الدور الوظيفي للصهيونية الوهّابية في تدمير الحضارة الإنسانية
جمال رابعة
ليس من قبيل الصُدفة ما نشهده اليوم من سلوك وأسلوب وممارسة ممنهجة بتدمير التراث الإنساني والتاريخ الحضاري لبلاد الشام من قبل هؤلاء القادمين من خلف التاريخ ويعتنقون فكراً هدّاماً لا يصبو إلا إلى تدمير الإنسان والمعاني الإنسانية والمادية للبشرية. فكر استُقدِم من عفن الأخلاق والقيم المنحطّة التي استولدتها الوهّابية لتغيير القيم والأخلاق النبيلة والحميدة التي تمتَّع بها الإسلام المُحمَّدي عبر تاريخه الإنساني ببضاعة بريطانية لتصدير إسلام على مقاسات الوهّابيين ووفق توجهاتهم تحدّد وتنفذ مشاريعهم كما هي. فما فعلته الوهّابية وآل سعود في شبه الجزيرة العربية يتقاطع بشكل متكامل ويتشابه من حيث الأهداف والأسلوب، مع هذه القطعان التكفيرية من «داعش» وغيرها.
يقول فاروف اختر مدير اللجنة الملكية، نقلاً عن جون ماريو، مؤلف كتاب «مجلس بيلاتس» في الصفحة 199: «ممّا قاله رئيس الوزراء البريطاني أرنست بيفن أمام مجلس العموم في إحدى خطبه يوم 26 شباط عام 1947: «إنّ آل سعود منسجمون معنا في السياسة المرسومة ضدّ العرب والمسلمين عن طريق فلسطين والقضية اليهودية».
وذكر جون بتي في كتاب «الصهيونية لعبتها أميركا» في الصفحة 92: «كشف عبد العزيز آل سعود في أوراقه لأصدقائه الإنكليز «إننا نعترف بـ«إسرائيل» ونفخر أننا كنا أول من نمدّ لها يدنا».
ويقول الرئيس السابق للكيان الصهيوني إسحاق بن زفي في كتاب «الدونمة» بالعبرية والذي ترجمه إلى الإنكليزية إسحاق عبادي ونشر في أميركا عام 1957 في الصفحة 232: «هناك طوائف دينية لا تزال تعتبر نفسها من بني إسرائيل، وأبناء هذه الطوائف استمروا في إقامة شعائر الدين اليهودي ومن هؤلاء طائفة السامريين الذين يعتنقون صراحة الدين الموسوي، وطائفة مهمة هي الطائفة الوهّابية وهي مسلمة في الظاهر إلا أنها تُقيم في السرّ شعائر الدين اليهودي».
بعد استقراء تاريخ بداية انتشار الوهّابية في بداية القرن التاسع عشر، سنكشف الكثير من أوجه الشبه بين النهج العنيف الذي كانت تتَّبعه هذه الحركة بعد تحالفها مع آل سعود لفرض وجودها وبين العنف الذي يتبناه تنظيم «داعش» لفرض أفكاره وبسط نفوذه وقد تجلى ذلك في المناهج الدراسية التي فرضها «داعش» في الرقة وهي تُدرَّس في المملكة الوهّابية، فما تشهدُه اليوم مدن العراق وسورية من تدمير للمساجد والحسينيات والمزارات والقبور الصوفية ومن محاكمات لا شرعية تقيم الحدود وتنفذ الإعدامات الجماعية العشوائية، نكاد هنا نجد شبيهاً له في تاريخ آل سعود الذي يستند على الفكر الوهابي كأداة تشريع وفتاوى لكلّ جرائمهم بحقّ الإنسانية وهم الذين قاموا بين عامي 1904-1925 بتدمير مقابر أهل البيت وصحابة رسول الله محمد وهدموا المساجد وبيوت الأولياء ودمَّروا القباب والمزارات. وبحسب ما روى ابن الريحاني في كتابه «تاريخ نجد الحديث وملحقاته»، فإنّ الحادث الخطير في دعوة محمد بن عبد الوهّاب هو قطعه شجرة «الذيب» في منطقة الجبيلة التي كان يتبرك بها الناس فتبعه أنصاره بتدمير القباب وتحطيم القبور، بما فيها قبور أصحاب النبي محمد. وتذكر كتب التاريخ أنّ حرب آل سعود المسنودة شرعاً إلى الوهّابية ذهب ضحيتها أكثر من سبعة آلاف قتيل وانتهت بإقامة المملكة الوهّابية والتي تعهد ملوكها تبنّي الفكر الوهابي المتشدّد، كمذهب رسمي لدولة تقوم على فرض تطبيق الشريعة بعد تحريفها واعتماد قوانينها الصارمة وهو ما يقوله اليوم تنظيم «داعش» ويسعى إليه. ويمكن القول إنّ 90 في المئة من الآثار الإسلامية في الحجاز قد تمّ تدميرها وقد تمت إبادة التراث الحضاري الإسلامي والإنساني في مكة المكرمة عام 1924 فأزيلت مقبرة «المعلى» التي تضمُّ قبر السيدة خديجة زوجة الرسول وقبر عمه أبو طالب. وفي المدينة المنورة هدمت مقبرة البقيع عام 1926 والتي تضمُّ قبور عدد من أهل بيت رسول الله ومنهم ابنته فاطمة الزهراء وحفيده الحسن بن علي كما هُدمت المساجد السبعة في المدينة مسجد الفتح أو «الأحزاب»، ومسجد «سليمان الفارسي»، ومسجد «أبي بكر»، ومسجد «عمر»، ومسجد «فاطمة»، ومسجد «علي»، ومسجد «القبلتين» وقام الوهاّبيون بهدم قبّة قبر الحمزة بن عبد المطلب، وأزالوا مقبرة «شهداء أُحد»، وأزالوا طريقي «بدر» و«أُحد».
في المقابل، هناك مواقع تمّ الحفاظ عليها والاهتمام بها وترميمها: كمنطقة خيبر التي لا تزال تحتوي على آثار مرتبطة بتاريخ اليهود وهي منطقة يؤمُّها اليهود حتى اليوم لزيارة تلك الآثار، بالإضافة إلى آثار اليهود في المدينة المنورة والتي لا تزال باقية. فلا يزال «حصن كعب بن الأشرف» موجود في منطقة السدّ في المدينة ومصنف كمنطقة أثرية. وهنا نتساءل: كيف يحافظ آل سعود الوهابيون على آثار اليهود ولا يحافظون على آثار النبي وآل بيته وأصحابه.
أما المكتبة العربية التاريخية العالمية التي تُعتبر من أثمن المكتبات في العالم من حيث القيمة التاريخية التي لا تقدر بثمن، فقد تمّ إحراقها على يد الوهابيين وكانت تلك المكتبة تحتوي على 60 ألف كتاب من الكتب النادرة وفيها أربعون ألف مخطوطة نادرة من مخطوطات الجاهلية.
إنّ ما بدأه آل سعود أو الفاشية الوهّابية في تدمير الحضارة الإسلامية والتاريخ الإنساني في شبه الجزيرة العربية يكمل فصوله «داعش» في بقية المنطقة العربية، فها هي حضارة بلاد الرافدين وما بين النهرين في سورية والعراق تتعرض للتدمير والتشويه كما حصل لمدينة النمرود وحضر ومتحف الموصل في العراق والقبب والمقامات الأثرية التاريخية كافة. وفي سورية دمرت الأيدي الهمجية ذاتها، أيدي رعاع الوهابية التكفيرية الفاشية والنازيين الجدد معالم أثرية في مدينة تدمر كمعبد «بل» والمدافن العامودية والقبب والمزارات التاريخية والتي كان آخرها تدمير معبد «بعل شمين» الروماني الشهير، وهذا ما حصل للتراث الحضاري في بقية المحافظات السورية في حلب وإدلب ودرعا وحماة من نهب وتدمير. وقد تمكنت مديرية الآثار والمتاحف السورية، وعن طريق خريطة تفاعلية يتم تحديثها باستمرار، من توثيق 785 منطقة أثرية متضرِّرة في سورية، موزَّعة على جميع المحافظات السورية. أما في اليمن فقد تكفّل الطيران الوهّابي بتدمير التراث التاريخي في اليمن من الجو وتكفلت أدواته من «داعش» و«القاعدة» بتدمير ما تبقى على الأرض.
أما المواقع الأثرية الليبية، على رأسها مدينة لبدة الكبرى، وهي مدينة يعود تاريخها إلى عصر الإمبراطورية الرومانية، ومدينتا صبراتة ومدينة شحات، وهما مستعمرتان يونانيتان قديمتان، مدينة غدامس الواقعة جنوب ليبيا، والتي أطلقت عليها منظمة يونيسكو «لؤلؤة الصحراء» فإنّ مصيرها مجهول في ظلّ تمدُّد «داعش» في الجغرافية الليبية.
في الختام، نخلص إلى أنّ الوهّابية الفاشية لها تاريخ من القتل والإجرام والإرهاب وهي كانت المُلهمة للنازية بتدمير البشرية.
أما آل سعود ودورُهم الوظيفي المُعلن وغير المُعلن في المنطقة بتغييب وإزالة كلّ المعالم الإسلامية والحضارة الإنسانية فهم يرفعون راية الوهّابية شعاراً وطريقاً وعنواناً، فهم حصان طروادة في أُمّتنا خدمة للكيان الصهيوني.
عضو مجلس الشعب السوري