السيّد نصرالله يستنفر العالم ضدّ آل سعود

روزانا رمّال

تحدّث امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ضارباً بعرض الحائط كلّ ما يمكن له ان يؤسّس لأرضية تفاهمات او تسويات مع عائلة يبدو انه اعلن موقفاً نهائياً منها غير قابل للعودة الى الوراء، فتصعيد امين عام حزب الله تجاوز التوقع بإعلان آل سعود خطراً على العالم كلّه.

عبّر السيد نصرالله عن يقينه بأنّ السعودية لا تزال اليوم تخوض الحرب على اليمن بهدف غير منطقي، فهي خرجت عن المنطق منذ زمن، ولم يعد هاجسها السيطرة على اليمن او إعادة بسط نفوذها السياسي والأمني فيه بل بات عملاً انتقامياً بحتاً، وهو بذلك يقول إنه يعرف أنّ موقف السعودية من حزب الله وتصنيفه إرهابياً لن يتغيّر يوماً، وهو يعرف ايضاً أنّ كلامه العالي السقف ضدّها بعد إقدامها على إعدام الشيخ نمر باقر النمر محسوب لدى حزب الله الذي لا يخشى أيّ عواقب، ولو كانت انتقامية، لأنّ تخليص العالم من حكم هذه العائلة بات ضرورة، وهذا كله ترافق مع تزخيم الشارع وتشجيعه على استخدام الوسائل الفكرية والتعبيرية كلّها لاستهداف هذه العائلة الجائرة.

لقد اعلن نصرالله معركته، وقال إنّ هذه العائلة اصبحت الهدف… وشدّد على انها السبب المباشر والاصيل لدعم الإرهاب في العالم كلّه، وقد آن الاوان للاعتراف بهذا من دون مواربة.

لن يمرّ إعدام المعارض السعودي الشيخ النمر مروراً عادياً، وهذه الحادثة التي حاول السيّد نصرالله شرح خطورتها لم تحصل منذ أكثر من خمسين عاماً، فكيف يمكن للسعودية أن تُعدِم عالم دين مسلم، وهو زعيم لديه قاعدة شعبية أساسية في جسم المعارضة السعودية وتستسهل العواقب وتتحدّى بهذا الشكل المريب؟ وعلى هذا الأساس بدت الرياض مُصرّة على الإقدام على تنفيذ الإعدام، حتى ولو كلّف ذلك فتنة سنية – شيعية.

السيد نصرالله الذي أعلن النفير العام في خطابه، وضع قاعدته الشعبية أمام مسؤولية كبرى، وهي عدم التأثر بأيّ حملة من الطرف المقابل. ومن المعروف أنها ستبدأ منذ لحظة انتهاء خطابه بالتصويب على حزب الله والطائفة الشيعية ومن ورائهما إيران، وهذا التصويب يبدو انه كان موجهاً بشكل مباشر إلى إيران قبل الإعلان عن الإعدام، وعلى هذا الأساس بدت استخبارات السعودية جاهزة لفرش ارضية ملائمة لما ستقدم عليه وزارة الداخلية في الأيام المقبلة بإعدامها الشيخ النمر، فانشغلت الاوساط المتابعة بحادثة إعدام السلطات الإيرانية لشاعر عراقي على خلفية انتقادات وجّهها في قصيدة «نحن شعب لا يستحي» ليتبيّن لاحقاً انّ القضية برمّتها تلفيق وتزوير لاستهداف النظام الإيراني، لكن ما لم يكن يُعرف أنّ الخبر بإمكانية مخابراتية سعودية للمساواة بين ما قامت به المملكة وبين إيران التي تُعدم هي الأخرى على خلفيات فكرية واختلاف في وجهات النظر. وهنا دليل على أنّ السعودية كانت جاهزة لكلّ شيء يتعلق بهذا الملف.

السيد نصرالله الذي أكد انّ مرور الإعدام لن يكون عادياً، والذي تعرّض لانتقاد كلمته عقب انتهائها، وأبرز الانتقادات جاء على لسان الحريري الذي شدّد على اعتبار الأمر شأناً سعودياً داخلياً وهو يدرك تماماً أنّه غير محصور بالداخل السعودي، بل بات شأناً إسلامياً عاماً يتعلق بمهابة الموقف والشهيد ورمزية عمامته الدينية التي لا يمكن التفريط بها واستسهال إعدام علماء، لكنه أيضاً يدرك أنها سياسياً واحدة من أخطر النقاط المسجلة بين الحلفاء.

المشهد المتوتر إقليمياً لا يمكن فصله عن حادثة الإعدام أمنياً، فالحلفان المتنازعان بين روسي ــــ إيراني ــــ سوري، وسعودي ــــ تركي ــــ «إسرائيلي» يسجّلان في مرمى أحدهما الآخر نقاطاً مبعثرة علها تقلب المشهد لمصلحة أحدهما فيصبح جاهزاً للذهاب الى تسوية غير مهينة، كتلك التي كاد يُقدم عليها السعوديون في اليمن لولا جرعة دعم سقاهم إياها الأتراك بدخول العراق وزيارة أردوغان الداعمة والمخططة لمصير الحلف، واغتيال الشهيد سمير القنطار الذي أوحى للسعودية أنّ هناك معركة مقبلة بين «إسرائيل» وحزب الله ربما فلماذا الاستعجال؟ وهي على أيّ حال ككل المنتظرين على أحرّ من الجمر لمعرفة شكل الردّ المقبل، ويبدو أنّ السيد نصرالله لم يرد أن يختم خطابه المتعلق بالشيخ النمر دون المرور على هذا الملف والتذكير أو حتى دغدغة الإسرائيليين بوضعهم أمام الأمر الواقع أنّ حزب الله سيردّ حتى لو اختبأتم كالفئران، وبأنّ حزب الله أيضاً لن يشغله قلق من أيّ فتنة مقبلة لن يدخل فيها فلا تراهنوا عليها، وهنا أيضاً ومن باب التذكير يعتبر مقتل زهران علوش هو الآخر من النقاط المسجلة بين الأهداف في مرمى الحلفاء.

الملفات المتشابكة تجعل قضية إعدام النمر ذات بعدين أساسيين أولهما: الضغط على إيران وحلفائها ليتيح للتسويات ان تمرّ تحت ذريعة ابتزازها بالفتنة السنية الشيعية التي لا تريدها إيران، وتعرف السعودية أنها، كما تصرّفت مع كارثة حجاج منى بديبلوماسية فهي ستتصرّف كذلك مجدداً، وثانياً وبالإمكانية نفسها فإنّ الإعدام قد يكون نسف كلّ امل لايّ تسوية في المنطقة في المدى المنظور، لأنه قلب الطاولة في الخليج وأبعد الحلول عن اليمن، وربما يوصل التأزم لنسف أيّ تسوية لبنانية داخلية مفترضة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى