«داعش»… من تنظيم إلى «دولة»… فحالة
عامر نعيم الياس
نصّ أحد الأخبار أوائل الشهر الجاري: «أفادت معلومات أن المدرّس الفرنسي الذي ادّعى أن مناصراً لتنظيم داعش هاجمه اختلق الاعتداء». وسبقت هذه المعلومات تصريحات لمسؤولين فرنسيين قالوا فيها إن رجلاً مُقنّعاً يزعم أن له صلة بتنظيم «داعش» هاجم مُعلّماً فرنسياً لرياض الأطفال بسلاح أبيض، بينما كان يستعد لبدء اليوم الدراسي في سان دوني شرق العاصمة باريس. لا خلاف حول «داعش» الدموي وإرهابه، ولا خلاف حول التأنيث والتذكير، هل نقول هي «داعش» أم هو «داعش»؟ تساؤل يتندر به المهتمون بالسياسة والمؤرخون في سياق جلساتهم، ويتحوّل إلى مادة نقاش محتدم وساخر في آن. «الدولة الإسلامية» أم «جماعة الدولة» أم «مجموعة الدولة» أم «داعش»، تسميات متعددة تخفي وراءها هوية المعسكرات التي يقاتل «داعش» بين معسكر يحاول احتواء «داعش» وتحديد خريطة طريق لتمدّده ودوره الوظيفي في المنطقة، ومعسكر يدرك خطورة التنظيم ويعمل على تشكيل تحالف دولي لسحق التنظيم وإنهائه بشكل لا لبس فيه. هذه التسميات أيضاً تكشف هوية وسائل الإعلام التي تساند هذا الطرف أو ذاك في الحرب الكونية على «القاعدة» الجديدة، لكن الملاحظ اليوم أن «داعش» استطاع تجاوز تنظيم «القاعدة» بمراحل، ووجوده في المنطقة التي تضم دولنا جعل من الجميع ينساق إلى لعبة تحويل التنظيم إلى ذلك الخارق الذي لا يقهر كما في الروايات الشعبية التي تحيط بنا من كل حدبٍ وصوب، وأفلام هوليوود التي تسيطر على ثقافتنا السينمائية «فالبطل الخارق» هو تنظيم «داعش» اليوم ولا أحد بريء من هذه اللعبة التي أدخلنا الغرب بها، مع أن التمايز قائم بين من يرفض نعت التنظيم بالدولة وبين من يحاول أن يصبغه على الدوام بصبغة جماعة إرهابية يجب القضاء عليها وتملك اسماً ذا إيقاعٍ منفر في اللغة العربية.
المفارقة أن من يحاول اليوم إبعاد صفة «الدولة» عن «داعش»، تلك الصفة التي أكسبته دعايةً دولية منقطعة النظير وساهمت في زيادة نسب التجنيد في صفوفه، وحوّلته إلى ذلك الهدف الذي يستوجب تحالفاً دولياً للحرب عليه.
المفارقة أن هؤلاء اليوم يحوّلون «داعش» إلى حالة وإلى عنوان ومضرب مثل سيعيش أكثر من أولئك الذين يحاولون محاربته على اختلاف أجنداتهم، فاليوم نجد أنفسنا أمام «الداعشية» و«الدعوشة» التي انضمت إلى أحدث المصطلحات السياسية والإعلامية والاجتماعية في حياة المنطقة المعاصرة والتي ستتكرس مع مرور الوقت وتفسح في المجال أمام الحنين إلى هذا التاريخ عند فئة توازي في ثقلها الفئة التي تنفر من هذا التنظيم مما فعله وارتكبه من همجية ووحشية لم يسبق لهما مثيل على وجه الأرض، وهنا تكمن المشكلة والعقدة التي بتنا نواجهها اليوم، فما نحن فاعلون في هذه الحالة التي بات لها اختصاصيوها ومحللوها وكتّابها ووسائل إعلامها.
يوماً بعد يوم يتحوّل تنظيم «داعش» إلى حالة تتعدى الفكر الوهابي المقيت و«القاعدي» الذي أرعب العالم العقد الماضي. فـ«داعش» ليس أداةً للتخويف فقط، بل هو أداةٌ للتندر وللتوصيف وللتمييز بين هذه الفئة المجتمعية أو تلك، هو ماركةٌ مسجّلة ساهم كل طرف منّا في رفع قيمتها السعرية في السوق العالمية حتى باتت تجاوز في أهميتها كل ما سبقها على المستويات كافة.
كاتب ومترجم سوري