تقليصات «أونروا»… دافع جديد للتخلي عن حقّ العودة
يوسف الصّايغ
في وقت بات الفلسطيني يختار قوارب الموت، أملاً بغد أفضل من عذابات الحياة وقهر العيش في مخيّمات لبنان، جاءت تخفيضات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، على الصعيد الاستشفائي، لتزيد حجم معاناة اللاجئ الفلسطيني وتدفعه إلى المخاطرة بحياته وحياة عائلته وركوب البحر، علّه يصل شاطئ الأمان الذي بات مفقوداً في لبنان.
في الآونة الأخيرة، شهدت مختلف المخيمات الفلسطينية سلسلة من الوقفات احتجاجاً على سياسة تقليص الخدمات التي تنتهجها وكالة «أونروا» التي تُوِّجت مؤخراً باعتماد سياسة استشفائية جديدة، ما أثار نقمة المخيمات على الوكالة الدولية باعتبار ذلك عاملاً جديداً يُعمِّق أزمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ورأت مصادر متابعة للملف أنّ «السياسة المتبعة لدى «أونروا» هي مقدمة لإنهاء وجودها والتملص من رعاية اللاجئين الفلسطينيين، لأنها تسعى بين الحين والآخر إلى زيادة أزماتهم وتعميقها تحت ذريعة الأزمة المالية، إضافة إلى إلهاء الفلسطينيين باحتياجاتهم الحياتية اليومية وصرفهم عن القضية الأساس وهي التمسُّك بالوطن».
وبعد أن طالت تخفيضات «أونروا» قطاع التعليم، بالإضافة إلى وقف خدمات بدل الإيواء للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية إلى لبنان، وفي جديد الخطوات التي اتخذتها الوكالة مطلع العام الجديد تعديل خدماتها الاستشفائية لمرضى المستوى الثاني إلى 95 في المئة في المستشفيات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني و85 في المئة في المستشفيات الحكومية و80 في المئة في المستشفيات الخاصة، بدلاً من 100 في المئة كما كان سارياً في العام الماضي. كما اشترطت «أونروا» لجوء المريض أولاً إلى مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني أو المستشفيات الحكومية مع إعطاء الأفضلية للمستشفيات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في حالة العمليات الباردة، إذا كانت الخدمة المطلوبة متوفرة ، وإذا تعذَّر علاجه فيها يمكن عندها تحويله إلى المستشفيات الخاصة، إضافة إلى جانب محدودية العمليات الباردة شهرياً. وفي المقابل، رفعت الوكالة نسبة التغطية الصحية لمرضى المستوى الثالث من 50 في المئة إلى 60 في المئة كما رفعت سقف المداخلة الطبية إلى 5000 دولار أميركي.
«أونروا»: سياسة جديدة لا تقليص خدمات
تعليقاً على ما سبق ذكره، أوضحت مسؤولة الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة في بيروت، زيزيت دركزللي في حديث لـ «البناء»، أنّ المغالطة الكبرى «هي الحديث عن تقليص أونروا لخدماتها، فالوكالة لم تقم بتقليص خدماتها الأساسيه، ومن ضمنها خدمات التعليم والصحة بل هي تقوم بكلّ ما في وسعها لاستمرار تقديم خدماتها، في إطار الميزانية المتوافرة لديها، وفي ظلّ التحديات الماثله أمامها وأبرزها التزايد الكبير في أعداد اللاجئين واحتياجاتهم».
وإذ أشارت إلى «أنّ ميزانة الوكالة تنقسم بين الميزانية العامة التي تغطي الخدمات الأساسية وميزانية الطوارئ»، قالت دركزللي: «بالنسبة إلى الخدمات الصحية التي تقدمها أونروا فهي على ثلاثة مستويات بحيث تشمل 27 عيادة صحية، ومختبرات وأدوية وخدمات استشفاء، ومؤخراً قمنا بتعديلات في توزيع الميزانية المخصّصة للاستشفاء وهذا لا يعتبر تخفيضاً، حيث تمّت زيادة 10 في المئة على صعيد المستوى الثالث مقابل التعديل الذي حصل على صعيد المستوى الثاني إلى 95 في المئة في المستشفيات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، و85 في المئة في المستشفيات الحكومية و80 في المئة في المستشفيات الخاصة». أما بالنسبة إلى العمليات وتحديد عددها، أكدت «أنّ هذه السياسة متبعة حتى من قبل الجهات الرسمية في البلدان فهناك بعض الحالات التي تكون في حاجة إلى عمليات باردة غير طارئة يمكن تأجيل إجرائها، وإذا تحولت إلى حالات طارئة فعندها يمكن التعامل معها بشكل فوري».
