هل قطعت السعودية العلاقات مع إيران تمهيداً لعزلها خليجياً؟
كأنّ السعودية لم تكن تتوقع ان يؤدّي قرارها الوحشي بإعدام الشيخ المعارض نمر باقر النمر الى ردود فعل شعبية في المملكة وخارجها، خصوصاً من مناصري ومحبي الشيخ الشهيد، وكأنّ الداخلية السعودية لم تحتسب كلّ هذه التداعيات التي ستدفع بعضها ثمناً لهذا القرار المريب، وكأنّ حكام السعودية كانوا يتوقعون ان لا يحرك إعدام الشيخ النمر ساكناً في المجتمع السعودي كي تتفاجأ بالتظاهرة امام سفارتها في طهران، لأنّ هذا الاعتبار بحدّ ذاته يشكل تناقضاً مع الفعل القذر الذي تمّ ارتكابه بحق الشيخ النمر والإنسانية جمعاء، لأنه اذا كانت السعودية اعترضت على غضب متظاهري السفارة في طهران، فإنّ هذا يعني أنها لا تقيم وزناً للشيخ، وإنها فوجئت فيه لحظة وقوع الجريمة، ما ينسف كلياً فكرة انّ تنفيذ الإعدام بشخصية لا تؤثر وليس لها محبّين، ووأنّ بقاءها أو تصفيتها سيان، وهذا غير صحيح، وإلا لماذا يتمّ الاعدام؟
في الواقع تعرف السعودية وتحسب كلّ ردود الفعل الممكنة، وهي تيقنت سلفاً انّ هناك احتجاجات شعبية وتصويبا كبيرا سيتمّ على سياساتها وعملها، وان الخطابات ستعلو، وانّ التحريض وافتعال الفتن ممكن جداً، ومع ذلك هي قامت بالإعدام لكن عليها ان تتوقع ان يكون هناك الكثير من حوادث الاحتجاج التي تشبه ما جرى امام سفارتها في ايران، وهي ربما ايضاً تعرف ذلك، وهنا تكمن الخطورة، لأنّ كلّ هذا يعني انها خططت وحرّضت واستعدّت لكلّ ما سيأتي من الأيام.
كشف اليوم وبقرار السعودية «طرد» السفير الإيراني لديها، كما جاء في الإعلان الرسمي انّ المملكة حضّرت للأسوأ في المنطقة، وإلى تعقيد العلاقات مع إيران والى تأزيم كلّ ما بدا سابقاً ملفات تقترب من الحلول أبرزها الأزمة اليمنية، ولفت هذا القرار الذي لا يشبه من حيث المبدأ أسلوب إيران بالتعاطي مع الأزمات كلها التي تسبّبت بها السعودية على الرغم من معرفة إيران انها أمّ الإرهاب وابيه في المنطقة، فهي لم تتحرك بهذا الاتجاه ولم تتحرّك ايضاً لذلك بعد كارثة حجاج منى وفيها من فيها من مسؤولين ايرانيين رفيعي المستوى.
تعتزم السعودية اذاً تأزيم المنطقة أكثر، وتقول انها غير مستعدة بعد للتفاهم، ويبدو أنّ قرارها بقطع العلاقة وسحب السفراء اذا طال بعض الوقت فإنه سينسحب على باقي دول مجلس التعاون الخليجي التي عليها ان تنصاع لهذا الامر، والتي عملياً بدأت منذ الساعة تتحسّس من التعامل مع طهران خوفاً من غضب السعودية التي على ما يبدو تريد تنفيذ سياسة العزل تجاه ايران من أجل الضغط عليها في كلّ الجهات لكنها نسيت أنّ إيران التي لم يستطع العالم عزلها لن تتأثر بمواقف كهذه على الإطلاق، وانّ إيران لم تثبت يوماً انها تخضع للابتزاز مهما كلف الموقف.
التصعيد السعودي التركي «الإسرائيلي» كمحور يبدو انه سلك الطريق، واغتيال القنطار ودخول الموصل وأخيراً وقد لا يكون آخراً إعدام الشيخ النمر، كلها رسائل مكشوفة انّ التسويات لا تزال معقدة، وانّ احداً غير مستعدّ للخضوع لفكرة ان هناك محوراً آخر غير الذي ذكر وهو الروسي الايراني السوري انتصر في معركة الشرق الاوسط الكبرى وان تقسيماً سياسياً على هذا الاساس سيتمّ وانّ تجاهل نفوذه بات مستحيلاً.
التصعيد والسخونة سيدا الموقف والمعطيات لا تبشر خيراً، اقله لفعلة قد لا تدرك السعودية ثمنها الا بعد فوات الأوان، ومن يدري فربما يكون التصعيد والتعقيد مقدّمة لانفراجات مقبلة بعدما يعرف كلّ حجمه ويأكل نصيبه، و«اذا ما كبرت ما رح تصغر»…
«توب نيوز»