جيوبولتيك الاتنيات: التركمان
وليد زيتوني
يجب التنويه، بداية أن هذه المقالة، هي الثانية في جيوبولتيك الاثنيات، بعد المسألة الكردية. تهدف بالدرجة الأولى للإضاءة على المشاريع الوافدة إلى المنطقة انطلاقاً من الاختراقات الحاصلة في شرائح اتنية وطائفية على امتداد تواجد هذه الشرائح ولصالح هذه المشاريع. وبالتأكيد أن طرحنا لهذه العناوين لا يعني بالمطلق عدم وجود مجموعات من الشرائح ذاتها ترفض الاختراقات وبل وتقاتل ضدها في كثير من الأحيان. وربما تتفوق في بعضها النسبة الرافضة على تلك المنخرطة فيها. إن قراءة المشكلة بعقل موضوعي ومنفتح قد يساهم وبدرجة كبيرة على فهمها وتحليلها ثم تأطيرها في المشروع القومي الضامن لها كما لغيرها في الحياة الكريمة والحرية والحقوق والواجبات على قاعدة المواطنية الكاملة.
بالعودة إلى عنوان المقال. لم تأخذ مسألة التركمان المتواجدين في العراق وسورية ولبنان وفلسطين والأردن نفس الزخم التي أخذته المسألة الكردية. كون الحالة التركمانية، لم تأخذ حيزاً جدياً في مشروعات الاستقلال الذاتي لا في العراق ولا في سورية. على رغم بعض الطروحات العابرة من ممثلة التركمان في مجلس الحكم العراقي رداً على إعطاء الكرد حق الحكم الذاتي.
تجدر الإشارة أن هناك تبايناً في الاحصاءات التي تتناول الشريحة التركمانية، بين السلطات الحكومية وبين تلك التي تعلن عنها الأحزاب التركمانية نفسها. وتختلف مسائل التعاطي بين الحكومات المركزية وهذه الفئة بين العراق وسورية لأسباب لها علاقة بالدور التاريخي في كل منها. فتواجد التركمان بالعراق يقتصر على شمال الجزيرة بين تلعفر وكركوك، وقليل منها في بغداد لا تتجاوز 50 ألف نسمة، وهي نفس منطقة تواجد الأكراد. من هنا كان النزاع على أشده في هذه المناطق التي شهدت صراعات دموية بينها وخاصة في مدينة كركوك، على رغم أن البعض من التركمان أعلن أنه سيقاتل ضد الأتراك في حال دخولهم إلى الإقليم استناداً لتصريحات أردوغان. ونرى قسماً منهم يقاتل مع الأكراد ضد «داعش» في الوقت الحالي. والتركمان ينقسمون طائفياً في العراق 55 في المئة منهم سنة، و45 في المئة شيعة.
أما في سورية فيتواجد التركمان في مدن ريف حلب الشمالي، جرابلس ومنبج والباب وأعزاز بالإضافة إلى عشرات القرى التي تمتد إلى ريف حماة السلمية ومنها إلى جسر الشغور ومصياف في طرطوس وفي محافظتي حمص واللاذقية، ضمناً في مدينة اللاذقية نفسها حي الرمل الشمالي وغيرها كما في دمشق.
لعب التركمان، خاصة التركمان المستعربة، كما أطلق عليهم، دوراً بارزاً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية السورية، فمنهم كان رؤساء ووزراء وقادة. بيت الأتاسي والشيشكلي ومنهم الشهيد يوسف العظمة ومؤخراً الشهيد حسن تركماني وعدد كبير من رجال الفكر والأدب ويقال إن منهم نزار قباني. وكذلك لعب التركمان في العراق أدواراً ثقافية بارزة من الفارابي إلى عبد الوهاب البياتي.
إلا أن الطموحات التركية قديماً وحديثاً، حاولت الاستفادة من الحالة التركمانية وبخاصة في الموضوع السوري لأهداف تتعلق بمشاريع «الخلافة العثمانية» المتجددة. فما فتيء أردوغان ووزير خارجيته داوود أغلو «التتري» يطلقان التصريحات المدوية بوجوب حماية التركمان من «الإبادة» للتغطية على الإبادة الأرمنية التي نفذها الأتراك، وبخاصة ما قامت به بعض العصابات التركمانية المرتبطة بتركيا في معركة كسب الأخيرة.
إن المشروع التركي، كما كل المشاريع التي تستهدف أمتنا وأرضنا ومنطقتنا تقوم على إثارة النعرات الطائفية والاتنية بغية إضعافنا ثم شرذمتنا وتقسيمنا للسيطرة ونهب ثرواتنا وضرب حقوق شعبنا في الحرية والوحدة والاستقلال.
وعليه نوصف زيارة أردوغان إلى منطقة عكار في شمال لبنان وتقديمه مساعدات عينية لأبناء شعبنا التركمان بغية جذبهم إلى مشروعه الاستعماري.
عميد ركن متقاعد