الغزو التركي للأراضي العراقية… قراءة في الأسباب والتداعيات
هشام الهبيشان
في البداية، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الأتراك حاولوا وما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة العراقية من خلال السعي إلى السيطرة وفرض النفوذ على مساحات جغرافية من شمال العراق، فالنظام التركي أظهر منذ بداية الحدث العراقي رغبته الجامحة بسقوط العراق، وخصوصاً شماله، في آتون الفوضى، ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة والنظام السياسي العراقي، وهذا الأمر ينطبق كذلك على أطماع الأتراك بالشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات من تركيا مروراً بسورية والى العراق، وليس آخرها ما جرى من أحداث مؤخراً من غزو لمحافظة الموصل، حيث الهدف الرئيسي للتدخل التركي هو الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجغرافيا العراقية لتحقيق مطامع اقتصادية وسياسية تركية قديمة.
فتركيا لم تأت إلى العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، أو لضرب تنظيم داعش «الإرهابي» وهي التي تعتبر من أهمّ داعميه، وإنما جاءت لغزو العراق بعدما تيقّنت بأنّ مساحة المناورة لها في سورية قد ضاقت بشكل كبير بعد التدخل الروسي، ولهذا قرّرت التحرك بالعراق لإيجاد هامش وأوراق مناورة جديدة لها في الإقليم.
هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الغزو التركي للأراضي العراقية ما كان ليتمّ لولا التوافق والدعم لهذه الخطوة التركية من بعض الأنظمة العربية والغربية وبعض القوى السياسية العراقية في بغداد وإقليم كردستان.
في هذه المرحلة تحديداً، يمكن القول إنّ المرحلة المقبلة ستشهد حتماً تغيّراً ملموساً بقواعد الاشتباك في الإقليم ككلّ، وعلى مستوى القوى العالمية الكبرى بعد الغزو التركي للأراضي العراقية، فاليوم نرى أنّ هناك مباركة الى حدّ ما من بعض القوى العربية والمجاورة للعراق مثل السعودية وغيرها لهذه الخطوة التركية، وهذا الأمر ينطبق كذلك على الموقف الأميركي المؤيد للخطوة التركية الى حدّ ما، في حين نرى أنّ إيران عارضت هذه الخطوة التركية ووقفت ضدها، وهذا ما ينطبق كذلك على الموقف الروسي، وهذا الأمر بحدّ ذاته وفي هذه المرحلة بالتحديد، يؤكد أنّ جميع المعطيات الإقليمية والدولية تشير الى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدّي الى المزيد من تدهور الوضع في العراق وتدهور أمن المنطقة ككل، كنتيجة لهذا الغزو التركي للأراضي العراقية.
هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الحكومة العراقية ارتكبت خطأ فادحاً عندما صمتت خلال الأشهر السبع الماضية على الانتهاكات التركية بحق المواطنيين العراقيين الأكراد في شمال العراق، فكان من الواجب على الحكومة العراقية أن تتخذ قراراً عسكرياً فورياً بالتصدّي للعدوان التركي على الأراضي العراقية، والذي كان تحت حجج محاربة حزب العمال الكردستاني، أو على الأقلّ أن تتوجه الى مجلس الأمن والأمم المتحدة لردع الأتراك عن هذا العدوان السافر على الأراضي العراقية، ولكن الأرجح هذه المرة أن تكون الأمور مختلفة، فاليوم هناك غزو مباشر وعلني بري وجوي للأراضي العراقية من قبل الدولة التركية، والآتي من الأيام سيحمل الكثير من التطورات الدراماتيكية على صعيد الردّ العراقي عسكرياً وأممياً على العدوان التركي السافر على الأراضي العراقية.
في هذه المرحلة أيضاً، قد يكون تمركز قوات الدفاع الشعبي الكردستاني في قضاء سنجار بعد تحريره من تنظيم داعش، هو جزء من الأسباب للتدخل التركي، ولكن هنا لا يمكن إنكار حقيقة أنّ هناك بعض التنسيق بين الأتراك وبعض القوى الكردية الفاعلة في إقليم كردستان، وهنا يجب تأكيد أنّ هذه المسألة بالتحديد وهي مسألة التدخل التركي وغزو الأراضي العراقية، هي مسألة معقدة جداً، وليس من السهولة التنبّؤ بأسبابها غير المعلنة، والآتي من الأيام سيحمل مزيداً من الأحداث التي ستكشف حتماً الهدف الحقيقي للغزو التركي للأراضي العراقية، الذي من الطبيعي أن يشكل خطراً كبيراً على مستقبل الدولة العراقية سياسياً وأمنياً وجغرافياً وديمغرافياً، وخصوصاً بعد اتضاح حقيقة التعاون بين الأتراك وتنظيم داعش، فالاتهام العراقي ـ الإيراني ـ الروسي ـ السوري الأخير للنظام التركي بدعم تنظيم «داعش»، يؤكد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أحداثاً دراماتيكية عسكرية وسياسية ضدّ هذا الغزو التركي للأراضي العراقية، وهذا ما يؤكد أنّ الدولة العراقية والجغرافيا السياسية العراقية قد دخلت في مرحلة اشتباك دولي وإقليمي جديدة، وعلى ضوء نتائج هذا الاشتباك سترسم من جديد الخريطة السياسية والجغرافية للإقليم والمنطقة العربية ككل.
ختاماً، من المؤكد أنّ الغزو التركي للأراضي العراقية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخطط له الأتراك منذ زمن، والمتمثل بإقامة مناطق عازلة في الشمال السوري، فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية تمتدّ من شمال شرق سورية الى شمال غرب العراق هو مخطط تركي قديم، واليوم كما تحدّثنا أنه وبعد التدخل الروسي المباشر في سورية، يحاول الأتراك تعويض المنطقة العازلة السورية التي كانوا يخططون ويسعون لإقامتها، يسعون اليوم لاستبدالها «مرحلياً» بمنطقة نفوذ جديدة في شمال العراق، وتحديداً في الموصل، لضمان فرض سيطرة تركية ومساحة نفوذ ومناورة تركية جديدة في الإقليم، وهذه الخطوة ستكون لها تداعيات كارثية على أمن المنطقة والإقليم ككلّ.
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.habeshan yahoo.com