غزّة: هل تتحوّل المواجهة إلى عدوان واسع؟
حميدي العبدالله
منذ عدوان عام 2012 وهو آخر عدوان «إسرائيلي» واسع على قطاع غزة، استمرت التهدئة، لأنّ الطرفين، الفلسطيني والعدو الصهيوني، يريدان هذه التهدئة.
كان الطرف الفلسطيني يسعى منذ جلاء قوات الاحتلال «الإسرائيلي» عن القطاع إلى التهدئة ولا يريد الحرب المفتوحة، وتأكد العدو «الإسرائيلي» من أنّ جميع اعتداءاته باءت بالفشل ولم تحقق النتائج المبتغاة.
وصل الطرفان إلى مرحلة باتت في مصلحتهما التهدئة الدائمة والتعايش، بمعزل عن مبرّرات كلّ جانب، وتتركز على الاستعداد الأفضل لمواجهة حاسمة. لكن يبدو أنّ زمن هذه المواجهة ليس قريباً. هذا على الأقلّ ما بدا لكثير من المراقبين والمحللين.
اليوم، يبدو أنّ مأزق الطرفين اللذين لا يريدان المواجهة ويسعيان إلى تجديد التهدئة، قد يدفع الأمور إلى الخروج على السيطرة.
بالنسبة إلى الفلسطينيين، وتحديداً حركة حماس، من الصعب التزام التهدئة بالكامل وإقناع الفصائل الأخرى بالالتزام بها في ظلّ الغارات «الإسرائيلية» المتواصلة على القطاع، وفي ظلّ ما يتعرّض لـه سكان الضفة الغربية، خصوصاً مدينة القدس على أيدي قوات الاحتلال. إنّ الوقوف موقف المتفرّج يجعل كلّ طرف فلسطيني يعتمد مثل هذه السياسة يدفع ثمناً باهظاً من شعبيته وشرعيته السياسية والشعبية. وفي ظلّ هذا الواقع من الصعب على حماس ضبط الفصائل الأخرى ومنعها من التحرك، فذلك مكلف سياسياً لها.
أما بالنسبة إلى العدو الصهيوني، فهو يواجه بدوره مأزقاً شديداً، فلو سارع مثلما كان يحصل في الماضي إلى شن عدوان واسع على قطاع غزة بذريعة جباية الثمن وقام باغتيال قيادات فلسطينية بارزة، لدفع هذا العمل فصائل المقاومة إلى استهداف المدن والمستعمرات «الإسرائيلية» بالصواريخ، ولوضع ذلك الكيان الصهيوني أمام خيارين لا ثالث لهما، إما شنّ عدوان واسع على غزة على غرار ما حصل في عامي 2008 و2012 ينتهي إلى النتيجة ذاتها، أيّ لا يحقق سوى التهدئة من دون الحصول على ثمن يبرّر ما تعرّضت لـه المدن والبلدات اليهودية في فلسطين المحتلة من وابل الصواريخ، أو يشن عدواناً برياً واسعاً كلفته باهظة جداً وقد يعيد حالة اللا استقرار الحكومي التي كانت سائدة في الكيان الصهيوني على خلفية المغامرات «الإسرائيلية» الفاشلة السابقة في لبنان وقطاع غزة، وهذا يفسّر تردّد حكومة نتنياهو في شنّ عدوان على قطاع غزة.
لكن الكيان الصهيوني غير قادر أيضاً على التعايش مع استمرار تساقط الصواريخ على مستعمراته فحكومة العدو تتعرّض لضغوط المستوطنين والمزايدات السياسية داخل حكومة نتنياهو.
أمام هذا المأزق الذي قد يحفّز الطرفين ويدفعهما إلى خوض مواجهة جدية تتجاوز الخروق الحاصلة حتى الآن للتهدئة، فإنّ احتمال إقدام العدو على مغامرة جديدة وشنّ عدوان عسكري واسع على قطاع غزة هو احتمال قائم،على رغم أنّ حكومة العدو وحركة حماس تتحاشيان الانزلاق إلى مثل هذا الاختبار الذي قد يكون مكلفاً سياسياً لكلا الطرفين، في ضوء النتائج التي يتوقع أن تتمخّض عنها أيّ مغامرة للعدو في ظلّ أوضاع المنطقة شديدة الاضطراب.