وشدّدت على «أنّ الوكالة تعمل على تأمين المبلغ المترتب على أعباء بعض العائلات الغير قادرة على تغطية نفقات الاستشفاء»، مشيرة إلى «أنّ أونروا تعمل على مواءمة سياسة الاستشفاء مع سياسة البلد المضيف، وأنّ ميزانية الوكالة للاستشفاء في لبنان تشكل 50 في المئة من ميزانية استشفاء الوكالة بشكل عام».
وانطلاقاً من إدراك مسؤولة الإعلام في أونروا أنّ مستشفيات الهلال الأحمر قد لا تكون جميعها قادرة على تأمين كافة الخدمات الصحية المطلوبة للمرضى، لا سيما بالنسبة إلى بعض الحالات الحرجة، أشارت دركزللي إلى «أنّ الوكالة تقوم بالتنسيق مع بعض الجهات والمنظمات بتطوير أداء وخدمات المستشفيات التابعة للهلال الأحمر، كما يتمّ التنسيق مع الشركاء لتغطية خدمات صحية معينة وبرنامج care لتأمين العلاج للمرضى الذين يعانون من الأمراض المستعصية».
وأوضحت «أنّ ميزانية الوكالة تعتمد بشكل كامل على الجهات المانحة وهي عبارة عن دول وهيئات ومؤسسات ومنظمات دولية تدعم الميزانية العامة، ميزانية الطوارئ والمشاريع المختلفة، حيث تقدم أونروا مساعدات غذائية نقدية شهرية للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية إلى لبنان بقيمة 27 دولار للفرد الواحد»، لافتة إلى «أنّ أونروا التي تأسَّست منذ 65 عاماً وبشكل موقت باتت تواجه أعباء أكبر، لا سيما لجهة الارتفاع الهائل في عدد اللاجئين، يضاف إلى ذلك ازدياد حالات الفقر المدقع في المناطق التي تعمل فيها الوكالة وهي: الضفة الغربية، غزة، لبنان، الأردن، وسورية ، كما ظهرت تحديات جديدة في العالم كالأحداث التي نشهدها في عدد من الدول العربية مؤخراً، وما سبقها من حرب على غزة، إلى جانب الأزمة الحالية في سورية، ناهيك عن الكوارث وتحديات أخرى كمرض إيبولا، والتي باتت تسترعي اهتمام عدد من الدول المانحة وتنافس أونروا على جيب الممول».
«اللقاء التشاوري»: سياسة التضييق…
في المقابل، رأى عضو «اللقاء التشاوري» للمؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني في صيدا ومخيماتها أبو بسام عبد المقدح في حديث لـ «البناء» أنّ ما تقوم به «أونروا» يندرج في إطار «سياسة التضييق صحياً بعد خطوات مماثلة تربوياً واجتماعياً»، معتبراً أنّ «ما يحصل من تقليص للخدمات والتقديمات الصحية أمر بالغ الخطورة».
ولفت المقدح إلى «أنّ أونروا لم تتعاقد مع المستشفيات التي تقدّم خدمات صحية جيدة للاجئين، في حين أنّ بعض المستشفيات التي تمّ التعاقد معها لا يمكنها تأمين الطبابة بشكل جيد للمرضى ما يعرّض حياتهم للخطر»، مشيراً إلى «أنّ هناك مبلغ 11 مليون دولار مخصّص لقطاع الاستشفاء، بينما هناك مبلغ 7 مليون دولار يتمّ الحديث عن زيادته إلى الميزانية، وبالتالي فإنّ تخفيض ميزانية الاستشفاء للاجئين الفلسطينيين أمر غير مبرّر من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين».
