مختصر مفيد سنة الصفيح البارد… رغم المكابرة!

كان عام 2011 بالنسبة إلى واشنطن عام إشعال الساحات العربية، بسرقة موجات الغضب الشعبي وتحويلها إلى شحنة دافعة لمشروع العثمانية الجديدة، استناداً إلى معادلة الأخونة، أي تسليم «الأخوان المسلمين» دفّة السلطة ضمن رعاية سياسية أمنية تركية، ورعاية مالية إعلامية قطرية، بما يضمن خريطة جديدة للشرق الأوسط، يتحقق فيها إبعاد روسيا عن المياه الدافئة ومحاصرتها من أوروبا إلى أوكرانيا، وحصار متفرعات «القاعدة» وإطاحة المحور الذي تتصدره إيران ويضمّ سورية وحزب الله، بنزع العلم الفلسطيني من يد هذا المحور، وتثبيته بِيد حركة حماس الفرع الفلسطيني لتنظيم الأخوان، ضمن تسوية تجعل قطاع غزة الدولة الفلسطينية المستقبلية، بكامل مواصفات الدولة وشروطها، تحت شعار هدنة ربع قرن، مع وضع خاص متغيّر في كلّ من القدس والضفة، تحت باب مفاوضات مديدة لقضايا الوضع النهائي، بما يضمن لعقود مقبلة الأمن الاستراتيجي لـ«إسرائيل».

ليصير ذلك كلّه ممكناً، يجب أن تسقط سورية بيد العثمانية الجديدة، ويليها حصار إيران تفاوضياً في ملفها النووي، وتطويق حزب الله مذهبياً لإضعاف قدرته في اشتباكه مع «إسرائيل» لكن تغيّر كلّ شيء بصمود سورية، وتنبُّه إيران وروسيا وحزب الله للحصّة السورية من الربيع العربي، ونهوض الفيتو الروسي ـ الصيني، وفشل محاولات تطبيق نماذج تونس ومصر على سورية، ثم فشل السير بالنموذج اليمني، وصولاً إلى فشل النموذج الليبي، ومرّ عاما 2012 و2013 حتى مجيء الأساطيل الأميركية ورحيلها، خشية التورط بالحرب أمام الإرادة السورية، والثبات الروسي ـ الإيراني، وحجم موقف المقاومة، فبدأ تهاوي حجارة الدومينو في الجبهة المقابلة، من مصر إلى تونس وليبيا وانتهاءً باليمن، حيث تبدّد حكم الأخوان، وظهر تنظيم «القاعدة» كقوة رئيسة في ساحات المواجهة كمصدر خطر غير قابل للسيطرة، خصوصاً مع صعود نجم «داعش»، ليبدو أنه منذ التفاهم على الحل السلمي للسلاح الكيماوي السوري قد بدأت مرحلة جديدة.

شهد عاما 2014 و2015 تموضعاً أميركياً على ضفة التفاوض فوق صفيح ساخن. فمن جهة صرف النظر عن الحروب الكبيرة، فبدا التفاهم على التسويات طريقاً حتمياً يعبّر عن حقيقة موازين القوى. وبدأ مسار التفاهم على الملف النووي الإيراني، ومعه إطفاء نار التصعيد في أوكرانيا. ومن جهة أخرى يجري توظيف كل عناصر التوتر التي يصنعها حلفاء واشنطن، المتضررون من التسويات، خصوصاً الثلاثي التركي ـ «الإسرائيلي» ـ السعودي، لتحسين شروط التفاوض. لكن المسارين شرعا يبتعدان، مسار واشنطن ومسار حلفائها، بعدما منحت واشنطن حلفاءها حظوظ فرض وقائع جديدة، فكانت حرب اليمن للسعودية، وحرب شمال سورية لتركيا، وحرب جنوب سورية لـ«إسرائيل»، وكان الردّ قاسياً، هُزم السعوديون في اليمن، وفرض حزب الله معادلة الردع في عملية مزارع شبعا، وحسم الروس وضع الشمال السوري. فالصفيح الساخن استدعى حضوراً روسياً شديد اللزوجة، والقدرة على السيلان، لكن كنهر نحاس سائل، يحرق حيث يجري، ويرسم حقائق غير قابلة للتغيير.

ندخل عام 2016 وحلفاء واشنطن بأحلام صغيرة وقدرات أصغر. فيصير حجم تركيا توغّلٌ بمئات الجنود قرب الموصل، وسقف الطاقة السعودية التحرّش بإيران عبر إعدام الشيخ نمر النمر، وإقامة عاصفة استدراج حلفائها لدعم حرب دبلوماسية فاشلة ضدّ إيران، وسقف الرهان «الإسرائيلي» على اغتيال الشهيد سمير القنطار لاستدراج المقاومة إلى حرب استنزاف تفتح باب التدويل بلا أمل. لتبدو السياقات المنتظرة لعام 2016 محسومة لإنتاج التسويات والتسليم بالحقائق، والصفيح يبرد تدريجياً، بقوة إنجازات الجيش السوري والمقاومة في الساحة الحاسمة سورية، وبدعم روسي لا يتراجع، وإشعاع المشرق العربي حاضر في سائر الساحات.

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى