غاندي بو دياب… عندما تنحت الطبيعة في الإنسان فنّاناً!

لمى نوّام

ولدت موهبته من قلب المعاناة والألم، والأوضاع الأمنية غير المستقرّة وغير المشجّعة على الإبداع. هو ابن أسرة متعددة المواهب، ومن بيئة حاضنة للفنّ والتراث. منذ صغره، كانت تستهويه الطبيعة، خصوصاً الحجارة وجذوع الأشجار وأغصانها اليابسة، التي تشكّلها الطبيعة فنّاً تلقائياً قد يعجز عنه عمالقة الفنّ.

شغفه وفضوله وحبّ الاسكتشاف والتطوّر، كلّ ذلك دفعه إلى إنشاء متحف «كهف الفنون» في منطقة الجاهلية عام 1990، والذي تحول في ما بعد إلى معلم ثقافي سياحي تراثي، يستقطب طلاب المدارس والسيّاح والنقّاد، والباحثين عن جذور التراث العربي العريق. يضم هذا المتحف حديقة بيئية تراثية طبيعية، فيها تماثيل صخرية، وجذوع شكّلتها الطبيعة من الأغصان اليابسة وجذور الأشجار الهرمة. هو الفنان غاندي بو دياب، الذي يعمل بمجهوده الفردي على حماية الجذوع، إضافة إلى بعض النباتات لتلوينها وتجميلها.

عالمٌ واسعٌ من المواهب والفنون، ناشط بيئي ورسّام ونحات وحرفيّ وشاعر. أنتج أفلاماً وثائقية أهمها «كحل الحياة»، «كهف الفنون»، و«رؤى سريالية». أسّس مع زملائه عام 2006 «جمعية كهف الفنون» وأصبح رئيساً لها. هو عضو في نقابة الفنانين المحترفين في لبنان منذ عام 2006، وعضو فخريّ في نقابة الصحافيين العرب ـ الأميركيين في لوس أنجلس. حائز على دبلوم فخري عالٍ في الفنون من الكلّية الدولية للمملكة المتحدة في لندن عام 2005. نظّم معارض فنية فردية واشترك في أخرى جماعية في لبنان والخارج، كما صدر له ديوانان من الشعر بالمحكية، هما «رماد السما» 2008 ، و«لبست حالي وجيت» 2015 .

«البناء» زارت متحف كهف الفنون، والتقت النحات والشاعر غاندي بو دياب، الذي تحدّث عن بداياته، وعن مشاريعه.

يقول بو دياب: نشوئي في هذه البيئة التراثية من أبرز الأسباب التي ساهمت في تنمية روح القرية. والمشاهد التي كنت أراها يومياً في طفولتي، من الفلاح الذي يحرث أرضه، الناس الذين يقطفون الزيتون ويؤمّنون مؤونة الشتاء، كل هذه الصور، جعلت المشهد يثبت في ذاكرتي وأعيد صوغه ونقله إلى اللوحة أو المنحوتة أو القصيدة.

أما متحف كهف الفنون، فهو عبارة عن ثلاثة أقبية من العقد، يعود تاريخ بنائها إلى العهد العثماني. هذه الأقبية ورثتها عن أجدادي، وضممت قبواً آخر من الجيران ومنزلاً فوق الأقبية حوّلته من منزل جديد إلى تراثيّ يعيدنا إلى حوالى 300 سنة. وصلت به إلى مشهدية معينة تشعرنا أن التشقق الموجود في الحائط يوحي بأنّ المنزل ربما يتهاوى فوق رؤوسنا، لكنه في الواقع ثابت ومتين.

يدخل زائر متحف كهف الفنون إلى طبيعة ساحرة، ويشعر كأنه في غابة، منها يمر بنفق يعيده إلى الماضي، ويتمتع بالظلام الموجود بين الشجر، ثمّ يدخل إلى الكهف الذي يضمّ جناحاً خاصاً بالفسيفساء، وجناحاً خاصاً بالرسم الزيتي وحياة القرية اللبنانية بكامل تفاصيلها، عن أهل القرية وطريقة عيشهم وتمسّكهم بأرضهم وجذورهم وتراثهم وتاريخهم وكيفية تأمينهم لقمة عيشهم بعرق جبينهم.

