حزب الله من التحدّي والنجاح في خياره… إلى قطف ثمار المواجهة مع الإرهاب

هتاف دهام

من المفترض أن يكون عام 2016 عام المرحلة الانتقالية باتجاه الحلول للأزمات الإقليمية وعام ثبات وقطاف حزب الله لثمار المواجهة مع المجموعات الإرهابية على المستويين العسكري والسياسي وما بينهما من مستويات، بعدما كان عام 2015 عام التحدّي والمواجهة والنجاح في خياره بالحرب السورية ضدّ المشروع الإرهابي، وعام ترسيخ معادلة الردع ضدّ العدو «الإسرائيلي» ومنعه من تعديل قواعد الاشتباك، وبعد أن أصبح دوره الإقليمي أكثر حضوراً وتوسّعاً، خصوصاً في الساحات السورية والعراقية واليمنية إزاء الدور الفاعل الذي يؤدّيه ضدّ الإرهاب، والأكثر تأثيراً في لبنان الى درجة أنّ كلّ القوى الإقليمية والدولية المعنية بمتابعة أيّ أمر لبناني نجدها تخطب ودّ حزب الله وتسعى الى فتح القنوات معه.

تأكّدت في العام المنصرم صحة خيارات حزب الله في حربه ضدّ المجموعات التكفيرية في سورية، وتقليل خطرها عن لبنان، إذ إنه عمل في سياق الحرب الدفاعية ضدّ العدوان على محور المقاومة وحقق تقدّماً كبيراً في مواجهة الجماعات المسلحة قبل الدخول الروسي تلبية لطلب الحكومة السورية المساعدة في إطار الحرب ضدّ الإرهاب، وبعد مشاركة الطيران الروسي.

كان حزب الله مساهماً أساسياً في التحضير السياسي والعسكري والعملياتي لاستقبال القدوم الروسي الى سورية، وتصاعد تفوّقه في الميدان بعد التدخل الجوي الروسي في الفضاء السوري، وتسارعت إنجازاته الى جانب الجيش العربي السوري واكتسب قدرات جديدة في العمل العسكري المنسق بين الأسلحة الجوية والبرية.

وسّع حزب الله من مساحة مشاركته في الجبهات السورية كلّها في تدمر والغوطة ودرعا، وهو الآن أحد أهمّ المشاركين في معارك حلب وإدلب، وتمثلت إنجازاته الكبرى بشكل فعّال في معركتي القلمون والزبداني اللتين أدّتا إلى خروج المسلحين من المنطقة، وباتت مسألة القلمون في العمق خارج الصراع بعد تطهيرها من المسلحين الذين انتقلوا من وضع يهدّدون فيه طريق بيروت – دمشق إلى وضع يتظاهرون فيه بألم الجوع في مضايا، ولهذا الأمر دلالات على أنّ هؤلاء الإرهابيين وداعميهم ومموّليهم يخسرون المواجهة ويلجأون إلى الحرب الإعلامية لتشويه صورة حزب الله.

ساهم حزب الله في المعارك التي اندلعت في الشمال والجنوب ومحيط دمشق، وكلها أدّت إلى تعزيز قدراته العسكرية، وحقق إنجازات عسكرية ذات طبيعة استراتيجية برغم الثمن الذي دفعه على الأرض السورية من شهداء وجرحى، واكتسب خبرات جديدة لم يكن أحد يتصوّر أنه سيصل إليها من دون أن يشارك في مثل هذه الأعمال العسكرية. كان وجود حزب الله في سورية كاملاً ومؤثراً في ترجيح الكفة لمصلحة الحكومة السورية، كما وصف الأميركيون ذلك.

رسّخ رجال المقاومة إنجازات الحرب ضدّ الإرهاب عبر استكمال السيطرة على السلسلة الشرقية، بخاصة في المقلب السوري منها في ما سُمّي بمرتفعات القلمون وحصر «جبهة النصرة» في مساحة لا تتجاوز 50 كلم في جرود عرسال في وادي الخيل، وحصر تنظيم «داعش» في أعالي الجرود وصولاً الى مشاريع قارة ورأس بعلبك في مساحة لا تتجاوز 400 كلم، وعزلهم عن تأثير فعلهم الإرهابي، بخاصة أنّ الاختراق الوحيد العام الماضي تمثل بتفجيري برج البراجنة، علماً انّ الانتحاريين أتيا من الشمال اللبناني. رفع حزب الله من مستوى التعاون مع مختلف الأجهزة الأمنية مما أدّى الى تبادلية في المعلومات ساهمت في كشف عشرات الشبكات الإرهابية.

وفّر حزب الله الحماية لمعادلة الردع ضدّ «الاسرائيلي» ومنعه من تعديل قواعد الاشتباك. لم تؤثر على حزب الله مساهمته في الحرب الدفاعية في سورية، بقي ممسكاً بمفاتيح العمل الأمني والعسكري في مواجهة «إسرائيل». وهنا يسجل لحزب الله كشف الخلايا الإرهابية «الإسرائيلية» ومحاولات تجسّس العدو الإسرائيلي على شبكات المقاومة، والعمليات النوعية التي نفذها في مزارع شبعا رداً على اغتيال 6 من كوادره بينهم ثلاثة من القادة المخضرمين، وجنرال إيراني في القنيطرة في 18 كانون الثاني من العام الماضي واغتيال عميد الأسرى المحرّرين الشهيد سمير القنطار في 19 كانون الأول الماضي، ومساهمته انطلاقاً من لبنان في إطلاق مقاومة الجولان وإجراء شبك ميداني بين هذه المقاومة وبين المقاومة في لبنان. وأدّى ذلك إلى نتائج استراتيجية باتت تقضّ مضاجع «إسرائيل»، والى تثبيت معادلة الردع في مواجهتها، وهي المعادلة التي كان كيان العدو يطمح للإطاحة بها.

ارتفعت وتيرة الاشتباك السياسي والإعلامي بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو أنّ لعبة عضّ الأصابع مستمرّة، فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعاد في ليلة العاشر التأكيد على موقع الولايات المتحدة كأفعى لرأس المشروع التآمري على المنطقة، وأضاء على كونها قوة الدفع في المؤمرات كلها التي تحصل، وفي المقابل لا يوفر الأميركي جهداً للتضييق أكثر فأكثر على الحزب وسلاحه وأمواله وبيئته الخاصة وجماهيره وحتى على الطائفة الشيعية في الداخل وفي بلاد الاغتراب.

تستنسخ الولايات المتحدة الأميركية مع حزب الله الأسلوب نفسه الذي تعاطت به مع إيران من خلفية التصعيد الذي يقابله رغبة من قبلها بالحوار، فهي تعتمد القواعد نفسها، لكن الأكيد أنّ الأمر مع حزب الله أصعب بكثير مما هو مع الجمهورية الإسلامية، فحزب الله يرفض أن يسوّق داخل جمهوره وبيئته فكرة الحوار مع الولايات المتحدة، من منطلق أنه مشروع جهادي ديني لا يتقبّل الحوار مع الولايات المتحدة. ولذلك من المتوقع أن يكون لبنان على عتبة تصعيد كبيرة تجاه رجال أعمال شيعة، برغم أن لا صلة لهم بحزب الله، لكن في إطار استهداف بيئة المقاومة وأحياناً شخصيات مسيحية من باب الضغط على الوضع اللبناني.

أما على الصعيد السياسي، وبرغم الصراع الإيراني – السعودي الذي وصل إلى ذروته بعد إعدام السلطات السعودية للشيخ نمر باقر النمر، وقطع الرياض علاقاتها الديبلوماسية مع طهران وكسر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الجرة نهائياً مع مملكة آل سعود، نجد أنّ حزب الله حريص على الحوار مع تيار المستقبل ويلبّي الدعوات إليه من حرصه على التلاقي، لأنّ مصلحة البلد والاستقرار السياسي يقتضيان ذلك، ومن منطلق أنّ القاعدة في الستاتيكو الأمني والحدّ الأدنى من التواصل يفرضان الحوار برغم الاشتباك الإقليمي. وعليه يؤكد حزب الله ضرورة بقاء آلية الحوار الثنائية وهيئة الحوار الوطني الموسّعة، وإعادة إحياء وتفعيل عمل الحكومة انطلاقاً من قناعة دائمة لدى الحزب بأهمية التهدئة الداخلية والحفاظ على الاستقرار الأمني أو الحدّ الأدنى من الوفاق السياسي، ومراعاة شؤون الناس، ومن هنا تأتي دعوته إلى الحفاظ على الحكومة وعدم إسقاطها، بخاصة أنّ ما يجري داخل مجلس الوزراء ينظر إليه من زاوية الخلاف السياسي مردّه تخطي الحكومة لصلاحيات رئاسة الجمهورية أكثر مما هو أداء تعطيلي.

أما الأهمّ بالنسبة لحزب الله يتمثل بتحالفه المتين مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والحفاظ على جنرال الرابية كمرشح وحيد وأكيد للرئاسة لفريق 8 آذار، وعلى هذا الأساس تعاطى الأمين العام لحزب الله مع ما يسمّى بطرح الرئيس سعد الحريري الرئاسي مؤخراً، فهو أكد مراراً أنّ مواصفات الرئيس القوي والحاضر الذي لا يُباع ويشترى، خصوصاً في هذه الفترة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة تنطبق على عون، فهو مستقلّ، لا يرتبط بأيّ دولة أو سفارة، ويملك شجاعة اتخاذ القرار، والفرصة ما زالت قائمة وستزيد، لانتخابه، ومادام عون مرشحاً فنحن معه. وعليه فإنّ العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ ونظرة حزب الله الى الجنرال عون والشارع المسيحي من خلاله وعبرهما الى المشرقية المسيحية هي نظرة راسخة يشكل العماد عون فيها أولوية مطلقة. فتفاهم مار مخايل أثبت مؤخراً أنه راسخ، إلى درجة أنه بات يتحكم إلى حدّ كبير في صنع السياسة في لبنان.

لقد كان العام الماضي العام الأكثر تعقيداً في ضوء التوتير المذهبي الذي أشاعته المملكة العربية السعودية واستمرار الفراغ على مستوى المؤسسات على الصعيد اللبناني، ويبقى التحدّي الأبرز في العام الحالي كيف أنّ محور روسيا إيران حزب الله سيدفع الى حلّ سياسي للأزمة السورية على المستوى الإقليمي، وكيف يمكن إعادة إحياء المؤسسات الدستورية على المستوى المحلي؟

طالت المراوحة العام المنصرم مختلف الاستحقاقات السياسية جراء تفاقم الأزمات الإقليمية وتداعياتها ولن تكون الأشهر الستة الأولى من هذا العام في هذا الظرف الإقليمي الدقيق، أفضل حالاً من سابقاتها، ليبقى السؤال ماذا عن الأشهر الستة الأخيرة؟ وهل سينجح حزب الله في استثمار إنجازاته الاستراتيجية النوعية في حربه ضدّ الإرهاب في سورية، وتكريس المكاسب السياسية في لبنان بعدما نجحت مقاومته في فرض نفسها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، وحصاده خلال عام 2015 النتائج المتعدّدة الأنواع، أمنية وعسكرية، وتعزيزه معادلات المواجهة مع العدو «الإسرائيلي»؟

لن يكون العام 2016 عام الانفراجات الكبرى على المستوى الإقليمي مما يترك من ذيول على مستوى العلاقات السنية الشيعية وعلى الملفات اللبنانية العالقة، لا سيما الملف الرئاسي الذي يكتنفه الغموض والمراوحة، وقانون الانتخاب بخاصة أنّ السيد نصرالله يؤكد أنّ المدخل الى تطوير الحياة السياسية هو قانون انتخاب على أساس نسبي، لأنّ مَن يرفض النسبية هو ديكتاتوري، لأنه يرفض في منطقته وفي طائفته شريكاً له. لذلك فإنّ التحدّيات التي يواجهها حزب الله كبيرة، ومنها كيف يمكن تسيير عجلة الدولة وفق الحدّ الأدنى لحفظ الأمن والاستقرار، وكيف يمكن التصدّي لمحاولات جرّ المنطقة الى صراعات سنية – شيعية والإبقاء على الطابع السياسي لهذا الصراع؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى