8 تموز 1949 بين الحقد والعدالة!
شفيق أنطون
تنادى حقدهم في سواد الليل، استظلوا عتمته هرباً قبل بزوغ الفجر، استجمعوا قانونهم المفرنس، نفّذوا مضبطة الاتهام التآمرية على النهضة، والحرية، والديمقراطية، على وعي الأمة لذاتها، على هويتها، عناوين جسّدها رجل استنسر شامخاً حين الاحتضار.
تفاخر محتلّو السلطة بأنّ ما حصل مفحرة للبنان والشعب اللبناني…! إنها سخرية القدر أن يكون إعدام سعاده مفخرة لشعب لبنان، وهو الذي قال: «إنّي لبناني صميم أباً عن جدّ، وإنّ استقلال لبنان وقف على الشعب اللبناني…»، إنّ إرادة الشعوب هي الأساس في تقرير حقها في الحياة وطريقة الحكم، وهي أسمى أشكال الديمقراطية.
عند عودة الزعيم من مغتربه القسري عام 1947، أتى الدعاة خلسة خلف صيحات الجماهير المستقبلة، ليستكشفوا مدى ثبات قوة عروشهم، ليصطدموا بقوة فكرية، نابعة من قوة الاستقلال الفكري الذي تعمّد به القوميون، عندها أخذوا يعدّون العدة للقضاء على سعاده، ويربطون أوصالهم بجموع الحاقدين المحليين، والإقليميين، والدوليين، والدخلاء على الأمة الصهاينة.
يتشدّق القابضون على الحكم وقتذاك، أنهم رجال سلطة تحكم بالقانون، وما نصّ عليه الدستور، وأنّهم تقصّدوا حرمان سعاده من حق الدفاع، وتأجيل المحاكمة المزعومة الصورية حكماً، لكي يتسنّى لمحامي الدفاع الاطلاع على القضية، وتبيان أسانيد المرافعة، لكنه جوبه بالرفض.
مع العلم، أنّ حق الدفاع كرّس في الدساتير، والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية، وأنه مبدأ عام، لا يتصوّر تحقيقه إلا من خلال محاكمة عادلة، تكون أسلحة الدفاع متوازية، هذا إذا سلّمنا أننا أمام محاكمة، كاملة الوضعية القانونية وإجراءاتها ، وأنّ تبني لبنان في مقدمة دستوره، الشرعة العالمية لحقوق الانسان، والاتفاقات الدولية، ومنها حق الدفاع، وحق كل انسان بمراجعة القضاء والدفاع عن نفسه أمام المحاكم، وحق مقابلة محامٍ، وتمثيله، ما يلزمه الاقتداء بهذا الحق فعلياً، وهذا ما لم يحصل مع سعاده.
إننا أمام اعتقال تعسفي، محاكمة صورية، اتهام مزيّف، حرمان من حق الدفاع، سرعة إجراءات المحكمة والاستجواب، والاتهام، وصدور الحكم وتنفيذه، لنخلص إلى القول: ساقط كل من يدّعي أنه طبق القانون. باهت كل من قال إنه أمام محاكمة محقة. بائسون دعاة الاستقلال وسيادة القانون.
سعاده، انتصرت على الباطل ببقاء حزبك بعد استشهادك، قلت لجلاديك: «شكراً».
ونحن بدورنا نردّ الشكر لك قائلين: «إن الامة حية بفكرك النهضوي. إنّ ذلّهم في تآمرهم، عدالة لك، وهم ليسوا سوى «لحظات» في التاريخ، إنما أنت، صنعت التاريخ المشّرف وبقيت… أنطون سعاده… شكراً.