عقوبات الكونغرس وأزمات المنطقة
إنعام خرّوبي
أقرّ الكونغرس الأميركي منتصف الشهر الأخير من العام الماضي عقوبات على المصارف التي تتعامل مع حزب الله، الذي تصنّفه الولايات المتحدة «منظمة إرهابية». وبموجب هذا القرار سيتوجَّب على الرئيس الأميركي «اتخاذ الإجراءات اللازمة لفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع الحزب أو تبيّض أموالاً لحسابه». كما يطلب من الإدارة الأميركية أن تقدّم إلى الكونغرس سلسلة من التقارير لإلقاء الضوء على النشاطات الدولية لحزب الله، وخصوصاً في أميركا اللاتينية وأفريقيا وفي آسيا. كما سيتوجب على السلطة التنفيذية في واشنطن تحديد الدول التي تدعم حزب الله أو تلك التي يملك فيها الحزب قاعدة لوجستية مهمة.
شكل هذا القرار، الذي تبدو جلية أبعاده وأهدافه السياسية، وسط الصراعات التي تشهدها المنطقة، تحدياً كبيراً للقطاع المصرفي اللبناني. ورغم أنّ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أكد بعد أيام على صدور العقوبات المذكورة أنه لا توجد حسابات لحزب الله في المصارف اللبنانية، وهذا ما أكدته بدورها مصادر مصرفية في أكثر من مناسبة، آخرها ما أكده رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه بأنّ حزب الله «يتجنّب إحراج المصارف بصورة مطلقة، وهو يقول إذا كان هناك أيّ حرج في أيّ عمل، يضرّ القطاع المصرفي، قوموا بواجباتكم، ولا تعطوا أيّ اعتبار آخر يسيء إلى العمل المصرفي، الذي هو ثروة لبنان واللبنانيين»، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب معالجة دقيقة إذ أنّ أيّ مصرف في العالم لا يستطيع مخالفة طلبات السلطات المالية الأميركية المسيطرة حتى اليوم على حجم العمليات المصرفية في العالم، لا سيما أنّ الدولار الأميركي ما زال يمثل أكثر من 67 في المئة من العمليات التجارية في العالم، ما يضع المصارف المشتبه بتعاملها مع أي جهة أو شخص يوضع اسمه على لائحة «أوفاك» في دائرة الخطر الذي قد يصل إلى حدّ إخراجها من المنظومة المالية الدولية، ما يحتِّم على المصارف تنفيذ الطلبات الأميركية للحفاظ على استمرارية التعامل معها من خلال البنوك المراسلة أو أية عملية تجارية أخرى.
وتكمن صعوبة تطبيق هذه الإجراءات في أنها تضع حسابات صغيرة لأشخاص عاديين تحت المراقبة، لمجرد أنّ هؤلاء يؤيدون أو ينتمون إلى البيئة المؤيدة لحزب الله، ما يعني أنّ هذه العقوبات تطاول أشخاصاً وتعاقبهم على رأيهم السياسي وإنْ كانوا لا يدعمون الحزب مالياً، بحسب ما يفيد مصدر متابع للملف. ويقول: «هناك تواصل دائم بين المصارف اللبنانية والسلطات الأميركية ولكن لا يجوز أن يُحاسب أيّ شخص لمجرد أنّ انتماءه السياسي مؤيد لهذا التوجه أو ذاك طالما إيراداته نظيفة وعملياته المالية شفافة».
ويذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك في تحليلاتهم لخلفيات القرار الذي يرون أنه مرتبط بوتيرة تسارع الأحداث في المنطقة، لا سيما بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول الخمسة زائداً واحداً والذي قضى بتسليم طهران أموالاً لها كانت محتجزة. ذلك الاتفاق الذي حاولت السعودية عرقلته بشتى الوسائل وهي التي كانت قد وضعت عدة مؤسسات استثمارية و12 قيادياً في حزب الله على لائحة الإرهاب، معتبرة أنّ الحزب «يقوم بنشر الفوضى وعدم الاستقرار».
وفي هذا السياق، لا يخفى أنّ هناك جهداً دولياً لتحديد المنظمات الإرهابية، على خلفية تمدُّد الإرهاب المتطرف في العالم والمنطقة، لا سيما في سورية والعراق. وفي ضوء استمرار الخلافات الروسية ـ الأميركية حول تصنيف تلك المنظمات، تحاول الأطراف الإقليمية الاستثمار في هذا الخلاف وفرض تصوراتها الأحادية حول الإرهاب والدول والمنظمات الراعية له. وعلى هذا الصعيد، شهدنا خلال الأسابيع الماضية تبادل اتهامات بين محوري الرياض وطهران في ملف دعم الإرهاب. كما جاءت التطورات المرتبطة بإعدام الشيخ نمر باقر النمر لتزيد من احتدام الصراع الإقليمي. وبدا خطاب السيد نصر الله الأخير حاسماً حيال التكهُّنات بشأن استمرار هذا الصراع الذي يبدأ عند الأحداث الدموية في سورية واليمن، ولا ينتهي عند أتباع القوتين الإقليميتين سياسة حافة الهاوية في سوق النفط.
الأخطر من كلّ ذلك، هو الكلام عن تبادل اغتيالات بين المحورين، لا سيما أنّ هناك من ربط بين حادثتي استشهاد عميد الأسرى المحرّرين القنطار وبين استهداف متزعّم تنظيم طجيش الإسلام» الإرهابي زهران علوش، وإنْ كان الفارق بين الرجلين وتاريخهما ودورهما شاسعاً جداً. فإذا كان محور المقاومة الذي تتزعّمه طهران ينظر إلى علوش على أنه متزعّم فصيل إرهابي، فإنّ المحور المناهض له، والذي يشير البعض إلى اعتباره حاصل جمع بين مصالح بعض الأنظمة العربية و«إسرائيل»، ينظر إلى عملية اغتيال القنطار بالعين ذاتها.
أمام هذا المشهد، تبدو المحاولات السعودية واضحة لإلصاق تهمة الإرهاب بحزب الله، وحشد ما يسمّيه البعض «جهود الدول السنية» للتصدّي له تحت ذرائع «مكافحة الإرهاب». أما واشنطن التي تعيش انفصاماً سياسياً بين الكونغرس وإدارة الرئيس أوباما حيال عدد من القضايا، فيبدو أنّ هناك من ينسجم مع رؤية «حلف المصالح» الذي بدأ يتشكل، ليس فقط ضدّ من يحارب «إسرائيل» على الأرض، بل ضدّ كلّ من لا يزال يصرُّ على اعتبار «إسرائيل» عدواً، ولو كان مواطناً لا ناقة له ولا جملاً في صراع الأقطاب الإقليمي والدولي.