سورية تنتصر… الأعداء يندحرون… لماذا؟
محمد شريف الجيوسي
لماذا صمدت سورية نحو 5 سنوات، ودحرت كل من استهدفها، رغم كل آلات الدمار التي استهدفتها، والمليارات التي هدرت، والمرتزقة الذين استجلبوا من كل بقاع الأرض، والإعلام المضلل الذي سُخّر، والفكر التكفيري الجهالي الذي استدعي من الماضي السحيق بذرائع كاذبة مزعومة على أنها تعاليم دينية.
بالتأكيد ليس صدفة أن تصمد سورية بالرغم من كل ذلك، وليس صدفة أن تتسابق دول كفنزويلا وروسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وغيرها على الانتصار لسورية.
وفي الأساس فإن الانتصار لدولة ما لا يمكن أن يكون من دون أن يكون هناك يقين من الداعمين بأن تلك الدولة صامدة وواعدة لما بعد الصمود، تستحق أن تدعم، وإلا فما الذي يمكن أن يدعم لو كان هناك انهيار، أو ما شابه.
ولو أن الدولة الوطنية السورية قبل المؤامرة والحرب عليها لم تكن متصالحة مع ذاتها ومع العالم ودول الجوار، لما كان هذا الحماس للانتصار لها من دول وشعوب بعيدة وقريبة.
ولو أنها كانت دولة فاشلة لكان الانهيار أسرع من لمح البصر كما حدث في دول أخرى، لكن بنيان الدولة ومؤسساتها كان قوياً، وكان اختيار الرجال في مواقعهم موفقاً بنسبة عالية جداً، الأمر الذي لم يتح انهيارات دراماتيكية، بل إن بعض من غادر على قلتهم بات يعاني الحسرة والعزلة والمرارة على ما ارتكب من سوء تقدير وعطالة وخيانة.
كانت سورية عشية الحرب الدولية عليها مكتفية ذاتياً، مستقرة اجتماعياً، تعيش فيها مختلف فئات الشعب في أمن وأمان وحرية اجتماعية مناسبة، ولديها احتياطي لسنوات في مواد استراتيجية كالحبوب وتصدّر الخضار والدواء والقطنيات والزيتون والزيت والحمضيات والنفط والفوسفات وغير ذلك بنسب متفاوتة.
وكان الرئيس السوري د. بشار الأسد قد اجترح رؤية البحار الخمسة… فكانت له بذلك أسبقية على الصعيد الدولي في إقامة أفضل العلاقات مع دول أخرى عديدة، وفي تحويل الفكرة إلى مشروع للتعاون والتعايش وتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز السلم الدولي، واكتسبت سورية بذلك مكانة دولية فضلاً عن المكانة العربية والإقليمية.
لكن الذي تحقق عكس ذلك، في الدول الطامعة بوراثة سورية، فقد تراجعت معدلات النمو الاقتصادي فيها بما في ذلك السياحة، وانعكست الأوضاع الصعبة في سورية على الأمن والاستقرار فيها بدرجات متباينة، كما انعكست على الاستقرار الأمني والعيش المشترك داخل هذه الدول سلباً، واتسعت دوائر ارتكاب الجريمة من إتجار بالبشر وتهريب للمخدرات والسلاح واستخدامهما، ولم تفِ الدول المموّلة بالتزاماتها كما كان مؤملاً، وسوى ذلك.
ولم يدر هؤلاء أنّ كثيراً مما كانوا عليه من إيجابيات كان جراء العلاقات الطيبة مع سورية والاستقرار الاجتماعي والأمني فيها، وعندما انقلبوا عليها نالهم بعض ما أصابها، فخذلوا أنفسهمم أيضاً.
بل إنّ قوى سياسية في دول الجوار، انحازت بشكل واضح إلى جانب سورية، فولدت بحدود معينة، بنى سياسية محلية منحازة إلى سورية، ما أضعف بالقياس إلى السابق الحزب الحاكم في تركيا مثلاً، وهو مرشح لمزيد من الضعف وفقدانه لمكانته السياسية.
وأصبحت حالة تلجيء السوريين الى بلدان الجوار عبئاً متعدد الجوانب، بعد أن كان مؤملاً أن يكون عنصر استثمار مريح ومربح، فبات يهدد أمن واستقرار مجتمعات الجوار.
وكان اللافت والمذهل انحياز اللاجئين السوريين في لبنان والأردن لدولتهم بإقبالهم الشديد على التصويت في انتخابات الرئاسة عام 2014 بغض النظر عمّن صوتوا له من المرشحين الثلاثة.
لقد بنيت الدولة الوطنية السورية جيداً، قبل بدء المؤامرة عليها، على صعد الاقتصاد والأمن والاستقرار الاجتماعي والدبلوماسية والعلاقات الدولية، وبالتالي لم يكن سهلاً اختراقها، بل وعزز ثقة الأصدقاء بها وبالمراهنة عليها.
وكشفت ممارسات الجماعات والعصابات والمعارضات، كم هي معزولة شعبياً، بعد أن بدا لبعض وقت أنها تحظى ببطانات حاضنة لها، بل وتولدت لدى بطانات حاضنة سابقاً، مشاعر الكراهية والاحتقار والحقد تجاه العصابات الإرهابية، وتجاه تفاهة معارضة الـ5 نجوم في الخارج وتبعيتها الوثيقة لعواصم الغرب الاستعمارية القديم منها والجديد، وهزال معظم الجماعات المعارضة في الداخل ومراهنتها على المجهول، فهي مطلوبة من الإرهابيين كالدولة، وليست على وفاق مع الخارج، ولا مع معارضة وطنية داخلية في طريق التشكل تنظر إليها على أنها من إفرازات الدولة.
لقد استطاعت الدولة امتصاص كلّ الضربات الموجعة الموجهة لها، وتسديد رواتب موظفيها وإصلاح ما تخرّبه يد الإرهاب تكراراً واستمرار الحياة الاجتماعية في المناطق التي لا تخضع لسيطرة العصابات الإرهابية، وفق ما كانت عليه قبل الحرب وغير ذلك، فيما كانت العصابات الإرهابية تفرض على الناس أقسى درجات التخلف والتشدّد وإعطاء أسوأ نماذج السلوك الشاذ والقتل والسبي والاغتصاب وبيع البشر على الهوية، ومصادرة الحريات الاجتماعية والتعبّدية.
وبهذا المعنى باتت غاية طموح السواد الأعظم من السوريين العودة إلى ما كانت عليه سورية قبل الأزمة، وأصبح العديد منهم عيون الدولة وأيديها طوعاً، فتشكلت العديد من القوى الشعبية المساندة للدولة إلى جانب الجيش العربي السوري والقوى الأمنية.
وإذا كان بعض السوريين الذين هُجروا من المناطق التي وقعت تحت سيطرة العصابات الإرهابية قد اضطروا للنزوح الى بلدان الجوار أو الغرب، فإنّ غالبية السوريين في بلدان الاغتراب قبل الحرب الدولية عليها قد انحازوا إلى وطنهم سورية، بكلّ أشكال الانحياز المتاحة بل واجترحوا أساليب دعم لوطنهم ودولتهم.
باختصار كان سلوك الدولة الوطنية السورية قبل وبعد الحرب سبباً رئيساً في صمودها، بقدر ما كان ذلك في آن سبباً في شنّ الحرب عليها، كقوة إقليمية طموحة، تلعب خارج قوس الهيمنة الأميركية الأوروبية الغربية الصهيونية، ونقيضاً لها.
لكن البناء الداخلي المتين واحتضانها للمقاومة اللبنانية وما تبقى من المقاومة الفلسطينية، وامتدادها القومي النسبي، همّش إمكانية كسر إرادتها، بل وعززها، وجرى التراجع عن خطوات بدأت أو كانت ستتمّ لاحقاً على الصعيدين الاقتصادي الاجتماعي والسياسي المحلي والقومي، لتنحاز سورية مجدّداً إلى المقدمات التي اكتسبت من خلالها سورية قوتها الإقليمية على الصعد كافة.
لقد أيقنت القيادة السورية وعلى رأسها الرئيس العربي السوري الدكتور بشار الأسد، أنّ الغرب ليس في وارد تحقيق إصلاحات من أيّ نوع، بل إنه يستثمر ما يسمّيه «إصلاحات» لغاية إضعاف الدولة وإسقاط نسقها السياسي المقاوم والاقتصادي الاجتماعي المرتبط بمصالح أوسع الجماهير، لكن القيادة والقائد حرصاً على تحقيق إنجازات إصلاحية مهمة، باعتبارها حاجة وطنية سورية وتجديداً للدولة وتكريساً لإيجابيات عمرها عقود.
لقد كرّس تمسك الدولة الوطنية السورية بنهجها الاقتصادي والاجتماعي الأصيل، انحياز جماهيرها التي تضرّرت في سنوات ما قبل الحرب إليها مجدّداً، وعزز المزايا النسبية للدولة، وحصن البطانات الحاضنة لها من أي انحراف، وحقق إرادة الدولة بالصمود مهما كان حجم التضحيات، ومكن من استثمار خطايا وجهالات وجرائم ومؤامرات كلّ من هو ضدّها، دولاً وعصابات وجماعات، وأقنع الأصدقاء دولاً ومقاومات بجدوى دعمها، ليس لأجل سورية فحسب بل ودفاعاً أيضاً عن أمنها ومصالحها ومستقبل الاستقرار في بلدانها.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk