبل قاسيون

دمشق- ميسم العاني

هو أحد عمالقة الكلمة والصورة الذين أسسوا للإعلام السوري وعملوا جدياً سنوات طويلة لبلوغ المكانة التي هو عليها اليوم، فكان الإعلامي الكبير محمد قطان نجم شاشة الستينات والسبعينات، وأمسى وجها محببا في زمن الأبيض والأسود وضيفاً خفيف الظلّ على قلوب المشاهدين السوريين، وعرفه الجيل الشاب عبر مشهده المشهور مع الكبير دريد لحام مؤدين أغنية و»اشرح لها».

عشق قطان مهنة الإعلام فأبدع وابتكر وأضاف فترك بصمة خاصة في الإعلام عصية على التكرار، لم يبخل على جيل الإعلاميين الجدد بعلمه فدرس في قسم الإعلام في جامعة دمشق وزرع في الطلاب حب اللغة العربية والتهافت على الغوص في بحورها.

عن ذكريات الزمن الجميل وخصوصية العمل في مهنة الإعلام كان هذا الحوار مع الإعلامي قطان الذي تحدث عن بداياته قائلاً: «بدأت مسيرتي في الإذاعة السورية عندما كنت طالباً في مدرسة التجهيز الأولى التي تحوّلت إلى ثانوية جودت الهاشمي عندما قدمت فكرة لبرامج الأطفال إلى أستاذي في اللغة العربية آنذاك عبد الكريم الكرمي الذي شجعني على تقديمه ضمن برنامج إذاعي للأطفال أشرف عليه شخصياً الأمير يحيى الشهابي مدير التلفزيون في ذلك الحين»، مضيفاً أنه كان للقائه بالشهابي تأثير كبير في شخصيته وفي مسيرته الإعلامية، بعد ذلك فقد كان لتشجيعه وملاحظاته بالغ الأثر في نفسه، وهنا أخذت هذه الهواية مداها في أعماقه.

رغم صغر سنه وحداثة تجربته انتقل قطان بعد ذلك إلى مرحلة أخرى تنوعت بين المسرح والكتابة، فعمل في مسرح المدرسة ونفذ مسرحيات صغيرة، كما أسس فرقة مسرحية عرفت آنذاك باسم فرقة الفنان التشكيلي عبد الوهاب أبو السعود، وقدم مجموعة من التمثيليات في الإذاعة آنذاك تحت عنوان «أعلام خالدون». وعندما تأسس النادي الشرقي كان قطان أحد أعضائه فعمل برفقة عادل خياطة وسامي جانو وخلدون المالح والفنان عبد الرحمن آل رشي وكان يترأسه نزار حسامي، ثم انتقل قطان للعمل في الصحافة فعمل في جريدتي «الحضارة» و»البعث». ولم يغب العمل المسرحي عن عمل الصحافي قطان فكتب نص مسرحية وأخرجها بمساعدة نادي فلسطين عنوانها «تراب الوطن» وقدمت على المسرح العسكري.

يعتبر قطان أن الإذاعة هي مدرسته الأولى التي تدرب فيها لسنوات طويلة فساعدته في أن يكون مذيعا في التلفزيون، متجاوزا مراحل، خاصة في موضوع الأداء واللغة والحضور والتقديم، مشيراً الى أن الإذاعة تحمل خصوصية معينة إذ تنقل الصوت الذي يصل إلى أذن المستمع ويجب ان يكون دقيقً وواضحاً ومعبراً كي يستطيع أن يدرك ما يصل له المذيع.

كان الإعلامي قطان من الإعلاميين المؤسسين للتلفزيون العربي السوري فشهد الولادة والنشأة وعاصر البدايات، لافتاًإلى أن البدايات كانت صعبة بسبب الإمكانات المتواضعة التي رافقت النشأة، إذ كان الاستوديو على جبل قاسيون وكان العاملون يتكبدون عناء الطريق للوصول إليه.

بعد نجاح قطان في مسابقة المذيعين في التلفزيون برفقة مهران يوسف وأحمد زين العابدين وفاطمة خازندار، قدم مجموعة من البرامج والنشرات الإخبارية وبرامج المسابقات والبرامج المنوعة، كما عين رئيساً لشعبة المذيعين وكان يشرف على عمل المذيعين الأوائل ويشجعهم ويعلمهم فن الإلقاء والتواصل مع الجمهور.

يحكي قطان عن مسيرة طويلة أمضاها في العمل في التلفزيون فكان صاحب مبادرات يجول في المحافظات ويجري لقاءات مع الناس ويقدم برامج تتحدث عن جمال الطبيعة في نهر الفرات، وفي حلب كان يقدم برنامجاً يغطي ظاهرتين الأولى سوق الإنتاج الزراعي الصناعي والثانية مهرجان القطن.

يروي قطان حكاية أيام جميلة أمضاها في رحاب هذه المؤسسة العريقة حيث كان يقضي الأيام والأسابيع للإعداد للبرامج هو وطاقم من الفنيين، مشيراً إلى صعوبة العمل على النقل المباشر في ذلك الزمان فنسخ ونقل المادة الفيلمية كان صعباً ويحتاج إلى مهارة ودقة عاليتين.

يعتبر قطان أن الهواية والتدريب المستمر والثقافة هي أساس النجاح في العمل الإعلامي وطريق الوصول إلى النجاح، مستعرضاً تجربته في العمل على البرامج الحوارية من خلال برنامج الباب المفتوح الذي كان يقدم عبر ساعتين على الهواء مباشرة حوارات مع أدباء وفنانين وشخصيات مهمة. كما احتل العمل في الإعلام السياسي مكانة لديه إذ شارك في تحرير الأخبار السياسية في تلك المرحلة، وعمل على قراءتها، إضافة إلى تقديمه حوارات سياسية مهمة مع شخصيات كبرى مثل زكي الأرسوزي.

عن أجواء العمل في التلفزيون في الزمن الجميل يقول قطان: «كنا في التلفزيون عائلة واحدة نقبل الملاحظات برحابة صدر، والمنغصات في العمل كانت نادرة وقليلة جداً، وكانت الحوافز موجودة ومبادرات تطوير العمل تلقى آذانا صاغية».

في رحلته الاعلامية الطويلة عاصر قطان حوادث سياسية كبرى شهدتها سورية منذ أواخر الستينات مستذكراً قراءته للبيان الأول للحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد وتغطية الإعلام السوري لحرب تشرين التحريرية والتي دفعت طيران العدو الصهيوني إلى استهداف مبنى التلفزيون في محاولة لإسكات صوته، ما يؤكد أن الإعلام رديف مهم للجيش العربي السوري ومشاركته ملموسة في معاركه للدفاع عن الوطن. ويؤكد أن جميع الإعلاميين العاملين عهدذاك كانوا جنودا مشاركين بفاعلية واستشهد وأصيب منهم الكثيرون.

لم يكتف قطان بممارسة العمل الإعلامي بجميع أشكاله بل سعى إلى نقل تجربته للطلاب الجدد كي يفيدوا منها، وكان منبره قسم الصحافة في جامعة دمشق حيث بدأ في التدريس عام 1983 وحتى عام 1995 وكان متخصصاً آنذاك في تدريس مادة اللغة العربية. ويلفت إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية بالنسبة إلى دارسي الإعلام والعاملين في المجال الإعلامي، معتبراً أن مخزون الصحافي من القراءة والاهتمام يساعد في عمله. ويؤكد أن اسلوبه في التدريس لم يكن تقليدياً، ولم يكن يحاول تقديم معلومات تلقينية بل كان يترك الطلاب يقرأون أمامه ويصحح لهم.

لم يكن تدريس قطان في الجامعة تجربته التدريسية الأولى بل درس لسنوات طويلة في مدارس دمشق، خاصة في مدرسة اللاييك الشهيد باسل الأسد حالياً . وعن هذه التجربة يشير الى أنه كان يركز في عمله التدريسي على زرع الأخلاق في الطلاب قبل العلم. ويعتبر أن الإعلام السوري في هذه المرحلة قدم الكثير خلال الأزمة التي تمر بها سورية، وطوّر من أدواته وأساليبه وواجه مؤسسات إعلامية كبرى، واستطاع أن يحقق وجوداً بينها، متمنياً أن يتجاوز الإعلام مطباته للوصول إلى الأفضل.

يؤكد قطان أنه لا يزال إلى اليوم يحاول تقديم عصارة خبرته في العمل الإعلامي عبر ندوات ومحاضرات في المراكز الثقافية في دمشق، ومن خلال دورات تطوير الإعلاميين التي يسعى دائما إلى المشاركة فيها لتعليم الأجيال الجديدة، معتبرا أن الفكر لا يكبر ولا يشيخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى