نفط المملكة من مناجم ذهب إلى مصدر خطر…
رولا منصور
في ظلّ التراجع الكبير لأسعار النفط، بات الوضع السعودي حرجاً وقد بدأت قطاعات خليجية عدة بالبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها لتعويض الخسائر التي منيت بها جراء انخفاض أسعار النفط فكانت المملكة المتضرِّر الأكبر. ويرى خبراء اقتصاديون أنه مع استمرار هبوط سعر برميل النفط إلى ما دون 45 دولاراً، ستسجل السعودية عجزاً في الموازنة يقارب 150 مليار دولار.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة «جدوى للاستثمار» المصرفية السعودية أنّ انخفاض أسعار النفط الخام سيتسبب بتسجيل أكبر الدول المصدرة للنفط عجزاً في ميزانيتها بقيمة 106 مليار دولار، مقارنة بتوقعات حكومية بـ 36 مليار دولار، حيث أعلنت السعودية نهاية العام الماضي 2015 تسجيل عجز للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009 بقيمة 145 مليار ريال سعودي ما يعادل 38.61 مليار دولار ، نتيجة تراجع أسعار النفط.
وللمقارنة كان متوسط سعر برميل خام «العربي الخفيف» السعودي في عام 2014 عند مستوى 102.28 دولار للبرميل في حين بلغ عام 2015 مستوى 50.89 دولار للبرميل، ما يشير إلى تراجع إيرادات السعودية من صادرات الخام بشكل ملحوظ.
وبما أنّ 80 في المئة من ميزانية السعودية ترتكز على إيرادات النفط، سيواجه الاقتصاد السعودي تحديات كبيرة إثر تراجع أسعار النفط حيث ستواجه المملكة صعوبات في تقليص الإنفاق الحكومي بسبب العدد المرتفع نسبياً للسكان واعتمادها تقديراً بمبلغ 45 دولار لسعر البرميل.
النفط الذي حمى اقتصاد السعودية لعقود، بات من المرجح أن يسقطها في ظلّ بدء الولايات المتحدة بتصدير النفط بعد حظر دام 40 عاماً. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي تخطط الولايات المتحدة لتصدير حوالي 600 ألف برميل من النفط المستخرج من الأراضي الأميركية ولاية تكساس ، ما يوحي بأنّ الاعتماد الأميركي على السعودية نفطياً بدء بالزوال. لم يكن انخفاض أسعار النفط الضربة الوحيدة لمملكة آل سعود، بل تكبد الاقتصاد السعودي خسائر باهظة بلغت أكثر من 20 مليار دولار تكلفة العملية العسكرية التي شنتها المملكة على اليمن بخسائر يومية لا تقلّ عن 25 مليون ريال سعودي، بحسب تقدير عدد من خبراء الاقتصاد. أما بالنسبة إلى تكلفة المعدات، فقد أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أنّ خسائر السعودية في هذا الجانب تتمثل في تدمير 363 دبابة و25 مدرعة مجنزرة و181 طاقم عسكري، وذلك في منطقة جيزان، إضافة إلى تدمير أو إحراق 18 دبابة و13 مدرعة مجنزرة و71 طاقم عسكري في منطقة نجران، وتدمير 221 دبابة و19 مدرعة مجنزرة و51 طقم عسكري و3 آليات تابعة لقطاع الإنشاء والطرق بالجيش السعودي في منطقة عسير.
خسائر المملكة تطرح تساؤلات حول البدائل المتاحة؟ فهل يجبر تراجع أسعار النفط السعودية على تغير سياستها الاقتصادية؟ تتجه السعودية الآن إلى زيادة مبيعات الخامات المكرّرة على شكل مشتقات، بدلاً من الخام لتغطية خسائرها النفطية الكبيرة وتجري تحولات سريعة لتصبح أحد أكبر مراكز تكرير النفط في العالم من خلال التوسع في قارتي آسيا وأميركا، ومن المتوقع أن تكشف المملكة عن خطة اقتصادية تمتدّ لسنوات عدة، قد تشمل إجراءات طويلة المدى مثل خفض الدعم وفرض ضرائب جديدة وإعادة هيكلية إدارة الاقتصاد وتشديد الرقابة المالية.
وبدأت خطوات خفض دعم الطاقة برفع تكلفة الغاز الطبيعي وأسعار الطاقة للقطاع الصناعي ورفع أسعار البنزين وفرض الضرائب، كما سارعت شركة الكهرباء السعودية إلى زيادة رسوم «خدمة العداد» على المشتركين بواقع 5 ريالات لكلّ ارتفاع في «الأمبير»، بالإضافة إلى رفع أسعار المياه والصرف الصحي، وهو ما سيؤثر على رفاهية المواطنين السعوديين الذين لطالما أنعم آل سعود عليهم بها؟ اجتماعياً، أبدى السعوديون تخوفهم من تأثير الازمة الاقتصادية على رفاهيتهم وتباطؤ تنفيذ المشاريع الضخمة والإنفاق على برامج الرعاية الصحية والتعليم والخدمات. أمام هذه القرارات هل يتحمل المواطن السعودي حماقة القرارات السياسية لحُكّامه؟
في يوم من الأيام حوّل النفط خزائن المملكة إلى مناجم ذهب موّلت تطلعاتها حول العالم. فهل تحوِّل حماقات آل سعود تلك المناجم إلى بوابة جهنم تنهي دور المملكة في العالم؟