هل جاءتكم إرشادات فورد؟

علي قاسم

لم يتردّد السفير السابق في دمشق – غير المرغوب فيه أصلاً – روبرت فورد في التعويل على بند صداقاته، مع ما اصطلح على تسميتهم بالمعارضين، الذين كانوا على مقاس رغبته، وطوع بنانه وإشاراته طوال سنوات خلت، ولا يخفي في الوقت ذاته مدى صلاحيته في توجيه تلك الإرشادات بحكم ما يمتلكه من عوامل وأوراق تكفي لمعرفة أصل أولئك المعارضين وفصلهم.

وبغض النظر عن حدود ومساحة التأثير المنتظر لكلماته على أصدقائه، بعد أن بات خارج حلبة السياسة الأميركية الموجهة والمتحكمة بأولئك المعارضين، فإن مجرد التفكير بطرح تلك «الإرشادات» يبدو كافياً لفهم أي معارضة بنتها واشنطن وبأي طريقة، وعلى أي نهج تريدها أن تسير، وإن بدت كلماته في الكثير من مفرداتها أقرب إلى لغة النعي لكل ما سبق لفورد أن زرعه فيهم من أوهام استطالت إلى حد المرض، وتستنسخ لغة من الإحساس بالخيبة والفشل في تحقيق ما كانوا يراهنون عليه أميركياً.

الأمر يكاد ينسحب على مراهناتهم الإقليمية التي أراد فورد ان يوصل الرسالة ذاتها، بأن بيع الوهم لأولئك المعارضين لم يعد يجدي، بعد أن كسدت البضاعة الأميركية من قبل، ولن تكون بضاعة الوهم الإقليمية أوفر حظاً، حيث الفارق بين البضاعتين يقتصر على توقيت البيع والشراء أكثر مما هو متوافر في الطريقة والأسلوب، وإن كان بحد ذاته لا يشكل اختلافاً كبيراً بين الوهم الإقليمي ونظيره الأميركي، بحكم ما أملته التطورات من انطباعات جازمة بمآل الكثيرين ممن سبقوهم على طريق صداقة الأميركيين الخطرة.

ليس من الصعب أن نتخيل شعور أولئك الذين خصهم روبرت فورد كأصدقاء في نصائحه وإرشاداته لهم عن طريقة التعاطي مع ما يجري، وإن كانت الترجيحات أن أحداً منهم لم تتحرك فيه شعرة واحدة، ناهيك عن أن بعضهم لم يتردد في الشعور بالزهو على صداقة يدعيها فورد لبعضهم، وإن لم يحددهم بالاسم، لكنهم يعرفون أنفسهم بالتأكيد، وهم على استعداد لإضافتها إلى سيرهم الشخصية وانجازاتهم غير المسبوقة في هذا الزمن الرديء الذي باتت فيه العمالة والخيانة تشكل إضافات نوعية.

لكن سيكون من العسير أن يتخيل أحد للحظة أنهم يمكن أن يؤتمنوا على الوطن أو يكونوا جزءاً منه، وقد حولوه إلى تجارة، يبيعون باسمه ويشترون أمام شذاذ الآفاق، من أجل اغتياله ومن أجل أن يكون مجرد ذاكرة على خارطة الزمان والمكان، فهل جاءتهم نصائح فورد وإرشاداته؟

ما يهمنا لا يتعلق بما تفوّه به فورد، وتاريخه شاهد على مدى تورطه في التدخل بالشأن السوري، بل بالسياقات التي تُنتج المعارضات، والذين لا يشعرون بحرج الانتماء إلى ما هو خارج حدود الوطن، ولا إلى التعامل مع المسألة على أنها نتاج فعل سياسي يبرره الفشل أو تسوغه الخيبة أو تقرّه وتشرّعه الهزيمة بأبعادها المختلفة.

يستطيع فورد أن يسطر ما يشاء من نصائح وإن بدت صادمة بالنسبة لأصدقائه، لكن عليهم وعليه ألا ينسوا أن حضوره لم يغير في معادلة السياسة، ولم يضف إلى صفوف المعارضة ثقلاً نوعياً يمكن الركون إليه، بقدر ما كان عبئاً حقيقياً وسيبقى سواء: أغيَّر من قواعد التعامل أم بدّل من قناعاته ومن صنوف ما باعه من أوهام.. حيث الأميركي يبقى هو ذاته ولو تغيرت المقاربات أو تعدلت أو شابها ما يشوب المقاربات الأميركية الأخيرة من تضارب وتناقض في المفردات المستخدمة.

صداقة أميركا لم تكن في يوم من الأيام حالة إيجابية، ولم يكن أصدقاؤها في منأى من خطر تلك الصداقة، حين كانت صداقاتها موضع خطر أكبر بكثير من خطر عداوتها والحال «الانقلابي» الذي يواجه به فورد أصدقاءَه من المعارضين الذين صنعهم أو أظهرهم وسوقهم على مدى ثلاث سنوات ونيف ليس أكثر من عينة إضافية تمهد الطريق أمام انقلابات مقبلة في المقاربة الأميركية، لن تقتصر على فورد وأمثاله ممن ودَّعوا مواقعهم على وقع الخيبة والفشل في تحقيق ما عملوا عليه وعجزوا عن تحقيق مشروعهم الذي أمضوا سنوات وجودهم في التسويق له.

وحين تكون تلك الصداقات في زمن الهوان والتبعية، وفي حقبة باتت فيها الخيانة وجهة نظر، والاستقواء على الوطن بالخارج صداقة، تتحول النصائح والإرشادات إلى فعل إضافي يستدل منه الفارق بين معارضة -اصطلاحاً – ارتضت أن تعتاش على فتات موائد الغرب، وأن تكون مجرد أرقام تزيد من نزلاء فنادق اسطنبول والدوحة والرياض المنتجة لها، وبين معارضة تستطيع أن تكون على مقاس الاسم والموقع والدور، ويمكنها أن تضيف الوطن إلى لائحة انتماءاتها لا أن يكون مجرد جسر عبور إلى الصداقة مع الأميركي!!

تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى