الانشغال «الإسرائيلي» وما بعدَه…!
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
لا ينحصر الانشغال «الإسرائيلي» إعلامياً وسياسياً وعسكرياً بالردّ المنتظَر للمقاومة بقدر ما يرتبط بما بعده، سواء أكان الانشغال مفتعلاً أم مفترضاً أم واقعاً، وإن لم يخرج عن الصورة الذهنية المعتادة التي تحدّد مسار صانع القرار «الإسرائيلي» ولا عن إطار الحالة العامة التي تحكم خياراته، وهو يدرك أن تغيير قواعد الاشتباك وتجاوز الخطوط الحمر لم يعُد مرتبطاً بما يقرّره، ولا هو وفق شروط حساباته أو محدّداته، بل بات أبعد من كل ما ظهر حتى اللحظة.
هذه هي الصورة التي تروِّج لها «إسرائيل» إعلامياً، ولا تتردّد في تسويقها دبلوماسياً، وإن كانت تدرك حق اليقين أن الرد سيأتي في الوقت الذي تختاره المقاومة، وسيكون على مستوى جريمة «إسرائيل» الإرهابية مهما تكن الاحتياطات، وبالشكل الذي يكون فيه معبّراً عن مكانة الشهيد القنطار ودوره، وبما يتناسب مع الوفاء لنهجه وتضحياته والرسالة التي عكسها وجوده سواءً في الأسر أم في ما بعده.
باقي التفاصيل الملحقة أو المضافة تحاول «إسرائيل» أن تتجاهلها أو تدّعي غض الطرف عنها على أساس أنها ليست قادرة على تغيير العناوين الواضحة والصريحة، وبالتالي فإن السياق الذي تنتجه الافتراضات «الإسرائيلية» لا يعدو كونه إضاعة للوقت، ومحاولة يائسة لتشتت الصورة المعتمدة بقالب فضائحي، ناتج عن الارتباك في الاتجاهات التي ستعكسها حالة الخلل في قواعد الاشتباك، بما يعنيه من ثغرات إضافية لن يكون بمقدور «إسرائيل» إغلاقها، ولا التكهّن بنتائجها على المدى الطويل والمتوسط، ولا الإحاطة بتفاصيلها، مع ما تفرضه الإجراءات الاحترازية والخطوات الاستباقية من عبثية.
أمام هذه المعادلة.. ثمة متغيّرات تفرض وجودها بحكم الأمر الواقع، وفي بعضها كانت نتاج الرعونة «الإسرائيلية»، بحيث عجّلت في قضايا ربما كانت مؤجلة، أو أن ظروف البحث فيها في ظل هذا التراكم من التطوّرات غير المتوقعة ولا المتخيلة لم تنضج كفاية، فكانت الجريمة «الإسرائيلية» حداً فاصلاً للبتِّ، وربما للتعجيل بكثير مما تمّ تأجيله تحت مبررات ومسوغات مختلفة.
بهذا الفهم تنشغل «إسرائيل» في البحث عن مسارات تعيد التأجيل أو تعرقل التفكير بما بات أمراً حتمياً، حيث المقاومة التي أسس لها الشهيد القنطار باتت أكثر ضرورة لتطفو على السطح، وما كان غير معلن فيها لا بد أن يُعلنَ وبشكل عاجل، بدلاً من الانتظار الذي كانت تحكمه عوامل مختلفة، وهذا ما يقضّ مضجَع «الإسرائيليين»، بعد أن كان خطاب السيد حسن نصر الله واضحاً ومحدّداً في تاريخه ومكانه، وربما مضمونه.
.. لن يكون أقلّ مما قامت به «إسرائيل»، بل سيكون مضافاً إليه ذكرى الشهيد وما تحمله، ولن يبتعد عن «الإسرائيليين» في الداخل والخارج وعلى الحدود، وهي مساحة كافية للحكم على نوعية الفعل، فيما التاريخ لا يحتاج إلى مقارنة.. والقرينة بيِّنة وصريحة ومحددة بدقة الفعل وزمانه، والتجربة بماضيها وحاضرها صريحة وتنطوي على ما يكفي من دلالات تدفع «الإسرائيلي» إلى الانشغال.
غير أن الأكثر دلالةً على وعورة الخيارات أمام «الإسرائيلي»، هو ما أُضيف إلى الرد، وما جاء في سياق التوضيح والشرح المسهَب، بالرغم من التكثيف الشديد في الأفكار والطروحات التي قدمها خطاب المقاومة وخطها الممتد في المنطقة بعواصمه الأساسية ومحاور عمله المتقاطعة، حيث القضية ليست في رد مقبل لا محالة، ولا في نوعيته التي ستفوق ما سبقها، ولا في تاريخه ومكانه، بقدر ما فتحته من خيارات واعدة أمام محور المقاومة، وبأن التعويل في المواجهة «الإسرائيلية» لم يعُد مرتبطاً بالحال العربي، ولا بالمال العربي، ولا بالحاكم العربي، والجميع يدرك كم كان ذلك الدور معيقاً ومفرملاً، وأحياناً مُحبِطاً، وحال في أحيان كثيرة دون الرد على «إسرائيل» ومنع فتح خطوط المواجهة معها.
اليوم.. المقاومة بمحورها الأساسي في حلٍّ من تبعات المال العربي، وفي حلٍّ من مرجعيته ودوره ووجوده، والأهم في حل من أي مشاغبات للمشيخات، ومَنْ في فلكها من دول المنطقة، ولم يعُد بمقدور «الإسرائيلي» أن يلعب لعبته خلف الكواليس، ولا بمقدوره أن يوظِّف الضغط الأميركي ولا الجاه الغربي، ولا الدور الهدّام لكثير من الدول الوظيفية التي اعتاشت في وجودها ومهمتها على لعب دور الإطفائي المشبوه والمفرمل أو المعيق لعمل المقاومة.
ما يُشغل «الإسرائيلي» ليس الردّ وحدَه، ولا ما بعدَ بعد الردّ فحسب، بل بما سيؤسّسه هذا الردّ لمرحلة نوعية تشكل منعطفاً في التعاطي مع العدوان ووجوده ودوره، حيث أوراقه التي استخدمها على مدى عقود خلت تفقد صلاحية التوظيف من جديد، والأعراب التي كانت سيفاً مسلطاً ومشهراً في وجه خيارات المقاومة يبدو منكسراً ومبتوراً، والتلويح به لم يعد مجدياً، فالمنطقة وخيارات المقاومة التي قلبت المعادلة في وجه الإرهاب وداعميه وحاضنيه، تقلبها في وجه «الإسرائيلي» ليس باعتباره جزءاً من داعمي الإرهاب وموظَّفيه سياسياً وتوسعياً فقط، وإنما باعتباره محتلاً له نهاية وربما بدأت الخطوة الأولى…!