بين حلب ـ ديالى… وحلب ـ دمشق

عامر نعيم الياس

تمتد الدولة الإسلامية من حلب شمال سورية إلى ديالى شرق العراق على الحدود مع إيران. تطرح تساؤلات هنا حول قابلية هذه الدولة للحياة والانتشار والصمود؟ على محور آخر وفي خضم مد الدولة الإسلامية على المستوى الإعلامي، تبرز تطورات على جبهة الحرب على سورية وتحديداً على جبهة حلب التي تشكل أساس الرهان الأطلسي على كسر الدولة السورية وسلبها أحد أهم عوامل قوتها، هذه التطورات الميدانية التي صبّت لمصلحة الجيش السوري والقوات المتحالفة معه، لم يجر التطرق إليها في الصحافة الغربية على غير العادة، ربما في سياق الحرص على معنويات الجمهور المعارض، أو على الأغلب في سياق تغيير التكتيك الخاص بإدارة الحرب الغربية الإقليمية على سورية والتسليم بتقدم الدولة السورية على طريق استعادة حلب، وإن لم تكن الطريق معبدة بالورود والمهمة لا يزال أمامها وقتٌ ليس بالقصير.

إذاً وفي عملية مفاجئة وسريعة استطاع الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني السيطرة على مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب، والتي تعد أحد أكبر المدن الصناعية في الشرق الأوسط، حيث تمتد على مساحة 44 كيلومتراً مربعاً، وتضم آلاف المعامل التي سرقت غالبيتها من جانب «لص حلب» بحسب تعبير رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي. وفي التفاصيل أن انهياراً سريعاً في صفوف الميليشيات المتطرفة المتموضعة في الكتلة الثالثة من المدينة غالبيتهم من جبهة النصرة، أدى إلى هذا الإنجاز النوعي الذي لم يتوقف عند هذا الحد، فالواضح أن القوات المهاجمة مستمرة بالتقدم للسيطرة على القرى والتلال المحيطة بالمدينة، أولاً لتأمينها وتوفير مستلزمات النهوض بالواقع الصناعي في سورية قبل حلب، وثانياً لاستكمال عملية حصار الأحياء الشرقية في مدينة حلب، حيث تعتبر المدينة نقطة استراتيجية على طريق فصل ريف حلب الشمالي عن مدينة حلب، وبالتالي قطع طرق الإمداد عن الإرهابيين القابعين داخل المدينة، وهنا يتقدم الجيش بثبات نحو مارع التي تعد أحد أهم معاقل المسلحين، أما على المحور الآخر وبعد السيطرة على سجن حلب المركزي والتلال المحيطة به، لم يبق أمام المجموعات المتمركزة في مدينة حلب سوى خط إمداد واحد وهو معبر الكاستيللو شمال غربي المدينة، إذ أعادت المجموعات المتطرفة التخريبية انتشارها على هذا المحور ابتداءً من مخيم حندرات، لمنع الجيش السوري من إطباق الحصار عليها، واعتماده تجربة أحياء حمص القديمة التي نجحت على الصعد كافة.

مما لا شك فيه أن الإنجاز الذي حقق في حلب ناتج في جزء منه من تداعيات الصراع القائم بين إخوة الذبح والتكفير في مناطق شرق سورية التي تفرض على الفصائل المتناحرة الانسحاب من مكان لتعزيز وجودها في مكان آخر، وارتدادات انتصارات الدولة الإسلامية على تماسك المجموعات المتطرفة الأخرى من الجيش الحر، وصولاً إلى النصرة التي بايعت الدولة الإسلامية في أكثر من نقطة في شرق البلاد من مدينة البوكمال إلى الشحيل المعقل الأساس لها في ريف مدينة دير الزور. هذا الإنجاز يفرض على الدولة السورية اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة العاصمة الاقتصادية إلى سابق عهدها سواء عبر القروض والتسهيلات المصرفية وفق مطالب اتحاد غرف الصناعة السورية، أو سواء تقديم الدعم المباشر وتعزيز الجانب الأمني لضمان دوران عجلة الصناعة السورية بما يضمن استعادة زمام المبادرة في البلاد عبر الإمساك بمحور دمشق-حلب مع ما يعنيه ذلك من استتباب عوامل القوة في يد الدولة السورية، والجدير بالذكر هنا أن انخفاض قيمة العملة السورية بشكل ملموس لم يكن ليتم لولا نجاح محور تركيا الأطلسي في إخراج صناعة حلب من المعادلة السورية.

مما لا شك فيه أن صمود دمشق العاصمة التاريخية والسياسية ركيزة أساسية في كسر الرهان على سقوط الدولة السورية سياسياً وعسكرياً، لكن التقدم الجوهري في العاصمة الثانية للبلاد وروح اقتصادها سينهي حرب الاستنزاف القذرة التي نعيشها، هي السيطرة على العاصمتين بما تعنيه من الحفاظ على أهم مقومات الدولة، وعند هذه النقطة وفي مقاربة بين محوري حلب- ديالى، وحلب- دمشق يرى الصحافي رينو جيرار كبير مراسلي صحيفة لوفيغارو الفرنسية للشؤون الدولية أنه «في سورية وعلى عكس ما يعتقد بعض القادة الغربيين، فإن بشار الأسد متماسك وباقٍ وليس على استعداد لترك دمشق تسقط. إذا كانت هناك انتخابات حرة في سورية فلا أعتقد انه سيحصل على أقل من 50 في المئة من الأصوات. حتى في العراق وعلى رغم عدم القدرة على إغفال احتلال الموصل من قبل داعش إلا أن بغداد ليست مهددة. وحتى يتوفر للإمارة المفترضة التكامل والاتساق والقوة لا بد لها من أن تحتل العاصمتين التاريخيتين في المنطقة أي دمشق وبغداد».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى