قرارات أكبر من مملكة «أوهن من بيت العنكبوت»
تبدو السعودية بالنظر إلى تصعيدها المتتالي في الأيام الماضية تتصرف بروح الانتقام والارتجال وغرور لا يفيد مع سياسة المنطقة المعقدة في شيء، إلا أنّ واقعها، كجزء لا يتجزأ من حلف أميركي ـ «إسرائيلي» في المنطقة، لا يسمح لها بالتقدم نحو جرأة من هذا النوع منفردة مثل إعدام الشيخ نمر باقر النمر، لا سيما أنها تعرف جيداً تبعاته الكبرى على أكثر من ملف، خصوصاً الفتنة السنية ـ الشيعية ونسف أي مسعى إلى حلول سياسية قريبة في سورية والعراق واليمن، إضافة إلى علاقة سيئة بإيران.
من هنا فإنّ قراراً استراتيجياً بهذا الحجم يشبه إعلان حرب على محور بأكمله وطائفة بأكملها بتداخلها وتداعياتها، لا يمكن أن يكون مجرد رغبة سعودية بالانتقام، بل هو واحد من ترجمات الأهداف الأميركية لغزو الإرهاب البلاد العربية من أجل تحقيق فتنة سنية ـ شيعية تقود إلى التقسيم وهو الذي لم يتم حتى الساعة، وفق الساعة الأميركية لأنّ واشنطن لم تنجح في ذلك لما شهدته من مقاومة شعبية ورسمية من دول المنطقة التي تعتبر حجر أساس استقرارها ورسم استراتيجياتها وأبرزها سورية في بلاد الشام واليمن في الخليج. من هنا فإنّ محاولة بثّ فتنة من العيار الثقيل تنطلق من السعودية هي هدف أميركي غير معلن أولاً وأخيراً، وعلى هذا الأساس رحبت واشنطن بقرار الإعدام قبل أي شيء.
لا يمكن أن تصل قدرة السعودية اليوم إلى مستوى تحدّي دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وتصرفها كالولد الطائش المستعد للعبث بكلّ الأوراق المركّبة في المنطقة من دون استشارة الحليف الأساسي، ولا يمكن أن تأخذ على عاتقها إفشال المخططات التسووية لمجرد أنها تريد الردّ على هزائمها في سورية أو اليمن، وهنا مناسبة تتضحّ فيها مراوغة الدول الكبرى في مسائل الحلول السياسية لأنه لو كانت هناك نوايا جدية لما سُمح لأنف السعودية أن يتخطّى رغبة أسياده الأميركيين.
ليست الإدارة السعودية اليوم إلا دمية تحاول الادعاء بالتماسك، بينما كلّ قراراتها تُدار مباشرة من البيت الأبيض بشكل بديهي، فمع شيوع أجواء التوتر بين أفراد العائلة المالكة من أمراء ومستشارين ووزراء، يُلاحظ أنّ الواجهة السياسية السعودية التي تحرص واشنطن على صورتها تمّ تلميعها طبقاً لرغباتها فهناك بالتأكيد من قرَّر الأخذ بيد الملك سلمان بعد وفاة الملك عبدالله وكان وفد أميركي رفيع المستوى جاء للتعزية ونسج عهد جديد من التفاهم حينها مع سلطات الرياض، حمل معه خبراء واستراتيجيين ورجال أمن. ولدى وفاة الأمير وزير الخارجية السابق سعود الفيصل عينت واشنطن فوراً عادل الجبير الذي خدم سفيراً لديها سنوات طويلة، وبالتالي فإنّ خلافات العائلة الماكلة شيء والحفاظ على واجهة الموقف السياسي وشخصياته شيء آخر. ومن هنا فإنّ كلّ السياسة وممثليها هم أبناء واشنطن ممن عاشوا وسكنوا أو فتحوا علاقات مباشرة معها ومن بينهم ولي العهد محمد بن نايف أيضاً.
قرارات استراتيجية أكبر بكثير من السعودية تحسب فيها واشنطن حساباً دقيقاً في إزعاج روسيا والكسب في هذا عبر التضييق على حلفائها، فلا يجب إضاعة البوصلة في مملكة أوهن من بيت العنكبوت.
«توب نيوز»