t بغداد ـ مصطفى العراقي
تمثل السلطة الفلسطينية بجناحها الرئيسي حركة فتح حالة فريدة في تاريخ التعامل السياسي بين الدول.. حيث تتمسّك هذه الحركة بخيار المفاوضات العقيم والذي أثبت فشله على جميع المستويات، وهو ما جعل رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يحذر من عواقب انهيار هذه السلطة، داعياً إلى وجوب المحافظة عليها.
أهمية موقف نتنياهو لا يشمل فقط بإعلانه الأول من نوعه وجوب الحفاظ على السلطة ومنع سقوطها، بل يمثل استجابة لتوصيات المؤسسة الأمنية في مجلس الوزراء المصغر والتي أوصت بتبني سياسة رسمية تمنع سقوط السلطة قولاً وفعلاً.. النقاش في «إسرائيل» تعدى مرحلة سقوط السلطة وصولاً إلى بلورة ما سيحدث بعد رحيل الرئيس عباس.
صحيفة «هآرتس» أشارت إلى أن النقاشات في المؤسسة الأمنية لا تملك تقييماً بشأن شخصية مؤثرة يمكنها خلاقة عباس، وأن الأسماء التي تطرح في النقاشات الداخلية هي ذاتها المعروفة كالأسير مروان البرغوثي ومحمد دحلان أو رئيس الاستخبارات محمد فرج.. مع ذلك تقر الجهات «الإسرائيلية»، بحسب الصحيفة، بأن أي تقييم بخصوص هذا الموضوع حالياً لا يتعدى التكهنات…
حالة من الرعب تسود «إسرائيل» جراء تزايد احتمالات سقوط السلطة الفلسطينية التي عجزت عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعد نحو 20 سنة من المفاوضات العبثية، وما جرّ عن ذلك من تصاعد المقاومة في الضفة الغربية بعد أن قضت، عليها الشرطة الفلسطينية في السنوات الماضية، ووفرت أمناً غير مسبوق للمستوطنين، بتعاون وثيق مع الاحتلال في إطار ما يُسمى التنسيق الأمني… السلطة التي فشلت بالوقوف بوجه المستوطنات «الإسرائيلية» التي تتزايد وتتمدّد يوماً بعد يوم و سياسة القتل العمد واستسهال جيش الاحتلال الضغط على الزناد في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين وما يرافقه من إعدامات ميدانية، فضلاً عن سياسة هدم المنازل والتوسّع في الاعتقالات الجماعية والتواطؤ الواضح بين جيش الاحتلال ومنظمات الإرهاب اليهودي، التي تتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الاستعمارية أوكاراً لها، وسياسة التوسع في النشاطات الاستيطانية الاستعمارية وسياسة التهويد والتطهير العرقي، التي تمارسها «إسرائيل» في القدس ومناطق الأغوار الفلسطينية ومناطق جنوب الخليل، كلها شواهد على أن «إسرائيل» تواصل التمسك بخياراتها السياسية المعروفة والقائمة على القمع الوحشي لكل تحرك وطني فلسطيني يستهدف تحرير السلطة الفلسطينية من قيود الاتفاقيات الظالمة والمجحفة التي تم التوقيع عليها بين الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي» منذ العام 1993، ومواصلة الحفاظ على دور ووظائف هذه السلطة كوكيل ثانوي للمصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية للكيان الصهيوني.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أكد أن السلطة لا زالت تمد يدها لـ«إسرائيل» رغم كل هذه المآسي، قائلاً «ليس أمامنا إلا السلام والمفاوضات السلمية للوصول إلى حل الدولتين». كلام عباس يثبت تمسك سلطته بخيار لم يجلب أي فائدة للشعب الفلسطيني… الكيان الصهيوني يتخذ من السلطة وسيلة لتحقيق غايته الرئيسية باستمرار الاحتلال وبقاء المفاوضات الخالية من أي محتوى أو جدوى غير انقسام الشعب الفلسطيني إلى فئتين منفصلتين: الأولى تؤمن بخيار المقاومة المسلحة لتحرير الأرض وهو ما أثبت نجاعته في جنوب لبنان وفي حروب غزة المتكررة أما الفئة الثانية فتعتقد بأن خيار المفاوضات هو السبيل الوحيد للتحرير، وعملت على ذلك منذ سنوات عدة كما أنها سعت لمنع قيام أي انتفاضة مسلحة في الضفة الغربية لمناهضة الاحتلال.
إن السلطة التي يعمل نتنياهو للحفاظ عليها لا بد أنها ستكون الوسيلة الوحيدة لتحقيق مصالحه في فلسطين المحتلة، فإن استمرت هذه السلطة بهذا النهج نفسه فستضيع الأراضي تباعاً وسيبقى عباس وعريقات ينادون بوجوب المفاوضات.
السلطة الفلسطينية التي دخلت في سياسة المحاور، واتخذت من الرياض وحلفائها سبيلاً للوصول إلى ما تسعى إليه. وهذا ما أفصح عنه عباس حينما أعرب عن دعمه لسياسات الرياض الأخيرة من خلال إعدام الشيخ النمر وقطع العلاقات مع طهران.. هذا الخطأ الجسيم الذي دخل فيه عباس ووقف بوجه إيران التي تدعم فلسطين في جميع الجوانب، منكراً هذا الدعم كله، واتخذ هذه الخطوة بطلب سعودي لتشويه الصورة الإيرانية في دعم القضية الفلسطينية من خلال السلطة في الضفة الغربية.. كذلك الأتراك فقد مارسوا دورهم بالتشويه من جانب آخر بالضغط على حليفهم الإخواني خالد مشعل وإسماعيل هنية اللذين شقا عصا حماس إلى قسمين: الأول هو المكتب السياسي الذي ارتمى في أحضان تركيا وقطر وكل من يقف مع الإخوان في العالم.. أما القسم الثاني فهو الجناح العسكري الذي يقوده محمد الضيف وهو المدعوم حصراً من إيران وسورية وحزب الله.. القسم الثاني هو الجزء المعوّل عليه في قيادة القضية الفلسطينية، مع باقي الفصائل المقاومة بعد أن اهترأت حركة فتح وارتمت حركة حماس في أحضان حلفاء «إسرائيل» ومن ترفرف أعلام الكيان الصهيوني في عواصمهم.