تداعيات التجسّس الأميركي على نتنياهو وأردوغان…

تأهّب الأميركيون لقضاء احتفالات السنة الجديدة، وبينما يقضي المسؤولون عطلتهم السنوية بعيداً عن واشنطن وهواجسها، انفردت يومية «وول ستريت جورنال»، في وقت متأخر من يوم الجمعة 29 كانون الأول، بالكشف عن «استمرار الولايات المتحدة في التجسّس على اتصالات بنيامين نتنياهو»، دون ان يرافقه بيان من البيت الابيض ينفي ذلك.

يشار الى انّ الرئيس أوباما قطع تعهّداً سابقاً «بتقليص التجسّس الالكتروني» على حلفاء واشنطن، بعد كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، ادوارد سنودن، لبرنامج التجسّس الرسمي قبل نحو عامين كان من بين ضحاياه المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ورئيسة البرازيل ديلما روسيف، وآخرين. من بين القادة الذين لم يشملهم تعهّد أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

اوصى الرئيس أوباما باستمرار وكالة الأمن القومي «التنصت» على اتصالات بنيامين نتنياهو نظراً «لتوفر مبرّر قوي يتعلق بالأمن القومي الأميركي»، كما وصفه بعض المقرّبين من الدائرة الضيقة حول الرئيس أوباما زرعت بموجبها معدات تنصت الكترونية متطورة داخل مكتب نتنياهو.

ترجح المصادر السياسية في واشنطن انّ «التسريب» كان متعمّداً من قبل الادارة، اذ من غير المستساغ ان يجري الكشف عن قضية حساسة بهذا الحجم «دون الحصول على موافقة الرئيس أوباما نفسه » وكأنه يرسل رسالة قوية اللهجة «للوبي الاسرائيلي، يذكره بأنّ أمراً بالغ الأهمية شهد تغيّراً في العلاقات الأميركية الاسرائيلية وكشفنا أساليبكم للتدخل ، ونعوّل على ولاء المواطنين الأميركيين الذين سينتفضون غضباً من افعالكم».

حادثة التجسّس الاخيرة، وفق تقرير الصحيفة المذكورة «استهدفت وكالة الأمن القومي فيها قادة ومسؤولين اسرائيليين وتمكنت من استراق السمع على بعض أحاديث هؤلاء السرية مع أعضاء في الكونغرس الأميركي ومع جماعات يهودية أميركية»، استطاع البيت الابيض بموجبها التعرّف على الطريقة التي اتبعها نتنياهو ومستشاروه في إفشاء تفاصيل المفاوضات «التي حصلوا عليها عبر جهود تجسّس اسرائيلية».

ايضاً، أرسل البيت الابيض تحذيراً صريح العبارة لأعضاء الكونغرس الذين انضمّوا لحملة نتنياهو ضدّ السياسة الأميركية الرسمية، وتعمّد عدم إفشاء أسمائهم في المرحلة الحالية، ويحتفظ بحقه في «تسريب» هوياتهم لاحقاً. بعض هؤلاء لجأوا الى «الطلب» من مدير وكالة الأمن القومي، مايكل روجرز، تقديم تقرير للجنتي الاستخبارات في الكونغرس للتوقف على اذا ما تعمّدت الوكالة «رصد اتصالات الأعضاء» خلال عملية التنصت المذكورة، وهو ما يُعدّ انتهاكاً للقانون الأميركي. الوكالة «اكتفت» بإبلاغ المعنيين انها حذفت اسماء الشخصيات المتورّطة قبل تقديم تقريرها للبيت الأبيض، وكذلك أهملت كلّ البيانات المتعلقة بالتصريحات العدائية المناهضة لسياسة البيت الابيض.

الصحيفة أوضحت انّ «الإدارة الأميركية قرّرت عدم إزالة اجهزة التجسّس» الخاصة بالتنصت على زعماء دول حليفة «نظراً لصعوبة اعادة زرعها وتفعيلها، انْ لم يكن من المستحيل استعادة القدرة على التوصل لتلك البيانات». وفي ما يخصّ نتنياهو تحديداً فإنّ البيت الابيض كان دائم القلق من جهود نتنياهو «التشويش على المفاوضات النووية مع ايران».

وكانت الصحيفة عينها قد نشرت تقريراً لها، 23 آذار 2015، اتهم «اسرائيل» بالتجسّس على لقاءات سرية جمعت الوفد الأميركي المفاوض مع الدول الغربية المشاركة لمناقشة الملف النووي الايراني، واستغلال «اسرائيل المعلومات الواردة اليها حوله وقامت بتسريبها لعدد من اعضاء الكونغرس بغية معارضة» الاتفاق مع ايران. الأمر الذي اثار حفيظة البيت الابيض، كما وصفته شبكة سي ان ان الاخبارية، مما حفز «مسؤول أميركي للقول انّ التجسّس شيء وتوظيف الاسرار ضدّ أميركا شيء آخر».

تداعيات الكشف داخلياً

اوضح استاذ العلوم السياسية في جامعة نوتر دام، مايكل ديش، ما يعتقده تفاعلات عملية التجسّس وانعكاساتها على المشهد الداخلي الأميركي، الخاص بأعضاء الكونغرس تحديدا، بالقول انّ الكشف عن العملية «يؤشر بشكل قوي على:

اولاً: تباعد المصالح الأميركية والاسرائيلية في قضايا هامة مثل ايران.

ثانياً: تعرية آفاق التنسيق القوي بين اقطاب اللوبي الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية في مسعى تأثيرهما على وجهة السياسة الداخلية الأميركية».

تملك الغضب وارتعدت فرائص اهمّ ركائز «اللوبي الاسرائيلي»، من نواب حاليين وسابقين في الكونغرس، ابرزهم رئيسة لجنة الاستخبارات السابقة عن الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، جاين هارتمان، انتقدت بشدة برنامج التنصت على اعضاء الكونغرس ووصفته بانه «انتهاك صارخ للحقوق الشخصية»، في حديث ادلت به لشبكة ام اس ان بي سي للتلفزة. واوضحت انها كانت قد طالبت وزير العدل السابق، اريك هولدر، اجراء تحقيق للتيقن من خضوع اي من اعضاء الكونغرس «او ايّ مواطن أميركي بريء» للتنصت على خصوصيته. واوضحت انها تعتبر ما جرى «تعسّف استخدام السلطة، انني احد اعضاء الكونغرس الذين قد تشملهم تلك الحملة».

المفارقة انّ هارتمان، إبان وظيفتها الرسمية في مجلس النواب، كانت من اشدّ المناصرين لبرنامج التنصت الشامل ابان عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن. ايضاً، تدخلت هارتمان ابان تسلّمها مهام وظيفتها لحرف مسار تحقيق كانت تجريه وزارة العدل الأميركية ضدّ «عميل اسرائيلي بتهمة التجسس»، في لجنة ايباك عرف لاحقاً انه حاييم صابان، تعهّدت له بتوسّلها لدى وزارة العدل لتخفيف لائحة الاتهام بالتجسّس. مقابل جهودها، صابان تعهّد لها الطلب من رئيسة مجلس النواب آنذاك، نانسي بيلوسي، تأييدها لتعيين هارتمان رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، عقب انتهاء انتخابات عام 2006، التي فاز بها الحزب الديمقراطي بأغلبية مريحة.

تبارى ثلاثة من المرشحين عن الحزب الجمهوري لتوجيه سهام انتقاداتهم للرئيس أوباما وادارته «لاستهداف اسرائيل التي تعدّ الحليف الاساسي الموثوق» للولايات المتحدة. واوضحت يومية «واشنطن تايمز»، الاول من العام الجديد، ان المرشح بين كارسون وصف عملية التجسس على نتنياهو بانها «عمل مشين، والرئيس أوباما تعامل مع حليفنا القوي والديمقراطي في الشرق الاوسط على انه عدوّه الحقيقي».

المسألة المحورية في تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، تنصت نتنياهو واعوانه على مداولات وخطط الادارة الأميركية ابان مفاوضاتها الطويلة مع ايران، تغاضى عنها اعوان ومؤيدو «اسرائيل»، ابرز الرموز كان رئيس لجنة الاستخبارات السابق في مجلس النواب، الديمقراطي بيت هوكسترا، الذي استشاط غضباً من تقرير الصحيفة مطالباً بـ«إخضاع وكالة الأمن القومي ومسؤولين في ادارة الرئيس أوباما للتحقيق وتقديمهم للمحاكمة ان ثبت صحة ما ورد في تقرير وول ستريت». واضاف انّ «وكالة الأمن القومي فقدت كامل مصداقيتها. أمر مروّع».

حصّنت ادارة الرئيس أوباما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة المانية انغيلا ميركل، وبعض رؤساء دول حلف الناتو كما اسلفنا من شبكة التنصت والتجسس. وابقت على استمرار جهود التنصت على كلّ من بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

عقب كشف سنودن عن حملة تنصت أميركية منظمة ضدّ قادة دول حليفة وأخرى صديقة لواشنطن، لجأت الإدارة الأميركية الى تطمين أوثق حلفائها باستثنائهم من الحملة، تأكيداً لقلق خصومها من أنها تستغل الإمكانيات الهائلة المتاحة للأجهزة الأمنية المختلفة لأغراض سياسية تخصّها، مما ينذر بمزيد من التباعدات والمزايدات بين الحزبين في ظلّ مناخات الانتخابات الرئاسية الجارية على قدم وساق.

رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، ديفين نونيس، اصدر بياناً يعرب فيه عن نية لجنته التحقيق في حيثيات تقرير صحيفة وول ستريت جورنال «في ما يخصّ محاولات جمع معلومات استخبارية من قبل الأجهزة الأمنية تتعلق باتصالات تمتّ بين مسؤولين في الحكومة الاسرائيلية وبعض اعضاء الكونغرس، والتحقق من تطبيقها للقوانين والتدابير الخاصة المعمول بها».

خصوم الرئيس أوباما، من الحزبين، لزموا جانب التطهّر والامتثال المطلق بالقيم العليا، معتبرين ما جرى «اجراءات نعهد تطبيقها في دول العالم الثالث التي تستغلّ السيطرة على وكالة التجسّس كوسيلة لمحافظة النظام السائد على نفوذه وهزيمة مناوئيه السياسيين. ينبغي ان تشكل الحادثة فضيحة كبرى حينما نجد تطبيقها داخل اراضي الولايات المتحدة».

تجدر الاشارة الى انّ تطبيق بعض اعمال التنصت والتجسس تم ابان عهد وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون، التي تلاحقها سلسلة متواصلة من العقبات بعضها يصل لدرجة الفضيحة، لا سيما لشغلها منصب عضو في فريق الأمن القومي للرئيس أوباما آنذاك. وعليه من المرجح ان تدخل قضية التنصت واستهداف نتنياهو ومؤيديه اعضاء الكونغرس موسم الانتخابات الرئاسية بقوة، والذين يتربصون بها لاستحداث اي هفوة قد تصدر عنها او لها علاقة بها.

السؤال المحوري يبقى قائماً في مدى تأثير القضية على حظوظ ترشيحها عن الحزب الديمقراطي، خاصة انّ منافسها بيرني ساندرز اعرب مراراً عن قلقه من برامج التجسس والتنصت منذ عام 2014، وربما يشكل عامل قوة يقفز بحملته الانتخابية ضدّ كلينتون.

الفترة القريبة المقبلة، حتى مطلع شهر تشرين الثاني المقبل، حبلى بالمفاجآت لكافة المرشحين. وما علينا الا الانتظار والترقب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى