اغتيال النمر.. انتصار الدم
هاني الحلبي
«شكراً، شكراً، شكراً!» هي الكلمات التي قد يقولها أي ثائر كبير ضدّ قاتليه. هي نفسها أكاد أسمعها من الشهيد نمر النمر، لو كان له أن يقول الآن لقاتليه، جواباً على السيف الذي أغرز في عنقه!
«شكراً، شكراً، شكراً!». هي الكلمات نفسها التي طوّب نفسه أنطون سعاده قائداً للعصور الجديدة، فضلاً عن سيرة جهاده وجلجلة ريادته الزاخرة بالمعنى والقيم النبيلة التي أسس عليها النهضة القومية الاجتماعية، فتوجّه بشكر القاتلين.
الشكر نفسه الذي رفع به المسيح العظيم ابتهاله للرب ليغفر لصالبيه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون!!
وليس المشترك فقط في طبيعة الدعوة العامة بين أنطون سعاده المجدِّد والمفكر والفيلسوف والقائد والثائر والفادي والمؤسس، وبين نمر باقر النمر الشيخ الفقيه الثائر المصلح المجدِّد صاحب الدعوة للإنصاف الحقوقي وإلغاء التفاوت الاجتماعي بين أبناء المجتمع السعودي، بل كذلك التخلق بأعلى درجات السلمية والحوار بين أبناء المجتمع الواحد ونشدان الغد العادل له بين أبنائه في ظل قيادة رشيدة. كذلك يشترك الشهيدان الكبيران في أن قاتلَيْهما واحد. النظام الجاهلي البدوي العربي السعودي الذي كما تدخَّل لإعدام سعاده مع نظامي الملك فاروق في مصر والملك عبدالله في الأردن ودولة بن غوريون في فلسطين المحتلة والمخابرات البريطانية والأميركية والكهنوت اللبناني والحكومة اللبنانية التي عادة ما تكون رئاستها صنيعة سعودية تابعة كتبعية الظل قامة الأصل! مع فارق أن الدور السعودي في اغتيال النمر لم يكن في الظل ولم يحتج لواسطة وأداة رسمية بل كان مباشراً، بل تشير معلومات إلى التعذيب الشخصي والمباشر للشهيد النمر من ولي ولي العهد وزير الدفاع الهمام محمد بن سلمان قبل قتله!!
في حالة الصراع التجديدي بين قيم الموت والتخلف وبين قيم النظام الجديد عدلاً وإنصافاً ومساواة وكرامة يندر ألا يكون الدم شهادة الثورة النبيلة!
هي الحرب بين نظامين: نظام الحياة الجديدة وحياة الأحرار، وبين حياة الأمراء عبيد ملذاتهم وشهوات سلطاتهم وغرور نفوذهم وموبقات العدوانية الملكية والأميرية الفاقدة أي مسوغ غير الرضى العبودي للدولة الكبرى التي أوجدت حول كل بئر نفط مملكة أو مشيخة أو إمارة من رمل وقبيلة ناطورة عليها!
أعدمت مملكة الرمال أحد أبرز ثوارها في القرن الأخير واختارت لمرة وحيدة أن تنزلق إلى المرتبة التي تستحقها، عوداً على بدء: مملكة قتل وإبادة لا تسوية بين فريقين، بل لا بد أن يبيد آل سعود آل الرشيد وغيرهم ليسودوا! فلم تتمكن تلك المملكة أن تغادر مراهقتها والانتصار على جنون غضبها، ككل المراهقين الذي يبقون عبيد جنوحهم، ولا يترشّدون ببرودة التعقل واستكانة الحلم والتعمّق الفكري والروحي لكشف معطيات الأمور وأعماقها بدلاً من هوس ردود الأفعال وحماسة الأقوال وتسرّع الأنجال الناقصي التدريب وأبنائهم، فيعوّضون نقصهم في عواصف حزم هوجاء وفي تحالفات تلفزيونية هاتفية، أخفّ من توافق رفاق الحي على موعد سهرة اجتماعية.
ليس هكذا تورد إبل الممالك يا محمد، وليس هكذا تقاد الحروب ضد الشعوب، وليس هكذا تؤلف تحالفات دينية ضدّ راجح شبح تتغيّر ملامحه حسب مزاج الملك او هوى الأمير!
اغتيال النمر فاتحة عصر دموي جديد يطلق جنونه في المشرق العربي وسيحكم على من أطلقه حكم التاريخ ولعنة العصور، وكما وفّر للضحية مرتبة الشهادة التي تستحقها.
لكن أن يقتحم الأمن السعودي بلدة العوامية أمس، رافضاً احتجاج الناس على ما أصاب شيخهم الشهيد فيطلق الرصاص عشوائياً على البيوت والناس، هو فاتحة مسلسل الجنون والحلقات تتوالى… والجنون قدره الردع. ردع العقلاء وردع الأبطال…
لعلّ في الموقف الإيراني من حادثة الاعتداء على القنصلية السعودية في مدينة مشهد، ورفضها هذا الاعتداء، نموذجاً يجدر بالسعودية أن تتعلم منه. ما قيمة القيادة إنْ لم تكن رشيدة ونبيهة ونبيلة ورفيعة، وتضرب على أيدي الغوغاء من الناس ولو كانوا محقين في غضبهم، لكن يمكنهم أن يقنّنوا الغصب ليغدو أفعل بلا اعتداء ومساءلة، وإن لم يتمكنوا من ترشيدهم فتجبرهم الدولة الراعية على ضبط الجنوح! أما إن كانت قيادة الدولة بجنوح ملكها وولي عهده وولي ولي عهده فمن أين تأتي بالرشد؟!
لكن، لا أمل أن تتعلم القيادة السعودية من أي قيادة، لأنها ليست جديرة للتعلم، فكيف أن تقود، والمستفيدون من جاهليتها لا مصلحة لهم أن ترتقي إلى سوية التحدي، فإنْ ارتقت ارتدّت عليهم!!
القيادة السعودية قرّرت لحظة النار، لكنها لن تتمكن من الإطفاء، ولا من آلياته التي سيتحمّل مسؤولياته خصومها بعزم واقتدار!
و»على نفسها جَنَتْ براقش»!
ناشر موقع حرمون
www.haramoon.org gmail.com