وأكد مقدح «أنّ القوى الفلسطينية كافة عبّرت عن رفضها للخطة الاستشفائية الجديدة التي تتعارض مع مصلحة اللاجئين، في ظلّ وجود مخاطر مؤكّدة تهدّد حياة اللاجئين الفلسطينيين»، لافتاً في الوقت عينه إلى «أنّ غالبية اللاجئين غير قادرين على تغطية كلفة الاستشفاء الذي بات يترتب عليهم دفعه، فبعض العمليات لا تغطيها أونروا، كما أنّ عمليات السرطان لا تتمّ تغطيتها إلا بنسبة 40 في المئة. فمن يتحمل التكاليف»؟
وختم المقدح سائلاً عن كيفية تغطية نفقات العمليات التي تتخطى كلفتها الخمسة آلاف دولار، مشيراً إلى أنّه بعد تقليص الوكالة خدماتها بات اللاجئ يواجه عبء تغطية نفقات الاستشفاء، خصوصاً أنّ بعض الحقن والأدوية غير مشمولة بالتغطية من قبل أونروا. وحذر المقدح من «أنّ سياسة الحصار والحرمان والتضييق على اللاجئين قد تؤدي إلى حصول انفجار».
شاهد: ما يحصل أبعد من كونه أزمة مالية
وفي السياق عينه، أشار مسؤول العلاقات العامة والإعلامية في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» محمد الشولي في حديث لـ»البناء»، إلى أنّه «في إطار ما سبق ذكره من سياسة تقشفية على صعيد ملف الاستشفاء من خلال تقليص حجم الميزانية والخدمات الطبية، تسعى أونروا الى إقفال بعض العيادات الطبية الموجودة في تجمُّعات اللاجئين وتعمل على دمج العيادات مع بعضها البعض». وأبرز النتائج الناجمة عن هذه الخطوة، بحسب الشولي، «تتمثل في صرف عدد من الموظفين العاملين في تلك العيادات التي سيتمّ إقفالها من جهة، وزيادة الضغط على العيادات التي ستبقى مفتوحة من جهة ثانية، وهو ما سيؤدّي إلى زيادة الضغط على العيادات بحيث لن تكون قادرة على استيعاب العدد الكبير من المرضى، وهذا ما أدّى إلى وقوع عدد من المشاكل داخل هذه العيادات في عدد من المخيمات حيث تمّ إقفال عيادات في مخيم الرشيدية تعبيراً عن رفض سياسة الاستشفاء الجديدة التي بدأت أونروا تنتهجها».
وأدرج الشولي إجراءات الوكالة الأممية في الخانة السياسية، معتبراً «أنّ ما يحصل أبعد من كونه أزمة مالية». وقال: «إنّ ملف الاستشفاء لا يكبّد أونروا سوى مبلغ 10 مليون دولار. فهل حقاً لا تستطيع الجهات المانحة دول عربية وأجنبية تأمين هذا المبلغ، وتقف عاجزة أمام ملف استشفاء اللاّجئين الفلسطينيين؟ أم أنها عامل ضغط إضافي للدفع بالفلسطيني كي يركب البحر ويهاجر وبالتالي يتخلى عن حقّ العودة»؟ ويختم الشولي مؤكداً «أنّ ما سبق ذكره على صعيد تقليص الخدمات للاجئين، مضافة إليه عوامل الفقر والبطالة تصبُّ جميعها في خانة دفع اللاجئ الفلسطيني نحو التخلي عن حقّ العودة إلى أرضه المحتلة».
«أونروا» وإجراءات التقشف
تأسّست «أونروا» كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وتمّ تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين من لاجئي فلسطين المسجلين لديها. وتقتضي مهمّة الوكالة الدولية بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين حتى يتمّ التوصل إلى حلّ عادل لمحنتهم.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في كلّ من الأردن ولبنان وسورية أكثر من 3 ملايين لاجئ، وبلغ عدد مخيمات اللجوء في هذه الدول 34 مخيماً، تقدم فيها الوكالة الخدمات التعليمية والصحية إما من خلال مدارس ومراكز صحية تابعة لها أو من خلال الاتفاق مع القطاع الخاص.
واتخذت الوكالة تدابير تقشفية صارمة، حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها في مجالات الصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والصرف الصحي ومشاريع الطوارئ التي يتوفر لدى الوكالة تمويل من أجلها. وفي هذا السياق، أعلنت «أونروا» نهاية شهر حزيران الماضي أنّ 85 في المئة من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفاً والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل سينفصلون عن العمل وفق عملية تتمّ على مراحل، ضمن إجراءات تهدف للتقليل من التكاليف إلى الحدّ الأقصى الممكن.