محمود عبّاس أعلنها فاحذروا المخيمات في لبنان

روزانا رمّال

لم تعد ساحات المواجهة في المنطقة مستقلة ومنفصلة عن بعضها البعض، على الرغم من السيادة التي سعى إليها كلّ الذين نادوا بالحرية ابتداء من لبنان منذ عام 2005 حتى موعد الربيع العربي 2011 في المنطقة كلّها، حيث لم يعد ممكناً الانطلاق في أيّ طرح سياسي من هذه الوجهة لانّ شيئاً ما يتأسس في هذه المرحلة، وهناك مشهد دام لعقود طويلة قد يصبح ماضياً منسياً، فالمأزق الذي يعيشه العالم العربي يبعده عن استقرار قريب، ويضيف إليه بدلاً من أزمة واحدة هي أزمة فلسطين أزمات عدة، وبدلاً من لاجئي فلسطين لاجئين من أكثر من دولة أبرزهم سوريون وعراقيون.

لبنان جزء لا يتجزأ من هذه الدوامة التي يعيشها وهو في صميم أزماتها وبأدقّ تفاصيلها، فكلّ استحقاق فيه بات ينتظر عقارب الساعة في المنطقة ودورانها، خصوصاً كلّ ما يتعلق بالأزمة السورية التي لا تزال حتى الساعة أم المعارك ومنها وبسببها تشابكت الأزمات بين الأحلاف المتخاصمة على حدّ سواء، فلو أنّ الأزمة السورية قد توقفت عند حدّ المطالب الإصلاحية ولم تتعدّ ذلك وتدخل في معركة سياسية دولية من أجل إسقاط الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد بالقوة، لكان العالم العربي اليوم ينتهج تغييراً حقيقياً وصل فيه الإخوان المسلمون إلى صعود كبير، ما كان سينعكس نجاحاً للسياسة التركية بشكل أساسي، فتصبح الغريمة السنية لإيران الشيعية في المنطقة، حسب ما كان معمولاً به بإعادة رسم هذا الشرق، إلا أنّ ثبات المشهد في سورية على استعصاء إسقاط الدولة ورئيسها عاد ليطيل عمر الأزمات في المنطقة، ناسفاً الإنجاز الإخواني التركي، ومعيداً الفرصة إلى تجربة مصرية جديدة بعيدة عن الإخوان المسلمين فجاء الرئيس السيسي بمساعدة كبيرة وبدعم أساسي من السعودية.

سورية التي استطاعت استقدام حليفها الروسي للمشاركة في القتال، بعدما بات محورياً لدى موسكو لمكافحة الإرهاب، استطاعت أيضاً أن تقحم السعودية أو تستدرجها بدقتها إلى حرب مع اليمن، بعدما تبيّن أنّ الفائز في سورية يعلن نصراً كاملاً في المنطقة. ومن هنا فإنّ عمق الأزمة السورية شبك الأزمات والملفات، وأسقط عنصر السيادة، وباتت كلّ دولة لديها رؤية مصلحية في خرق سيادة أو مهابة أو حرمة حتى المحظورات فتقدم عليه.

تطوّرات كثيرة جذورها سورية أشعلت الحرب بين حزب الله وإيران من جهة والسعودية من جهة أخرى، وتطورات كثيرة أخذت السعودية نحو خيارات متطرفة تارة في تشكيل أحلاف عسكرية ارتجالية، وأخرى في تنفيذ حكم إعدام برجل دين شيعي كاسرة كلّ المحرمات ومتحدّية إيران وطائفة بأكملها عن سابق تصوّر وتصميم.

العلاقة الإيرانية ـ السعودية السيئة تفتح اليوم الباب أمام اصطفافات جديدة قد تقلب الحسابات مجدّداً، لأنه على ما يبدو بدأت السعودية بحشد الموالين لها بشكل تراتبي للإيحاء بأنّ هناك من يؤيد موقفها في خطواتها، وعلى هذا الأساس تمّ قطع العلاقات مع إيران وسحب السفراء من أكثر من دولة عربية وأفريقية، واستعرت المواقف الإعلامية الأكثر خطورة من بيروت بخطاب حاسم لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، أعلن فيه بشكل مباشر موقف الحزب من المملكة، معتبراً إياها أنها أمّ الإرهاب في المنطقة ومموّلته ومشغلته، مستنفراً العالم من أجل تخليص نفسه من آل سعود المجرمين.

السعودية إذاً التي تحاصر من جهة وتسعى لحصار إيران سياسياً من جهة أخرى، بغضّ النظر عن فعالية مضمون خطواتها، تكسب اليوم صوتاً رئيساً من أصل المعضلة الشرق أوسطية بموقف يكاد يحجب لأهميته وظروفه الصورة عن بقية التفاصيل، فقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّ فلسطين مع المملكة العربية السعودية في كلّ ما تفعله ضدّ الإرهاب لأنه الصواب. وقد جاء حديث عباس في وقت تتحدّث إسرائيل عن احتمالات وفرضيات لانهيار السلطة الفلسطينية نتيجة الانهيارات المالية، وأكد أنه لن يسمح بانهيار السلطة الفلسطينية، كما تريد إسرائيل لأنّ السلطة إنجاز لن نتخلّى عنه والفلسطينيون ضدّ التطرف والعنف والإرهاب دائماً. نحن عندما دعا السعوديون إلى تحالف ضدّ الإرهاب كنا أول مَن انضمّ. نحن ضدّ الإرهاب، ونحن مع السعودية في كلّ ما قامت به وكلّ ما فعلته، لأننا نرى أنّ ما فعلته هو الصواب، ونقول ذلك من دون خجل .

إذا كانت السلطة الفلسطينية مع السعودية في ما تصنّفه إرهاباً، فهذا يعني أنها تعتبر إعدام الشيخ النمر أيضاً ضمن مكافحة الإرهاب، وأنها مستعدة لافتتاح أزمة مع إيران، خصوصاً مع الحديث عن إمكانية أن يكون هذا الموقف وفي هذا الوقت بالذات، قد جاء مقابل مساعدات سعودية تنقذ السلطة ومؤسساتها من الانهيار، وإذا حدث هذا الأمر، فعلى لبنان أن يتحضّر كي يكون أول الدول المتأثرة بسياسة السلطة الجديدة التي ستحتّم عليها الانصياع لكلّ ما ترى فيه المملكة العربية السعودية مصلحة من أجل إنجاح مخططها واستكمال مشاريعها بالتوازي في سورية واليمن قبل ظهور أول بوادر التسويات وبالتالي فإنّ المخيمات الفلسطينية قد تكون واحدة من نقاط الفعل وردّ الفعل الواقعة بين حزب الله والمملكة، وواحدة من أخطر البؤر التي يمكن إزعاج حزب الله من خلالها في إقحامه بفتن داخلية مع الفلسطينيين، خصوصاً بعدما ما برزت الرغبة واضحة في تفجير برج البراجنة وإقحام أسماء فلسطينيين من أجل تسعيرها. فهل تتحرّك القوى التابعة للسلطة الفلسطينية، هذه المرة ضمن هذا الإطار فتدخل المعركة تنفيذاً لرغبات سعودية وتضيّع أيّ آمال بالتعقل ويتعقد المشهد أكثر فأكثر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى