اليمن نحو التصعيد… والردّ الإيراني آتٍ
بغداد ـ مصطفى حكمت العراقي
تعتبر الأزمة اليمنية هي ساحة الصراع الأكثر شدة بين إيران وحلفائها من جهة والسعودية ومَن معها من جهة أخرى.. فالتحالف السعودي المستمر بالحرب على الشعب اليمني منذ عشرة أشهر ولم يحقق أياً من الأهداف التي وضعها في بداية القتال أعلن بشكل صريح أن السبب الرئيسي لخوض المعارك هو محاولة القضاء على الحوثيين ومَن معهم بحجة ارتباطهم بإيران.. وهي التهمة التي استعملتها دول الخليج منذ سنوات للقضاء على أي شخص أو جماعة تعارض سياسات هذه الدول، وهذا ما حصل مؤخراً للشيخ النمر.. هذه الحادثة التي نسفت كل محاولات التقريب بين المحاور المختلفة في المنطقة حتى وصلت الأمور إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية ومَن سيتبعها من الدول التابعة لآل سعود مع إيران. ما يُنذر بأن المسار السياسي الذي وضعت قواعده في لبنان وسورية واليمن في أواخر العام الماضي قد يُنسف ويتحوّل إلى صراع عسكري شديد لا ينتهي إلا بهزيمة أحد الطرفين.. أما أشدّ جبهات المواجهة فسيكون غالباً في اليمن.. فبعد ساعات على إعدام الشيخ النمر ومَن معه بتهمة الإرهاب أعلنت السعودية انتهاء الهدنة الهشة في اليمن، حيث استأنفت طائرات التحالف السعودي غاراتها المكثفة على مختلف مناطق اليمن وضربت مواقع سبق واستهدفتها عشرات المرات.. إعلان نهاية الهدنة لن يغيِّر شيئاً على الأرض لأن الحرب استمرت حتى مع الإعلان الشكلي لوقفها. يأتي ذلك في ظل تنامي الرغبة السعودية بقيادة المنطقة العربية، وتزعّم ما يُسمى بـ «العالم السني» في مواجهة إيران وحلفائها، كما أن الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض تندرج في سياق إعداد المنطقة لجولة من الصراع، يبدو أنها ستكون على أساس طائفي، إذ ستحتدم المنافسة بين دول المنطقة لتنفيذ أجندتها المختلفة.. أما الحسم العسكري الذي بات مستحيلاً بعد انقضاء تسعة أشهر على بداية عمليات التحالف، فإن الذهاب نحو الحل السياسي بات خيار المتقاتلين، لكن كل طرف يعمل لتحسين موقفه التفاوضي وهو ما ظهر بصورة واضحة عقب اختتام الجولة الثانية من المحادثات في سويسرا، إذ عمد الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى تهديد السعودية بحرب طويلة، وبعدها تم إطلاق عدد كبير من الصواريخ البالستية على الأراضي السعودية وكثفت الهجمات اليومية عبر المناطق الحدودية. حلفاء المملكة يبحثون عن مخرج سياسي للحرب في اليمن، لذلك بدأوا بالدفع نحو نجاح مهمة المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وتراجعت خطط المعارك البرية لمصلحة تدريب قوات يمنية تتولّى المواجهات على الأرض بعد الخسائر التي لحقت بالقوات الإماراتية في الهجوم الذي استهدف معسكرها في محافظة مأرب. فعند بداية عمليات التحالف في اليمن كانت الحكومة السعودية تتوقّع أن تحسم المعركة لمصلحتها خلال أشهر، لكنها الآن أدركت أن المستنقع اليمني ليس سهلاً وأن تضاريس هذا البلد وتعقيداته ستغرقها، لكن خياراتها محدودة أمام وصول حلفاء إيران إلى خاصرتها الجنوبية وتحالف الرئيس السابق معهم واستمرارهم في استهداف أراضي المملكة والسيطرة على أجزاء واسعة من اليمن.. جميع هذه المعطيات توحي بأن اليمن مقبلة على قتال أشد لمحاولة قلب المعطيات في الميدان. فالجيش اليمني واللجان الشعبية بدأوا تدريجياً باستخدام الخيارات الاستراتيجية والتي تحدثوا عنها كثيراً وهو ما جعل آل سعود وحلفاؤهم يستمرون بالتصعيد على أكثر من جهة، لأنهم أيقنوا أن معركتهم أصبحت معركة وجود ومصير… كما أن إيران التي اتخذت النهج السياسي في تعاملها مع المعطيات اليمنية قد تلجأ لدعم عسكري أكبر للجيش اليمني واللجان الشعبية للردّ على ممارسات النظام السعودي وهو ما طالب به الجيش الإيراني في بيان رسمي.. فمن غير الممكن أن تدخل إيران حرباً عسكرية مباشرة مع السعودية الآن.. لكن زيادة الدعم العسكري للشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي هو الرد الأبلغ على ممارسات النظام السعودي الرامية إلى استمرار الحروب الطائفية في المنطقة والتي انتقدتها العديد من الدول باستحياء.. حكومة آل سعود اتخذت نهجاً تصعيدياً في تعاملها مع إيران وهو ما تبعها فيه كل من البحرين والسودان وقد تتبعها بعض الدول العربية الواقعة تحت الوصاية السعودية، لكن التاريخ أثبت أن إيران المحاصرة من العديد من دول العالم ولسنوات عدة لم تتأثر بالحصار فحسب، بل بدأت تتقدم في جميع المجالات حتى أنها تقدمت على الدول نفسها التي قامت بمحاصرتها… ردّ إيران وحلفاؤها على حماقات آل سعود ومَن معهم قادم لا محالة. فعملية مجموعة الشهيد القنطار في مزارع شبعا هي أول الغيث وسنرى في مقبل الأيام ردوداً استراتيجية في اليمن وسورية والعراق، وحتى استمرار التصعيد في الداخل السعودي، ليتحقق كلام سيد المقاومة الذي أكد أن نهاية آل سعود بدأت تلوح في الأفق.