دريد لحام لـ«البناء» و«توب نيوز»: أعارض أيّ خطأ يبدر من السلطة… وأرفض ذبح وطني تحت مسمّى الموالاة والمعارضة
حاوره: سعد الله الخليل وآمنة ملحم
رجل بحجم الوطن، إنسان يختزن معاني الإنسانية كلّها، فنان ترفع له التحيات زوايا قائمة، هامة شامخة تركت بصماتها في مدارس الفن، حمل أوجاع وطنه، أضحك أجيالاً وأجيالاً حدّ الثمالة، وأبكاها حدّ الوجع، فكان القدوة والمثال الأعلى.
يتحدث عن الطفولة كطفل، وعن الحياة كوقفة عزّ، كلماته البسيطة والعميقة في آن غدت شعارات تتداولها الأجيال. ومن دون مقدّمات، تستحضر الذاكرة شخصية «غوار الطوشة» لمجرد رؤية طربوش وقبقاب في أحد الأسواق الدمشقية، فترتسم البسمة على الشفاه مختصرة رحلة إبداع أتقن صانعها فنّ اللعبة، فأضحى رمزاً درامياً وشعبياً ببساطة أحلامه وعفوية كلامه وحسّه الوطني العالي الذي لا ينضب. فالوطن عشقه الأبدي الذي لا مفرّ منه حتى الموت. ومساندة الطفولة رسالته الأسمى التي لن يتخلى عنها مهما حصل. وتصويب الأخطاء هدفه الأكبر لعودة عبير الوطن. وكلّه أمل برؤية بلده يتعافى بمشرط الجرّاح السوريّ، وأن تسامح سورية من أخطأ من أبنائها بحقها.
مع الفنان والإنسان والكبير القدير دريد لحام، تطوي «البناء» صفحة «ثقافة وفنون» لعام 2015، ومعها قناة «توب نيوز»، بابتسامة وأمل في الحياة على رغم المآسي، لأننا أبناء الحياة ولن نتخلّى عنها.
«البناء» التقت الفنان القدير دريد لحام، القامة الوطنية والفنية الأصيلة. وكان الحوار التالي:
الأستاذ دريد لحام… ارتبط اسمك في الفن والذاكرة بشخصية «غوّار الطوشة» الخالدة فنّياً. ما الذي جعل منها خالدة؟
ـ شخصية «غوّار الطوشة» لا عيد ميلاد لها، إنما تكوّنت من التجربة والخبرة المهنية. ففي بداياتي الفنية جسدت شخصية «كارلوس ميرندا» على الشاشة، إلا أن الجمهور لم يحبّها بالمطلق وأجمع على فشلها، وهو ما أصابني بصدمة حينذاك. لكنّ هذه الصدمة لم تشكّل حاجزاً أمام أحلامي، لأنني مؤمن بقول تشرشل: «النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل من دون أن تفقد الحماسة». وأنا فشلت، ولكنني لم أفقد الحماسة، بل بدأت البحث عن شخصية جديدة، فخطرت لي شخصية «غوّار» كشكل قريب للناس «طربوش، سروال، قبقاب»، وبالفعل أحبها الجمهور بالشكل الذي ظهرت به، فـ«غوار الطوشة» له عيد ميلاد بشكله، لا كباقي الأعياد.
أما عن تعلق الناس بهذه الشخصية، فهناك سببان برأيي. الأول يرتبط بـ«غوار صحّ النوم وحمام الهنا ومقالب غوار»، هذه الأعمال التي حقّقت معادلة الضعيف الذي ينتصر على القوي، وهذا الجانب يحبه الجمهور. فـ«غوار» صعلوك وضعيف لكنه ينتصر ويأخذ حقه. أما في المرحلة الثانية من تطور شخصية «غوار»، والتي بدأت بمسرحية «كاسك يا وطن» وما تلاها، فقد تعلق الجمهور بالشخصية لموقفها الوطني. إذ ثبّتت أقدامها عبر موقفها من الوطن ومن الخطأ.
«غوار الطوشة» على رغم أنها شخصية مشاكسة وإشكالية، إلا أنها لا تحمل من الشرّ ما يحمله الكثير ممّا يُقدّم في الدراما… من المسؤول عن جرعات الشرّ الزائدة في الدراما؟ المجتمع أم المنافسة الدرامية، أم أن هناك شيئاً ما وراء الأكمة؟
ـ دائماً نأخذ معاني الأشياء من أضدادها. فلا معنى للصدق من دون وجود للكذب. كما أن الخير لن يكون له معنى إن لم يكن هناك شرّ. لذا، أرى أن وجود شخصية شريرة أمر ضروري لندرك أين يكمن الخير. ومن الجميل النفور من الشخصية الشريرة، لأن ذلك يؤكد أنها أدّت غرضها الدرامي، ولكن الخطير أن يحبها الجمهور، ومن هنا اعترض بعض النقاد على شخصية «غوار» كونها تحمل الشرّ لكنها محبوبة. ولكنني أعود وأؤكد أن معادلة انتصار الضعيف على القوي هي التي زرعت محبة «غوار» في قلوب الجمهور. فهو ضعيف يدافع عن حقه، لذا يقوم بأعمال قد تبدو شريرة في بعضها، ليصل إلى حقه. وهذا عدل، فالغاية تبرّر الوسيلة.
إلى أيّ مدى نحن اليوم بحاجة إلى رسائل «غوار الطوشة» على الشاشة؟
نحن بحاجة إليها وإلى غيرها من الشخصيات صاحبة الرسالة. أنا قدّمت شخصيات كثيرة مختلفة على المسرح. مثلاً في «كاسك يا وطن» قدّمت «غوّار»، وفي «غربة» الباحث عن أحلامه… والشخصيات المقدّمة على الشاشة تؤثر على المشاهد عندما يتابعها ويتفاعل معها، وليس فقط على سبيل الفرجة، وللأسف قلة ممن يتابعون الأعمال الدرامية يتفاعلون معها. ففي أحيان كثيرة وبعد انتهاء حلقة درامية، نجد العائلة تتناقش بالشكل الخارجي للشخصيات، بعيداً عن موضوع العمل. لذا أتمنى أن نستطيع تحويل المتفرّج إلى متفاعل.
هل بساطة الشكل كانت تساعد المشاهد في التركيز أكثر بعيداً عن العوامل المشتّتة التي نشهدها اليوم؟
ـ في أيّ عمل أعدّه للمسرح، أصرّ على عدم تشتيت الحضور. فعندما تتكلم إحدى الشخصيات على الخشبة لا يجوز لشخصية أخرى أن تتحرك كي لا يصبح هناك «بارازيت». ولكن للأسف اليوم، الـ«بارازيت» كبير في الأعمال المقدّمة. وأهم «بارازيت» يتمثل في أنّ تلك الأعمال لا تمثلنا، والشخصيات لا نعرفها في مجتمعنا، لا سيما الأعمال التي تقلّد النمط الغربي. فنرى فيها علاقات اجتماعية غريبة على مجتمعنا، ولا يجوز تقديمها على أنها موجودة لدينا. هنا نكون قد سقطنا. باستثناء ما يقدّم من أعمال حول العائلة أو الحبّ، فهذه المواضيع ليست حكراً على أحد وكل ما يدخل تحت هذا البند مقبول. ولكن أن تقدّم أعمال بقصور فارهة وشخوصها من الأثرياء على طريقة «جي آر» الأميركية، يعدّ هذ غريباً، ونضطر لمشاهدته من دون أن نتفاعل معه.
الأجيال التي كبرت على شخصية «غوار» كان لها نصيب الاستمتاع بما تحمله هذه الشخصية… بالنسبة إلى الأجيال الجديدة، هل من مشروع لإعادة إحياء «غوار» بقالب فنّي جديد؟ أم أنّ لكل زمان شخصياته؟
ـ مثلما ذكرت من النهاية… فـ«غوار» صعلوك وشاب بسيط، أحلامه صغيرة ويقاتل من أجل تحقيقها. و«غوار» الشاب كان من الممكن أن يسرق تفاحة عن شجرة إذا كان جائعاً، ولكن في هذا العصر يجب أن يسرق بنكاً، والعمر له شروطه بالنسبة إلى الدور والشخصية، وفي عمري لا يمكنني أن أمثل هذه الشخصية، لأن الجمهور لن يقبلها. فلن يقبلني وأنا أقاتل من أجل حب «فطوم»، ولن أستطيع الاحتيال بدور طالب جامعة كما كان يفعل «غوار» الشاب. كما لا يمكن أن نحيي الشخصية بنمط جديد لأن الجمهور سيذهب بذاكرته مباشرة إلى «غوار» الأبيض والأسود الشقي الذي يصارع للحصول على ما يريد ولن يقبله اليوم. حتى عندما قدّمنا الجزء الثاني من«صحّ النوم» وظهر فيه «غوار» كشخصية طيبة تريد إصلاح المجتمع لم يحبّه الجمهور.
ثمة أحاديث عن نيّة شركات إنتاج إنجاز عمل دراميّ حول سيرتك الذاتية، وسمعنا عن ترشيح جورج خبّاز ليلعب شخصيتك… أين أصبح المشروع؟
ـ هناك أحاديث وأفكار عدّة في هذا الإطار، وهناك توجّه بأن أجلس أمام الكاميرا وأروي حكايات تاريخي كعمل وثائقي وفق عناوين «غوار والطفولة»، «غوار والأم»، «غوار والحبّ»، «غوار والمسرح»… وهنا يجب أن نطرح من الأمور ما لا يعرفه الجمهور عنّي. أما فكرة عمل دراميّ عن حياتي فلا أرحب به. فأنا لست نزار قباني أو أمّ كلثوم، أو ربما لأنه ما زال لدي المزيد لأقدمه، وعن اقتراحي ذات مرة لجورج خباز فكان لأنني أرى فيه فناناً متعدّد المواهب يأسرني حضوره وهو «كالزبدية الصيني»، يؤلف ويلحن ويمثل ويغنّي وعلى المسرح تراه كالفراشة، كما أنه منتمٍ إلى وطنه وإلى مبادئه التي يؤمن بها.
الكوميديا المدروسة تخلّد شخصياتها وتترك بصمة لكركترات فنية: «غوار»، «حسني البورزان»، «ياسين بقوش» و«أبو عنتر»… بين الكوميديا والتهريج، لمن الخلود؟ وهل تستطيع الكوميديا في زحمة الإنتاج وزحمة ما يتلقاه المشاهد، تخليد شخصيات جديدة؟
ـ بحسب نوعها… ففي الدراما الاجتماعية مثلاً يمكن أن نجد ثلاثة مستويات للأعمال المقدّمة: جيد، وسط، رديء. أما في الكوميديا فهي إما جيدة أو سيئة. وهنا يدخل التهريج الذي يحاول أن يستدرّ ضحكة الجمهور بحركات لا معنى لها أو عبر تشويه الشخصية «أعرج»، وهذا ما يدخل ضمن بند الفنّ الرديء الذي لا يمكن أن يخلّد.
كيف تنظرون إلى ما تقدّمه الدراما السورية خلال الأزمة؟ هل هي هادفة وملائمة للمرحلة؟ أم أنها أضحت دراما السوق فقط؟
ـ لو رصدنا الأعمال التي تتحدّث عن الأزمة، نجدها «فوتوغراف» تصوّر ما يحصل، ولكنها لا تناقش الأسباب والنتائج التي من المبكر النقاش فيها، ولكنها توثق لما يجري، وهذا ما تقوم به الدراما السورية بشكل جيد. وهنا لا أتكلم عمّا ينتج لمصلحة شركات أجنبية وأحياناً عربية، ويحمل ما تريده تلك الشركات من أفكار وسموم يجسّدها فنانون سوريون، ولكنها ليست ذات هوية سورية. فعندما نرى أعمالاً تسيء إلى صورة المرأة السورية لا سيما الدمشقية فتظهرها تغسل قدمَي زوجها وتتعرّض للعنف لتقول له في النهاية «أمرك سيدي»، تلك ليست المرأة الدمشقية التي شُوّهت صورتها في هذه الأعمال، فثريا الحافظ ونازك العابد وماري عجمي وغيرهن من المحاميات والطبيبات، هن مثال المرأة الدمشقية لا كما تقدّمها الأعمال التي توصف بأنها شامية وهذه تهمة.
ماذا تقولون للفنانين الذين ينخرطون في أعمال كهذه؟
ـ نحن لا نريد أن نخنق الممثّل، فالفنان يريد أن يعيش، وهو يستطيع المقاومة حتّى حدود معيّنة، ولكن في النهاية هناك تكاليف حياة لا مفرّ منها.
على رغم التقدّم في العمر، همّة دريد لحام القوية تواكب الشباب ومبادراتهم الوطنية والفنية… بماذا يشعر دريد الجدّ إزاء مشاركات كهذه؟ وهل يستحضر دريد «غوار»؟
ـ أستحضره بفكري، أنا أقرأ أعمالاً كثيرة. ففي السنة الماضية قرأت ستة نصوص من بداياتها حتى النهايات، ولم أجد نفسي في أيّ عمل منها، وأنا حريص جداً على خياراتي وأقول دائماً إن مستقبلي خلفي لا أمامي. مستقبلي أن أكون حريصاً على ما أنجزته من قبل. فإذا جاء عمل ليخطف شيئاً من الماضي بالتأكيد أرفضه، وآخر ما قدّمته كان «الخربة» و«سنعود بعد قليل»، وظهرت فيهما بدورين مختلفين قد يكونان صادمين للجمهور الذي ينتظر منّي دريد الذي يضحكهم أو «دريد غوار»، ولكنّ الدورين كانا في مكانهما الصحيح لذا تلقيا النجاح، ففي «سنعود بعد قليل» قدّمت دور الشخصية حاملة هموم العائلة، والعائلة هي الوطن، لأن الوطن ليس جغرافية إنما الإنسان، وأنا دائماً أعترض على عبارة «جبالنا شامخة» لأن الجبل ليس بشامخ إنما هو عالٍ، ويصبح شامخاً بوجود إنسان يدافع عنه، فالإنسان هو الأهم وهو الهدف لأيّ شيء، والوطن هو الإنسان.
يُقال إنك ترفض العمل خارج الدراما السورية ـ المصرية مثلاً ـ هل صحيح ولماذا؟
ـ لا… لا أرفض، لكنّني أرفض التمثيل بغير لهجتي السورية. وقد عُرضت عليّ أعمال في مصر لم أقبلها لأنّ لهجتي جزء من تكويني، والجمهور لا يمكن أن يقبل عمر الشريف مثلاً يتكلم اللهجة الشامية، وأنا لا أجد نفسي في اللهجة المصرية على رغم أنها سهلة ومحبّبة. ولكنني كممثل أحرص على لهجتي، ويشرّفني العمل في مصر بلهجتي السورية، وقدّمنا عدداً من الأفلام السورية القديمة، مثّل فيها مصريون بلهجتهم، ولم يشعر أحد أنّ ذلك الاختلاط خاطئ. كما شاركتنا الفنانة مادلين طبر اللبنانية فيلم «كفرون» بلهجتها اللبنانية.
برأيي، على الفنان أن يكون دقيقاً وحريصاً في هذا الخصوص، فعندما عُرض فيلم «الحدود» في مصر ولاقى نجاحاً، طلب منّي كاتب السيناريو عبد الحيّ أديب حينذاك إخراج نصّ للفنان أحمد زكي فرفضت، وقلت له: بنظري، ما لم يُكتب على الورق أهم ممّا كتب. لذا، أنا مخرج مقبول لأعمال أشارك في كتابتها أو من تأليفي، لأنني أعرف ما لم يُكتب. أما أن أخرج سيناريو مكتوباً لغيري فهذا ما لا أقبله.
شغلت خلال مسيرتك منصب سفير النوايا الحسنة لـ«يونيسف» وقدّمت استقالتك «لغياب النيّات الحسنة في هذا العالم»… بصراحة، هل هذه المناصب سياسية أم إنسانية أم بريستيج؟
ـ عندما نقبل المنصب نقبله بدافع إنساني، من دون أن نعرف أن له خلفيات سياسية من تلك المؤسسات النابعة عن هيئة الأمم المتحدة والتي في ظاهرها إنسانية، إنما لديها خطّ أحمر في مسألة الانتماء. فعندما كنت سفيراً وسألوني إن كنت مع المقاومة أجبت: نعم. وكتبت صحيفة «يدوعوت أحرنوت» الصهيونية أنني أدعم الإرهاب. واشتكى العدو لهيئة الأمم. قلت إنني أفتخر بصداقتي للمقاومة، وإذا خُيّرت بين موقفي الوطني وجوازكم الدبلوماسي فهذا جوازكم لكم، وأنا إلى جانب الطفولة سواء كنت سفيراً أم لا.
سألوني حينذاك في «يونيسف» عن تأييدي للمقاومة وكأنها تهمة. هم يريدون سفراء بلا ملامح وطنية، لأن ذلك يتعارض مع رغبة «إسرائيل» وسطوتها على الرأي العام الغربي وأميركا. والبعض يرون «إسرائيل» كولاية أميركية، بينما أنا أرى أميركا محافظةً في «إسرائيل»، لأن ما تريده «إسرائيل» ينفّذ. وفي النهاية، كان عليّ إما أن أنصاع لهم أو أن أقول إنّ الحياة كلها وقفة عزّ، وأنا قلت كلمتي.
إلى أيّ مدى يثبت ما يحصل في اليوم في سورية صحة موقفك؟ ولو كان هناك نيّات حسنة ماذا عليها أن تقدّم للطفولة السورية اليوم؟
ـ يجب أن تقدّم كل الإمكانيات التي تملكها والتي لا تملكها للطفل السوري وأيّ طفل معذّب في العالم كله. ولكن عمل هذه المنظمات في أيّ منطقة يكون وفق علاقاتها السياسية بتلك المنطقة، أو علاقة «إسرائيل» وأميركا بها. فمن المضحك أن نرى اليوم بلداً بعيد كل البعد عن حقوق الإنسان يوضع لدى هذه المنظمات «الإنسانية» على رأس قائمة البلدان المدافعة عن حقوق الإنسان، هذا يثبت إلى أيّ مدى الأمور كلّها مسيّسة.
بين الوطن والسياسة والفنّ… كيف يمكن الفصل بين هذه التداخلات؟
ـ لا يمكن الفصل بين الوطن والفنّ، ولكنهما لا يلتقيا مع السياسة. وأنا عملي وطنيّ دائماً وليس سياسياً، وعندما أطالب بالحرّية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، هذه كلها عناصر مواطَنة لا سياسية. فعندما يستشهد جنديّ على الحدود فداءً لوطنه، من الظلم والإجحاف بحقه القول إنه استشهد لانتمائه إلى تيار سياسي محدّد. فالسياسة وجهة نظر من الممكن أن نكون معها أو ضدّها. لذلك توجد الأحزاب والتي ربما هدفها كلها الوطن إنما لكل حزب طريق ليصل إلى الغاية الأسمى وهي الوطن، باستثناء الأحزاب المباعة. أما الوطن فلا نقاش حول الانتماء إليه والدفاع عنه.
جسّدت شخصياتك الفنية شخصية المواطن الثائر على الأخطاء… ولكن «ثوّار» اليوم يرون أنك خذلتهم… برأيك من خذل من؟
الثورة لها موازين ولا تقبل تسمية ثائر لأيّ كان. فلا يمكن أن نسمّي من يفجّر سيارة في مدرسة أطفال بالثائر. لا بل أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنه مجرم. الثائر يكون حريصاً على بلده وإمكانياته وبنيته التحتية أكثر من أي شخص.
أنا معارض لكلّ أخطاء السلطة منذ مسرح الشوك في 1969 إلى العمل الأخير الذي قدّمته. وأفضح أخطاء السلطة. فأنا أول معارض للخطأ، ولكنني موالٍ حدّ الموت لبلدي سورية، ولا أقبل ذبحها تحت أي شعار للموالاة أو المعارضة. فلا موالٍ ممّن يتّهمون من البعض بأنهم موالون يقبلون بالفساد، كما لا معارض يرفض الإصلاح، إنما هناك معارض للفساد موالٍ لسورية، ولكن لا يجوز تحويل سورية إلى كعكة كل شخص يريد الحصة الاكبر منها.
كيف لنا أن نسمّي من يجلسون في بلدان أخرى في فنادق خمس نجوم تحت الجناح التركي أو السعودي أو الفرنسي ويتكلمون باسم الشعب السوري من دون أن يسألوه يوماً ماذا يريد بأنهم «ثوار»؟ في الحقيقة لقد ذبحوا سورية تحت شعار استلام السلطة، هذه ليست ثورة هذه خيانة لسورية بأن تذبح للوصول للسلطة، ولكن هناك بعض الاشخاص الوطنيين في الخارج كهيثم المناع وغيره من المعارضين أرى أنهم وطنيين بامتياز بطروحاتهم وأفكارهم.
أضحت ثقافة العنف مسيطرة على الأجيال التي ولدت في خضمّ الأزمة، والسلاح يأخذ حيّزاً من تفكيرهم. كيف سنعيد طفولتهم إليهم؟
ـ هذه مهمة بحاجة إلى أجيال عدّة لإنجازها. فالعمران الذي هُدم يمكن إعادة بنائه خلال سنوات، إنما الإنسان بحاجة إلى دهر ليعاد بناؤه. اليوم نرى أطفالاً كثيرين خارج مدارسهم وهذا مؤلم جدّاً، ونرى كثيرين منهم في الخيام، والبعض في المناطق الساخنة، هؤلاء سيكبرون وقد اعتادوا على غياب النظام والقوانين في حياتهم وهنا تكمن الخطورة. فبناء الإنسان يبقى أهم ما يجب الالتفات إليه. لذا، عندما يتكلمون عن إعادة الإعمار، عليهم أن يتكلموا عن إعادة إعمار الإنسان.
ما المشهد الذي يثير دموع الفنان دريد لحام اليوم؟
ـ مشهد طفل في عينه سؤال ولا يجد من يملك الإجابة عليه… هذا الطفل يحرق قلبي. لا سيما أن الأطفال هم نصف الحاضر ولكنّهم كل المستقبل.
شهدنا خلال الأزمة فعاليات وحملات تطوّع كثيرة… إلى أيّ مدى تشجّع هذه الفعاليات وتؤمن بها، وتسجّل بصمة فيها وبين هؤلاء الشباب؟
ـ إنها واجب على أيّ إنسان، والوطن هو إنسان إلى جانب إنسان، فإن لم يكونوا إلى جانب بعضهم يصبحون كالغرباء. ومن أجمل ما سمعت من السيد موسى الصدر: «الوطن لا يجوز أن يكون شركة مساهمة… الوطن يجب أن يكون شراكة إنسانية». ونحن نحاول أن نجعل منه شراكة إنسانية.
الفنان مصطفى الخاني يردّد دائماً عبارة «أفتخر بأنني من بلد فيه مدرستان لتعليم الفنّ… المعهد العالي للفنون المسرحية ودريد لحام». ما تعليقكم على هذا الكلام؟ وكيف ترى مستقبل الخاني وقد تشاركتما عدّة مشاريع فنية؟
ـ بالتأكيد هذا الكلام نابع من محبة. وأنا أحبّ مصطفى الخاني ولكن أن أكون مدرسة في الفن هذا كثير عليّ. مصطفى مستقبله مشرق طالما هو مجتهد ومؤمن بما يفعله، وأهم ما يجب على الإنسان فعله أن يتقدّم خطوة ويثبتها، ثم ينتقل إلى غيرها. ومصطفى يعمل هكذا، لذا هو في تصاعد.
هناك خلاف قديم مع الفنان رفيق سبيعي… هل يمكن إصلاح الودّ بينكما؟ بصراحة، إنّ قامتين وطنيتين كبيرتين من حق الوطن أن تعود المياه إلى مجاريها بينهما… ومن حق الأجيال المقبلة أيضاً.
ـ نحن زملاء، ولكن من الصعب أن نكون أصدقاء، ولا مشكلة لديّ بأن نجتمع معاً في عمل. كما دُعيت مؤخراً إلى ندوة حول الشاعر نزار قباني ودُعي إليها الفنان رفيق سبيعي أيضاً، ولا مشكلة لديّ بذلك، ولا أنكر أنّ رفيق سبيعي فنان الشعب وجذر من جذور الدراما السورية، ولكن الإنسان من الممكن أن يختلف مع غيره من دون أن ينكر وجوده.
كلمة أخيرة من الكبير دريد لحام لكلّ شخص هاجر وهجر الوطن.
ـ قدّمنا منذ فترة فعالية «هنا لنا»، وقلنا للمهاجرين فيها: «يا طيور الغيم طيروا… واندهوا عللي غربوا… يللي هجرتوا ارجعوا… حتى ما يصير الوطن دمعة حزن وحنين». ولكنني أعطي العذر للبعض ممن يعيشون في الخيام، وللمشردين، فهؤلاء لهم الحق بالذهاب لفترة إلى بلد آخر بحكم الظروف الصعبة التي يعيشونها، ولكنني لا أعذر من هاجر من دون سبب حقيقيّ ليبحث عن وطن بديل.
ولكلّ من يحمل السلاح من أبناء الوطن؟
ـ وجّهوا سلاحكم بالاتجاه الصحيح. يا أبناء بلدي، لمجرد أن تروا في بلدكم أشخاصاً من دول أجنبية يقتلون السوريين في بلدنا سورية، عليكم أن تدركوا حجم المؤامرة على بلدنا، وأن تصحوا وتغيّروا وجهة سلاحكم نحو هذا الاستعمار. فأيّ بلد يحق له مقاومة الاستعمار، وجّهوا سلاكم بالاتجاه الصحيح ثمّ دعونا نتحاور فلا أجمل من الحوار بين أبناء البلد.
ولكلّ شخص قرّر أن يكون الفنّ مهنته ومستقبله؟
ـ لا تفقد الحماسة وآمن بما تفعله، لا تعتبر الفشل في مرحلة ما هو نهاية الكون.
وللوطن؟
ـ ليته يسامحنا… لأننا جميعاً أخطأنا بحقه. حق بلدنا وأمّنا سورية، ونتمنى أن تسامحنا سورية حقاً.
ولـ«البناء»؟
ـ أشكركم وأعتزّ بصحيفة «البناء» التي تتبنّى فكرة أنّ الحياة وقفة عزّ. أحترمها وأقرأها يومياً وأنزعج يوم الأحد لأنها لا تكون موجودة. فالحياة موقف وليست مجرد أكل وشرب. وكما يقول السيد المسيح: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». أمنياتي بحلول سنة جديدة، أن يحلّ الأفضل على الجميع.
يبثّ هذا الحوار على قناة «توب نيوز»، اليوم الساعة الخامسة مساءً، ويعاد الساعة 11 ليلاً، وذلك على التردّد التالي: 12034، قمر «نايلسات».