وعن تأسيس «جمعية كهف الفنون» يقول: أُسّست «جمعية كهف الفنون» عام 2006، وهي تضم شعراء، أدباء، رسامين، نحاتين، موسيقيين، قضاة، محامين، ورجال أعمال، من كل لبنان، وهذه الجمعية يترأس مجلس أمنائها المهندس الدكتور شادي مسعد، ولها بصمات إبداعية وثقافية عدّة على المستوى الوطني، كما تنظّم الجمعية كلّ سنة ندوات وأمسيات شعرية في حديقة كهف الفنون، وتستقطب شعراء وأدباء وموسيقيين، بنشاطين سنوياً، وبمواكبة إعلامية وثقافية.

الجدير ذكره، أن الفنان بو دياب افتتح مؤخراً معرض «ذكريات الزمن الآتي» برعاية وزير السياحة ميشال فرعون وحضوره، الذي أشاد بإنجازات الفنان غاندي بو دياب وجمعيته وإنجازه الفردي فكرياً وفنياً وأدبياً وتراثياً، والذي يساعد في تعزيز دور السياحة أيضاً، مؤكداً أن متحف كهف الفنون سيُوضع السنة المقبلة رسمياً على قائمة المتاحف الفنية والتراثية والسياحية في لبنان.

كما وقّع بو دياب ديوانه «لبست حالي وجيت»، وقد تضمّن المعرض الذي أقامه في قصر الأونيسكو، أكثر من مئة وخمسين عملاً فنياً من رسومات زيتية حول التراث الجبلي والقروي اللبناني والخيل العربي الأصيل، ومنحوتات برونزية وشمعية وجذوع وأغصان يابسة مشكلة بسبب العوامل الطبيعية، وأدوات فلاحية تقليدية كان يستخدمها أهالي القرية في حياتهم اليومية. كما ضمّ المعرض مجسّماً فسيفسائياً يعرض للمرة الأولى تحت عنوان «بيروت والسلام العالمي»، استغرق إنجازه أكثر من 15 سنة. والمجسم ثلاثي الأبعاد، سريالي المشهد، متجانس من حيث الشكل والرؤية والخيال، يضم عشرات آلاف القطع الصغيرة والمتوسطة من الحجارة والصوان والرخام والغرانيت والحديد والبرونز والزجاج المكسّر، مرفق بإضاءة خافتة ومؤثرات حيوية كالماء والنار والدخان، ويحكي عن واقع لبنان والصراعات المحلية والإقليمية والدولية، والاعتداءات الصهيونية والإرهابية المتطرّفة… والسلام المنتظر.

وعن ديوانه «لبست حالي وجيت»، أشار بو دياب إلى أنه إصداره الثاني، ويضمّ حوالى 74 قصيدة، مع رسومات زيتية من أعماله، وصور لمنحوتات وموزاييك.

يتضمن ديوانه الأخير قصائد بالمحكية وقصائد تصويرية، سريالية وترميزية ذات بعد خيالي، وتدخل مجموعته بما يسمّى فوضى الحواس، فهو في ديوانه عمل على هدم الواقع وإعادة ترتيبه من جديد وخلق كون جديد.

وعن طموحه يقول بو دياب: طموحي أن أحقق ذاتي، وأن أصل إلى الشهرة المطلوبة، إلى العالمية، وأن أضع بصمة إبداعية إن كان في الموسوعة العالمية للأرقام القياسية، أو على مستوى الإعلام، وأن أتمكن من نقل فكرة «كهف الفنون» وترويج اسمه في لبنان وخارجه، وأنا أعمل حالياً على إنشاء متحف سيكون فريداً من نوعه، إذ إنه سيتنقل جوّاً خارج لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى