فارس: العصر الأميركي انتهى وتصوُّر حلول دائمة في لبنان بمعزل عن سورية وهمٌ كبير v
أكد عضو الكتلة القومية الاجتماعية النائب الدكتور مروان فارس «أنّ قواعد اللعبة تبدّلت»، لافتاً إلى «أنّ الحلف السوري ـ الإيراني ـ الروسي إلى جانب المقاومة في لبنان، هو الذي سوف يرسم في النهاية مشهد المنطقة».
ورأى فارس في حديث لمجلة «الدبلوماسية» التي تصدر عن «منتدى سفراء لبنان» «أنّ الحلّ في لبنان ينتظر الحلّ في سورية، وهذا ما لم يدركه فريق واسع من اللبنانيين»، معتبراً أنّ «تصوُّر حلول دائمة في لبنان بمعزل عن سورية وهمٌ كبير».
وإذ شدّد على «أنّ العصر الأميركي انتهى، وأنّ التسوية تقضي ببناء وضعية جديدة»، رأى فارس «أنّ التسوية الكيميائية التي شهدتها سورية، والتسوية النووية التي حصلت مع إيران، تشكلان معاً مقدّمة لتسوية أكثر شمولاً بين موسكو وواشنطن».
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملاً:
كيف تقرأون العودة الروسية إلى المنطقة؟
ـ في مطلع القرن العشرين، وبالتحديد في العام 1916، قُسِّمت «سورية الطبيعية» إلى مجموعة دول بموجب اتفاقية «سايكس ـ بيكو» 16 أيار1916 بين بريطانيا وفرنسا. وقد حصل ذلك في الوقت الذي كان فيه نشاط الصهيونية يتزايد في فلسطين بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، وفي ظلّ فساد الإدارة العثمانية يومذاك.
بموجب معاهدة «سايكس ـ بيكو» تمّ تقسيم المشرق العربي، باستثناء شبه الجزيرة ، إلى خمس مناطق ساحلية تمّ توزيعها بين فرنسا وبريطانيا. وفي العام 1917، وتحديداً في 2 تشرين الثاني، صدر عن وزير خارجية بريطانيا جيمس بلفور وعدٌ في شكل رسالة وجهها إلى اللورد روتشيلد أحد الصهاينة في لندن. وقد تأكد هذا الوعد في أعقاب المساعي التي قام بها حاييم وايزمن الذي عمل كمحاضر في جامعة «مانشستر» في ذلك الوقت، ونصّ على إقامة «وطن قومي لليهود في فلسطين».
بعد سايكس ـ بيكو»، كرّس «وعد بلفور» الهيمنة الأوروبية على المنطقة، قبل أن يصل الأميركيون. وعقب الانسحاب السوفياتي من مصر في مطلع السبعينيات، وتحديداً في 8 تموز 1972، أنشأت موسكو عام 1981 قاعدة في ميناء طرطوس، المرفأ الأهمّ في سورية الشام الذي يُشرف على المتوسط. وقد حافظت روسيا الاتحادية على هذا الموقع الاستراتيجي منذ ثمانينات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأطلق عليه في حينه اسم «مركز دعم مادّي وتقني»، قبل أن يتحوّل إلى قاعدة بحرية حقيقية.
ومعروف أنّ أول دولة اعترفت بالجمهورية العربية السورية بعد استقلالها هي روسيا، وأنّ التواجُد العسكري الروسي في سورية بدأ في العام 1963 قبل أن يتطور إلى ما هو عليه اليوم.
في اعتقادي، كما في اعتقاد كبار المحللين الاستراتيجيين، أنّ قرار القيادة الروسية الأخير بعودة عسكرية وسياسية قوية يدشِّن مرحلة جديدة في المنطقة. فالثوابت الاستراتيجية الروسية لا تقتصر على المنطقة، وإنما تمتدُّ على امتداد العالم كله، وأولوية روسيا محاربة الإرهاب، مع الإشارة إلى أنه قد يكون هناك توافق ضمني قائم هذه المرة بين موسكو وواشنطن على مواجهة الإرهاب، علماً أنّ الإرهاب صناعة أميركية.
هل ينطوي الحلّ في سورية على مشروع فيدرالي ما؟
ـ التقسيم والفدرلة ليسا واردين في سورية، والانتصار السوري في المواجهة يعني إعادة توحيد سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد. أما التعديلات التي يمكن أن تطرأ على شكل الحكم فهي مسألة يقرِّرها السوريون أنفسهم، انطلاقاً من وحدة سورية.
باختصار، إنّ الانتصار السوري يعني سقوط المشروع التقسيمي بكلّ مفرداته الجغرافية والسياسية والمذهبية والعرقية، والحلّ الذي يجري الإعداد له بعد لقاءي جنيف وفيينا يمرّ بالتشاور مع القيادة السورية الحالية.
وكيف تبدو، ولو من بعيد، ملامح التسوية المقبلة في المدى الإقليمي؟
ـ إنّ عودة الروس لا تقتصر مفاعيلها على سورية ولبنان، وإنما تشمل المنطقة، أيّ الشرق كله. والحلّ، كما نراه، هو الانطلاق من مقاومة الإرهاب إلى وضعية جديدة في المنطقة، مختلفة تماماً عن التصوّر الأميركي ـ «الإسرائيلي». العصر الأميركي انتهى، والتسوية تقضي ببناء وضعية جديدة. وأتوقف هنا لأقول إنّ التسوية الكيميائية التي شهدتها سورية، والتسوية النووية التي حصلت مع إيران، كلتاهما تشكلان مقدّمة لتسوية أكثر شمولاً بين موسكو وواشنطن.
ما هي وجوه شبه المفترضة بين التسوية في سورية والتسوية المُرتقبة في لبنان؟
حتى الآن، حققت سورية انتصاراً تاريخياً على تحالف يضمُّ أكثر من ثمانين دولة أميركا ضمناً . لقد صمدت الدولة السورية في وجه المشروع الأميركي الذي يقضي بإسقاطها ووضع اليد على المنطقة بكاملها. ما حصل أنّ الأميركيين نجحوا في إحداث تدمير في سورية لكنهم عجزوا عن وضع اليد عليها.
قواعد اللعبة تبدَّلت، والحلف السوري ـ الإيراني ـ الروسي إلى جانب المقاومة في لبنان، هو الذي سوف يرسم في النهاية مشهد المنطقة. إنّ الخاسر الأول في المواجهة القائمة هو أوروبا الغربية بدءاً بفرنسا، وقد خسرت باريس الحرب ضدّ الإرهاب من دون أن تربح فرصة المشاركة في التسوية.
الإرهاب قريب من أوروبا المتوسطية وبعيد عن الولايات المتحدة الأميركية، ومن الواضح أنّ البلدان الأوروبية الغربية باتت تولّد إرهاباً ذاتياً ولم تعد فقط تستورد الإرهابيين.
أما بالنسبة إلى الحلّ في لبنان، فإنه ينتظر الحلّ في سورية، وهذا ما لم يدركه فريق واسع من اللبنانيين. لقد خرج السوريون من لبنان عام 2005 والسؤال: هل استطاع اللبنانيون حلّ مشاكلهم الداخلية منذ ذلك التاريخ بإمكاناتهم الذاتية؟ وهمٌ كبير تصوُّر حلول دائمة في لبنان بمعزل عن سورية.
ما هو البديل الممكن لدستور الطائف؟
ـ الحلّ بمجتمع مدني ينطلق من قانون انتخابي يحوَّل لبنان إلى دائرة انتخابية واحدة بتمثيل نسبي، وبدولة مدنية ديمقراطية. أوروبا الغربية لم تشهد استقراراً إلا حين ذهبت باتجاه فصل الدين عن الدولة. ونحن نتطلع إلى ذلك.
يعتبر الزعيم أنطون سعاده أنّ العقل هو الشرع الأعلى في الإنسان عندنا حتى الآن الطائفة هي الشرع الأعلى . العقلانية هي التي تنتج المجتمع المدني في حين أنّ الطائفية تنتج الحروب. المادة 95 من دستور الطائف تقول بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية الفقرة الأولى ، تمهيداً لإلغائها بصورة نهائية الفقرة الثانية . من هنا نبدأ، لكنّ فريقاً واسعاً من اللبنانيين يتعامل مع الفقرتين بمنطق النفاق التاريخي.
قد يكون ضرورياً في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ المنطقة التوقف عند القسم الإصلاحي من المبادئ القومية الاجتماعية، الذي يشتمل على مجموعة ثوابت أساسية. يقول سعاده: «إنّ أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية هي تعلّق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية، وتشبُّث المراجع الدينية بوجوب كونها من مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض هذه السلطات على الأقلّ. والحقيقة أنّ معارك التحرُّر البشري الكبرى كانت تلك التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية المتشبّثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها.
في الدولة التي لا فصل بينها وبين الدين نجد أنّ الحكم هو بالنيابة عن الله لا عن الشعب، وهذه النزعة في المؤسسات الدينية ظهرت في جميع الأديان على السواء في أطوار الإنسان الأولى قبل أن يتخذ الدين شكله العصري المعروف في الوقت الحاضر.
إنّ الدولة الدينية أو التيوقراطية منافية لكلّ حركة متمركزة، ولا يوجد في الدين أمة أو قوميات. هذه الحالة تنطبق على المسيحيين كما على المسلمين، والقومية لا تتأسَّس على الدين، ولا بدّ من وضع حدّ لتدخُّل المؤسسات الدينية مداورة في مجرى الشؤون المدنية والسياسية وبسط نفوذها بقصد تحويل سياق الأمور ليكون في مصلحتها، ومن أجل تحقيق الوحدة القومية يجب منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.
وإذا نحن منعنا ذلك ساعدناهم في رفع منزلة الدين واحترامه وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب».
وختم فارس مؤكداً: لو لم يتمّ اغتيال سعاده، لما كانت سورية الطبيعية تعيش كلّ هذه الويلات.