الحرب على «داعش» 2016: حرب من حروب عدّة
عامر نعيم الياس
تبدأ السنة الجديدة في وقت تأخذ الحرب على «داعش» منحىً مختلفاً في ساحتَي المواجهة الكونية على التنظيم الإرهابي الأول في العالم، فالهجوم المعاكس على التنظيم بدأ، والقوات المحلية على الأرض بدأت بالتحرك على البرّ بعد حصولها على الغطاء من الجوّ، كلٌّ من حليفه، فيما الأكراد باتوا يحظون بغطاءٍ جوّيٍ مزدوج من القوات الروسية ومن قوات تحالف أوباما. ما سبق أفرز معادلة هزيمة «داعش» في سورية والعراق وهي: إذا نظّمت القوات المحلية النظامية وشبه النظامية نفسها على الأرض وتلقت غطاءً جوياً فعالاً سيكون بمقدورها هزيمة «داعش». فما جرى في شرق سورية وفي الرمادي في العراق قوّض التنظيم من دون أدنى شك، وسيساهم في الحد من قابليته للتجنيد في عام 2016 بشكل ملحوظ، إن بقيت الأمور على حالها.
المعادلة السابقة قد تدفع البعض إلى التسليم بقرب القضاء على تنظيم «داعش» في المنطقة، وتسليم القوى الدولية بضرورة إنهاء الخطر الأكبر دولياً، لكن هل هذه هي الحقيقة؟ وهل فعلاً اتخذت واشنطن وموسكو القرار بالقضاء على التنظيم؟
موسكو اتخذت القرار وضرباتها الجوّية باتت مثار دراسة وإعجاب مراكز الأبحاث الأميركية، لكن واشنطن لا تريد القضاء على «داعش» لسبب معروف وهو استخدام تمدّده لخدمة أجندتها في المنطقة، لكن أسباباً أخرى تقف وراء التريث في القضاء على «داعش»، بعضها متعلق بالأميركيين، وبعضها الآخر متعلق بالقوى التي تتقدم على الأرض، فما نشهده اليوم في سورية والعراق من تقدّم ميداني في مواجهة «داعش»، «حرب من حروب عدّة» تخوضها قوات محلية إلى جانب القوات النظامية كلٌّ يملك أجندته ومشروعه الخاص به. ففي العراق نجد الحشد الشعبي إلى جانب القوات النظامية، ونجد أيضاً القوات الرديفة من القبائل «السنّية» في الأنبار، وسط محاولات لاستبعاد طرف من منطقة على حساب منطقة أخرى وفق الطائفة والانتماء.
وفي سورية أيضاً نرى الأكراد ممثلين بفصيلين الأول ما يسمى «وحدات حماية الشعب» والثاني ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» التي تعمل بغطاء أميركي وتحاول الحصول على غطاء جوّي روسي في شرق سورية حيث تضع هدفاً لها هو السيطرة على الرقة، والتحضير لما بعد هذا الهدف بالاعتماد على الأرض لفرض مطالب سياسية. في وقت يتقدم الجيش السوري والقوات الرديفة على مختلف جبهات المواجهة مع «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية.
كل ما سبق يضعنا أمام صورة تقوم على تعدد الأطراف والقوى على الأرض وهو ما يعني أن لكل منها أجندتها الخاصة وجدولها الزمني الخاص بها للحرب على الإرهاب وضمناً على «داعش»، التي تشكل اليوم محط إجماع دولي وإقليمي ومحلي يستغله الجميع للتغطية على الأهداف العميقة لأي تحرّك عسكري وتمدّد على الأرض إما أن يستخدم سياسياً لتقاسم الكعكة عندما يحين وقت التفاوض، أو يستخدم عسكرياً للمواجهة مع المكونات الأخرى التي تمتلك أجندة قد تصطدم مع أجندة الطرف الآخر وتتشابه وتتشابك معها.
إن عدم الوصول إلى صيغة استباقية لتوحيد جهود الجماعات التي تقاتل «داعش» على الأرض وتحشيد موقف دولي إقليمي لدعم القوات المسلحة النظامية في سورية والعراق ومحاولة تشكيل قيادة موحدة تنضوي تحت راية الجيوش النظامية لقيادة الحرب على «داعش» وغيره، سيؤدّي إلى إبقاء المنطقة في حالة حروب مستمرة وصدامات بين الأطراف المختلفة التي تريد إضعاف سلطة الدولة المركزية والخروج منها بشكل أو بآخر كالأكراد، أو تلك التي تعتمد المظلومية الطائفية تحت شعار «الثورة» لإقامة إمارة هنا أو دويلة هناك، وبهذا المعنى فإن الحرب على «داعش» حرب تولّد حروباً في عالم اللاقطبية الدولية.
كاتب ومترجم سوري