ربيع دمشق بنهاية الوجود المسلّح في ريفها… وحلب تلاقيها على الطريق الدولي ارتباك سعودي تركي «إسرائيلي» بعد العملية النوعية في دوما وبانتظار ردّ حزب الله
كتب المحرر السياسي
تتزاحم التطورات العسكرية والميدانية في محيط العاصمة السورية دمشق، لتلاقي ما يشبهها في محيط العاصمة الثانية حلب، فيقول أحد مسؤولي منظمات الأمم المتحدة إنّ الكثير من الخطط التي كانت تُرسم وفقاً للمعادلات العسكرية القائمة منذ شهور صارت شيئاً من الماضي، بعد التطورات التي فرضها الجيش السوري ويفرضها تباعاً في محيط العاصمتين، بما يجعل الربيع المقبل موعداً لملاقاة دمشق وحلب على الطريق الدولي، بعد إمساك الجيش السوري بكامل أحياء المدينتين وريفيهما.
الخبراء العسكريون والأمنيون يصفون الإنجازات التي يحققها الجيش السوري بمعونة حلفائه، وبصورة خاصة الغطاء الجوي الروسي والتكامل الميداني من قوى المقاومة اللبنانية، فرضت إيقاعاً غير قابل للرجعة، ففي محيط حمص بعد التسوية التي أعادت حيّ الوعر إلى سيادة الدولة السورية وأكملت سيطرة الجيش في كلّ أحياء حمص، جاءت إنجازات الجيش في شرق حمص، خصوصاً محيط بلدة مهين وحسم الموقع الاستراتيجي للجبل الكبير، والتقرّب المتوقع من تدمر كمعركة فاصلة مرتقبة مع «داعش»، تندحر بموجبها المجموعات التابعة لـ«داعش» نحو الرقة، بينما يحدث الشيء نفسه في أحياء ريف دمشق بالنسبة إلى عناصر «داعش» الذين سيغادرون الحجر الأسود ومخيم اليرموك، ونحو إدلب بالنسبة لعناصر جبهة «النصرة»، وإلى تركيا بالنسبة لبقايا «أحرار الشام»، كما كان حالهم بعد مغادرة الزبداني التي سيلتحق من تبقى فيها بعد تسوية أوضاعهم بوحدات اللجان الشعبية. هذا المشهد المتكرّر والمتسارع من قدسيا إلى الزبداني وصولاً إلى سائر أنحاء ريف دمشق، التي كانت تشكل مدينة دوما عقدتها الرئيسية وهي تنتظر ساعة المواجهة بعد سيطرة الجيش على مطار مرج السلطان من جهة، وشطب القيادات العسكرية لمثلث «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» و«فيلق الرحمن»، بينما يسير التقدّم في ريف اللاذقية وريفَيْ إدلب وحلب في المقابل على خط سريع يجعل تحرير الفوعة وكفريا ونبل والزهراء ضمن حسابات الأسابيع المقبلة وفي السياق حسم تنظيف الطريق الدولي الرابط بين حلب وحماه.
الرعاة الإقليميون للجماعات المسلحة، خصوصاً تركيا والسعودية و«إسرائيل» يعيشون حال الارتباك، في ظلّ تعثر وصايتهم على تشكيل وفد المعارضة التفاوضي إلى جنيف، وفشلهم في حماية هذه الجماعات بتحييدها عن لوائح الإرهاب، بينما يُرخي كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بظلاله على حال الارتباك، خصوصاً بالنسبة إلى «إسرائيل»، حيث بدأت التحليلات تتحدّث عن خطأ استراتيجي ارتكبته القيادة السياسية والعسكرية بذهابها إلى عملية منحت حزب الله فرصة فرض معادلته على خطوط الاشتباك من الجبهتين اللبنانية والسورية، كما بات محسوماً مع خطاب السيد نصرالله قبل أن يأتي الردّ المتوقع من المقاومة.
في لبنان كما هي العادة، ينقلب السعي لتثمير الإيجابيات إلى محاولة للتصيّد وتسجيل النقاط بصورة مفتعَلة، فلبنان الذي حاز دوراً في اللعبة الإقليمية بسبب تضحيات مقاومته، يخرج فيه من يجرؤ على الدعوة إلى محاسبة هذه المقاومة على ما أنجزت من حصانة للبنان في وجه الإرهاب من جهة، وما حفظت له من دور في هذه الحرب على الإرهاب من جهة مقابلة، وبالطريقة ذاتها خرجت بالأمس أصوات تستهجن المساهمة التي قدّمها الأمن العام اللبناني لإنجاز اتفاق الزبداني والفوعة وكفريا، رغم أنها مساهمة منسّقة مع الأمم المتحدة راعية هذا الاتفاق، ومساهمة تشكل دوراً ورصيداً صالحَيْن للاستخدام في حلحلة قضية العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، حيث للأتراك المعنيّين بالتفاهم نفوذ وتأثير، كما المساهمة في حلّ مفترض لقضية القطريين المخطوفين في العراق، وبدلاً من الشدّ على يد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وتشجيعه والتنويه بدوره لما يقوم به لأجل لبنان، تذكّر البعض النأي بالنفس متسائلاً عن صلتها بالمساهمة اللبنانية، علماً أنّ النأي بالنفس لا ينطبق إلا عندما يكون هناك مجال للتشارك في التفاهمات والحلول، خصوصاً تحت راية الراعي الأممي.
صفقة التبادل بلغَت خواتيمَها
مع إتمام «الصفقة» التي تضمنت اتفاقاً على خروج 336 جريحاً مع عائلاتهم من مدينتَيْ كفريا والفوعا المحاصرتين في ريف إدلب الشمالي، مقابل 123 جريحاً مع عائلاتهم من مدينة الزبداني بريف دمشق بواسطة الصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر السوري، ورعاية الطرف الأساسي «الأمم المتحدة»، طُويت الصفحة الثانية من الاتفاق، لتكون الزبداني ومحيطها «أمام سقوط محتّم» والذي سيمهّد لتنظيفها من العصابات الإرهابية وسيكون مقدّمة لإتمام عملية قاربت على الانتهاء «ميدانياً» في سهل الزبداني والقلمون برمّته.
وبلغت صفقة التبادل خواتيمها بإشراف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وقد جرت عملية الإخراج بالتزامن، وبلغ عدد جرحى الفوعة وكفريا 122 جريحاً و214 من عوائلهم إضافة إلى جريح أصيب مؤخراً في قصف خرق الهدنة. أما الجرحى من مدينة الزبداني ومضايا، فبلغ عددهم 64 يرافقهم 59 شخصاً.
كما تمّت العملية بالتعاون مع الصليب الأحمر الذي نقل الجرحى في قافلتين: قافلة كفريا والفوعة خرجت عبر ممر آمن إلى معبر باب الهوى فالأراضي التركية، وقافلة الزبداني، سلكت طريق المصنع اللبناني، ومنه إلى مطار بيروت الدولي.
ووصلت طائرة تركية مساء أمس قادمة من تركيا، وعلى متنها عدد من أهالي وجرحى بلدتي الفوعة وكفريا، وتبعتها طائرة ثانية بعد خمس دقائق، وبلغ عدد الركاب على متن الطائرتين 338 شخصاً. وفور وصول الطائرتين ونزول الركاب منهما وسط تدابير أمنية مشددة للغاية من قبل القوى الأمنية انتقلوا مباشرة إلى الحافلات وسيارات الصليب الأحمر التي أقلتهم عن طريق البر إلى سورية، وبذلك تكون المرحلة الثانية من اتفاق الزبداني – الفوعة – كفريا قد انتهت.
800 مسلح في الزبداني.. لتسوية الأوضاع
وأكدت مصادر مطلعة على الصفقة لـ«البناء» أن «الطائرة الأولى التي أقلت 318 مدنياً من أهالي كفريا والفوعا، انطلقت من منطقة هاتاي في تركيا باتجاه بيروت واستقبلهم الصليب الأحمر اللبناني في مطار بيروت وسلّمهم إلى الصليب الأحمر السوري المتواجد في المصنع الذي نقل بدوره الجرحى من الجماعات المسلحة إلى مطار بيروت باتجاه هاتاي في تركيا».
وأشارت المصادر إلى أن «المدنيين من أهالي كفريا والفوعا نقلهم الصليب الأحمر السوري من المصنع إلى مستشفيات العاصمة دمشق للعلاج وتمّ تأمين فنادق مغلقة لهم في منطقة السيدة زينب»، ولفتت المصادر إلى أن «800 مسلح لا يزالون في الزبداني رفضوا الخروج منها ضمن الصفقة وطلبوا تسوية أوضاعهم مع الدولة السورية وتسليم أسلحتهم والانخراط في صفوف اللجان الشعبية للقتال إلى جانب الجيش السوري على أن تعلن القيادة العسكرية السورية الزبداني منطقة آمنة خلال أسبوع». وكشفت المصادر أن «المسلحين في منطقة مضايا وسرغايا بدأوا يطلبون التفاوض وتسوية أوضاعهم مع الدولة السورية ورفضوا الخروج منها ضمن الصفقة».
وأوضحت المصادر أن «المرحلة الأولى من الصفقة هي الهدنة التي تم التوصل إليها خلال الأشهر السابقة بين الطرفين والتي قضت بعدم شنّ المسلحين في إدلب هجمات ضد كفريا والفوعا، مقابل عدم قتل الجيش السوري والمقاومة للمسلحين الذين كانوا محاصرين في الزبداني»، ولفتت إلى أن «الجيش السوري والمقاومة هما المنتصران من خلال هذه الصفقة، لأن المجموعات المسلحة سلمت منطقة الزبداني إلى الجيش السوري، أما مناطق كفريا والفوعا فلا تزال بيد أهالي القريتين المحاصرتين اللتين لم تسقطا عسكرياً والوضع الآن عاد إلى ما قبل الاتفاق، أي حرب كرّ وفرّ ويمكن أن تتعرّض القريتان لهجوم من المسلحين، لكنّ أهلها قادرون على الدفاع عنهما ويملكون إمكانات كافية للدفاع ويتم إدخال كل ما يحتاجونه إليهم رغم حصارهما منذ ثلاث سنوات، كما حوصر مطار كويرس العسكري في حلب».
وتابعت المصادر أن «إيران وتركيا والمقاومة والدولة السورية هي الأطراف المفاوضة في هذه الصفقة»، وربطت المصادر بين هذه الصفقة وصفقة تبادل العسكريين اللبنانيين التي تمّت مع جبهة النصرة، «لأن تركيا اشترطت الاتفاق على صفقة الزبداني أولاً كي تسهل عملية إنجاز صفقة العسكريين اللبنانيين».
وأضافت: «كما أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اشترط خلال مفاوضات العسكريين إخراج المدنيين من كفريا والفوعا كي يستطيع إقناع الدولة السورية الإفراج عن نساء معتقلات في السجون السورية طالبت النصرة بإطلاقهم».
تنسيق بين الجيشَيْن السوري واللبناني
وأشارت مصادر عسكرية لـ«البناء» أن «الجيش السوري يتقدم بسرعة كبيرة في ريف حلب الجنوبي والشمالي ويتقدَّم باتجاه كفريا والفوعا لتحريرهما بعد أن أصبحت مدينة إدلب مطوّقة وبات طريق حلب- الشام الرئيسي المعروف بالاوتوستراد الدولي تحت سيطرة الجيش السوري وسيتم فتحه خلال الأسبوع الأول من العام الجديد». وأشارت مصادر رفيعة لـ«البناء» إلى «أن صفقة الأمس أسّست لقرب نهاية تواجد المسلحين في الزبداني، لأن تنفيذ الصفقة جرى في منطقة من وسط الزبداني بالقرب من المقار وأماكن التحصين السرية التي كشفت».
عبد الكريم علي: نحن مع كل ما يُوقف الدم
في المقابل، أشار السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي في حديث متلفز إلى حصول تنسيق بين الجيشين السوري واللبناني. وأعلن أن «الاتفاق يعمل عليه منذ فترة وسورية بمؤسساتها وجيشها تابعت تنفيذه، ونأمل التوصل إلى النتائج التي يكون فيها جميع الذين يحملون السلاح وصلوا إلى قناعة بأن لا مجال للوصول إلى الغايات التي كانوا يرسمونها».
وأكد السفير السوري أن نتائج الاتفاق إيجابية، وقال: «إن سورية من منطق الوثوق وقوتها على الأرض ترى أن حاجة المسلحين وداعمي المجموعات إلى إجراء مثل هذا الاتفاق، وبالتالي هم مَن أتوا وليس هم مَن فرض الاتفاق ونحن كل ما يوقف سفك الدماء لنا مصلحة فيه».
قزي: لبنان غير معنيّ بالاتفاق
وتعليقاً على الصفقة، أكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» أن لبنان غير معني بهذا الاتفاق لا من قريب ولا من بعيد، سائلاً «أين سياسة النأي بالنفس الواردة في البيان الوزاري؟ وهل الحكومة على علم بيوم العبور هذا؟ وكيف يمكن للمسلحين من خارج الحدود أن يعبروا من سورية إلى مطار بيروت الدولي وبأيّ جوازات؟
مداهمات دار الواسعة: شهيد وجرحى وموقوفون
إلى ذلك، استُشهد الجندي علي بسام قاسم زين وجُرح 4 عسكريين بعد تعرّض دوريتهم لإطلاق نار كثيف أثناء عمليات دهم أماكن عدد من المطلوبين في منطقة دار الواسعة لتورّطهم في جريمة بتدعي التي حصلت خلال العام 2014 . وأشارت قيادة الجيش في بيان إلى أن قوى الجيش تابعت ملاحقة المجموعة المسلحة المؤلفة من 8 عناصر، حيث تمكّنت من محاصرتهم في أحد المباني وتوقيفهم جميعاً بعد استسلامهم. وتبين أن ثلاثة منهم ضالعون في الجريمة المذكورة ومحالون أمام المجلس العدلي، وقد ضبطت بحوزتهم كمية من الأسلحة الحربية والذخائر والمخدرات. وبوشر التحقيق مع الموقوفين وتستمر قوى الجيش بتنفيذ عمليات الدهم لتوقيف باقي المتورطين.