هل تقع الحرب بين السعودية وإيران؟
عامر نعيم الياس
أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. ودعت الرياض أفراد بعثتها الدبلوماسية إلى مغادرة إيران خلال 48 ساعة.
واعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن «تاريخ إيران مليء بالتدخلات السلبية والعدوانية في الشؤون العربية، ودائماً ما يصاحبه الخراب والدمار«.
المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران تحدث عن «عقاب إلهي» بحق آل سعود. فيما أصدر الجيش الإيراني بياناً نادراً تحدث فيه عن حادثة إعدام الشيخ النمر. وذلك في تدخلٍ بالشأن السياسي الخارجي ليس من عادة المؤسسة العسكرية الإيرانية إبداء الرأي فيه.
السيّد حسن نصر الله هاجم آل سعود وفكرهم داعياً إلى مواجهتهم كأسرة حاكمة تتلطى بالفكر الوهابي. وهو ما استنفر سعد الحريري الذي هاجم الحزب بضراوة، في تجلّ من تجليات المرحلة الجديدة.
لا يمكن وصف الفعل السعودي سوى بالفعل المؤدّي إلى حرب في المنطقة. فالمملكة التي لم تحقق إنجازات في ساحات المواجهة مع محور إيران ـ سورية ـ حزب الله ـ الجيش العراقي والقوى الموالية لهم في اليمن وسورية والعراق، تريد جرّ المنطقة إلى حرب مذهبية تبرع فيها، خصوصاً بعد التحالف التركي ـ السعودي الاستراتيجي الذي يستهدف في إحدى غاياته تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة ومواجهة التقارب الأميركي ـ الإيراني، في ضوء توجّه تركيا إلى إقامة قاعدة عسكرية لها في قطر، وهو أمرٌ بات لا تتحسّس منه السعودية فهي تريد أن تشجّع أيّ وجود في الخليج في سبيل المواجهة مع إيران.
تريد السعودية جرّ المنطقة إلى الحرب. فهي بعد إسقاطها الحوار بين المذاهب الإسلامية، وإسقاطها أيّ محاولة للتهدئة ولتفاهم مع إيران ومحورها، عمدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران للتفرّغ لإدارة الحرب المذهبية وتسعير النيران في المنطقة وتحديداً في سورية والعراق واليمن هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى تريد الرياض دفع الأميركيين ومن ورائهم الروس إلى العودة إلى نقطة الصفر عبر جرّ مراحل التفاوض الدولي حول الملفات الإقليمية الساخنة إلى المربع الذي وصلت إليه العلاقة بين السعودية وإيران والتي انتهت عملياً، وباتت في مرحلة العداء السياسي الدبلوماسي المعلن. فنحن اليوم أمام دولتين قطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما وهما كانتا في ظلها على خلاف دائم ومواجهات متعددة. فكيف سيكون الحال اليوم؟
تتقن السعودية لعبة الشحن المذهبي، وهي ـ ووسائل إعلامها ومثقفوها وكتّابها ـ عملت طوال السنوات الماضية على التحضير للّحظة التي تدخل فيها المواجهة الأكثر حدّة مع طهران على أساس الحرب المذهبية. فإعدام الشيخ النمر ولّد ردود فعل من إيران لا يمكن ضبطها وتخرج عن الخطوط الحمراء الناظمة للعلاقات مع المملكة. النظامان الحاكمان باتا على منبر التكفير المتبادل، وهنا تكمن المشكلة.
ورغم أن السياسة الإيرانية غير اعتباطية ولا تقوم على ردود الفعل، لكن حجم الاستفزاز السعودي، وطبيعة النظام الحاكم في طهران، تجعل من الصعوبة بمكان ضبط مستويات ردود الفعل إلى الدرجة التي ترجح المنطق. بمعنى أن احتمالات الصدام بين إيران والسعودية مرجحة لمزيد من التصعيد خلال الأسابيع المقبلة، والدماء ستسيل في كافة البؤر التي شملها الاستفزاز السعودي المدروس والممنهج والوظيفي، وهو ما يفسح في المجال أمام مشهد يتميز بالتالي:
ـ تصعيد المواجهة في سورية والعراق واليمن، رغم العجز السعودي عن تحقيق إنجازات نوعية. لكن التحالف الاستراتيجي مع حزب «العدالة والتنمية» في تركيا، من الممكن أن يُحدث فرقاً على صعيد رفع منسوب الدم، خصوصاً على الساحتين السورية واليمنية. مع أن الوجود الروسي في سورية لن يسمح لأحد من القوى الإقليمية بالعبث بتوازن القوى القائم في سورية على أساس تصفية الحسابات.
ـ امتداد المواجهة الصامتة بين طهران والرياض إلى بعض دول الخليج وصولاً إلى لبنان. مع أن إيران تدرك جيداً أن التوتر في هذه المناطق لا يمكن أن يؤثر على الحكم السعودي في الآونة الحالية لعدة أسباب منها الإعلام ودوره المباشر في شيطنة الأنظمة دولياً. وهو أمر لا تملك القوى المتحالفة مع إيران القدرة على فعله إلا في نطاقٍ محدود، على عكس الإعلام المرتبط بالسعودية والإعلام الغربي المتوائم معه.
ـ نزع فتيل المواجهة المذهبية وتحويلها إلى مواجهة مع النظام السعودي والوهابية، لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يجنّب المنطقة ويلات الصدام المذهبي المتوقع. فنحن اليوم أمام أزمة وجودية أخلاقية وجيوسياسية تسمح للأطراف المنضوية في هذه اللعبة بالتحرك وفقاً لرؤيتها الذاتية. كما أن موقف المرجعيات السنّية في العالم العربي لا يزال دون المستوى المطلوب وتكتيك اختصار الموقف السنّي تحت الريادة السعودية نجح في تغييب الاعتدال السنّي إلى غير رجعة، يرافقه موقف سياسي عربي وإسلامي مهادن لسياسات المملكة حتى وإن لم يشاركها مواقفها العدوانية من إيران، ولا حتى أحلافها العسكرية. لنا في موقف باكستان مثال على ذلك.
لا تعني المواجهة بأيّ حال من الأحوال اندلاع حرب سعودية ـ إيرانية مباشرة وهو ما أكده وزير دفاع آل سعود محمد بن سلمان في لقائه مع صحيفة بريطانية منذ يومين. فالحدود المباشرة المشتركة غير موجودة، لكن الحرب القائمة الحاوية حروباً تجعل من إمكانية اندلاع حروب جديدة بين الدولتين الإقليميتين أمراً شبه محتوم. فيما تدفع الدول الميدانية الثمن الأكبر لتاريخ يحيي ثنائية القاتل والقتيل ويتغنّى بثأر الدم ويستمد شرعيته من الحروب العبثية التي لن تزيد هذه الأمة سوى شقاءً وانقساماً وتبعيةً لا يُعرف إلى أيّ مدى ستفتّت المفتّت.
كاتب ومترجم سوري