سياسة أميركيّة «مصلحيّة» في المنطقة والعالم
نور الدين الجمال
تقوم السياسة الأميركية في العالم على مبدأ «البراغماتية» في مقاربتها جميع الملفات وكيفية معالجتها، خاصة تلك التي تتّسم بالطابع الاستراتيجي. ولا بد من الإشارة إلى الموقف الأميركي من الأزمة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات حتى اليوم، ومن التطورات المستجدة في العراق بعد سيطرة تنظيم «داعش» بالتواطؤ مع الاستخبارات الأميركية على بعض المدن العراقية وتحديداً في محافظتي نينوى وصلاح الدين، والموصل.
على صعيد الأزمة السورية، كشف مصدر ديبلوماسي عربي عن حصول زيارة وفد أميركي إلى سورية أخيراً وبصورة سرية إذ التقى بعض كبار الموظفين في وزارة الخارجية السورية، وهذه الزيارة في رأي المصدر الديبلوماسي ترتبط مباشرة باللقاءات الأربعة التي جرت في أوسلو بين المستشارة السياسية للرئيس الأسد الدكتورة بثينة شعبان وجيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ولقاءات فيلتمان هذه لم تحصل باسم الأمم المتحدة بل عبر الإدارة الأميركية وتمت بناء على طلب ورغبة من فيلتمان المعروف بمواقفه المتصلّبة والعدوانية حيال الدولة السورية.
أما بالنسبة إلى الملف العراقي في ظروفه الراهنة والموقف الأميركي مما يحصل فيقول المصدر عينه إن الوزير جون كيري بحث لدى لقائه السيد نوري المالكي عن مخارج. وإذا كانت هناك عمليات تصعيد من أي طرف فهذا يعني أن المفاوضات تحصل بالدم والنار، والانقلاب الداخلي في العراق خلق واقعاً جديداً شكل إحراجاً لأكثر من جهة وطرف في المنطقة والمطلوب تخطيه لكي تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل «الانقلاب» العراقي المدعوم أميركياً وسعودياً وتركياً و»إسرائيلياً» وكردياً، وإن تكن بوصلة مستقبل المنطقة، وإن مرحلياً وآنياً تتحدد من خلال ما يحصل في العراق. لكن تبقى البوصلة الجوهرية والأساسية ما يتحقق على أرض الواقع في سورية من إنجازات ميدانية مهمة على يد الجيش العربي السوري وما يحصل على مستوى تحقيق المصالحات في أكثر من منطقة، إذ تبقى الرهان الرابح على تحقيق النصر النهائي في الحرب الكونية التي تشن ضد سورية منذ عام 2011.
في آخر زيارة له إلى العراق حاول أن يلعب اللعبة نفسها التي جربوها في سورية وحديثهم عن «المعارضة المعتدلة» والتي فشلت بالطبع في سورية. أما في العراق فاستعمل عبارة «المتمرّدون السنّة» كما في الإعلام الأميركي والبريطاني، معترفاً في الوقت نفسه بوجود قوى إرهابية اسمها «داعش». ولكن القوة الأساسية الموجودة في الأنبار هي قوى سنية معتدلة وقوى إسلامية معتدلة تقود حركة التمرد التي حصلت في الموصل ومناطق أخرى في العراق، وهذه القوى يمكن أن تقاتل إلى جانبنا ضد «داعش» في سورية والعراق، والشرط الأساسي لكي تقدم الولايات المتحدة الدعم المباشر إلى العراق وينفّذ الاتفاق الأمني إعطاء دور أساسي لهذه القوى في العملية السياسية والتعاون مع «المعارضة السنية» المعتدلة لمواجهة «داعش» ومحاربتها.
يشير المصدر كذلك إلى أن التيار الأميركي المتطرف الذي يمثله «بايدن» ما زال يراهن على تغييرات في موازين القوى في سورية والعراق، وهم يدعمون ما يسمونهم بالقوى الإسلامية المعتدلة بغية تقسيم المنطقة. فشلوا في سورية في هذا الرهان بعدما نجح «داعش» في ضرب القوى الإسلامية في معظم المناطق التي لهم فيها وجود مشترك، والرهان الأميركي هذا مرتبط إلى حد كبير بموضوع الملف النووي الإيراني الذي لم يتبلور بعد بصورة نهائية، وبما إذا كانت الفرصة المتاحة لذلك قادرة على تحقيق أي اتفاق حول الوضع في أوكرانيا حيث فرضت روسيا شروطها من خلال التعاون مع ألمانيا وفرنسا وإن لم تكن في وارد التدخل عسكرياً إذ تملك الكثير من الأوراق التي تعوّض عن تدخلها العسكري في أوكرانيا.
يكشف المصدر أن الأميركيين أبلغوا السيد نوري المالكي أيضاً أن مساعدتهم العسكرية والاستخبارية للجيش العراقي في محاربة «داعش» مشروطة من خلال الإتيان برئيس مجلس نواب ترضى عنه السعودية، وربط عملية التسليح بشروط سياسية معينة وضرورة استيعاب قوى المعارضة المسلحة الموجودة على الأرض في كل من سورية والعراق. وهذه الشروط متفق عليها مع المملكة العربية السعودية. وبالتلازم مع هذه الشروط الأميركية على المسؤولين العراقيين، تحاول الإدارة الأميركية فتح خطوط تواصل مع كل من إيران وسورية لإيجاد مخارج وسطية لا تشكل في جوهرها هزيمة لأي طرف، على المستويين السياسي والعسكري.