أهداف وغايات مُضْمَرَة من أكذوبة «مجاعة مضايا»
معن حمية
خلال الأيام القليلة الماضية عرضت مواقع وفضائيات «السلمية» الناطقة باسم الإرهاب، «فيلمها» الجديد، تحت عنوان «مجاعة مضايا»، مستخدمة عناصر وصوراً ماضوية، لا تمتّ إلى مضايا بصلة.
أكذوبة «مجاعة مضايا» انتشرت كما النار في الهشيم، فتلقفها منتفخو البطون وراحوا ينزّون قيحاً ويتقيّأون «إنسانية»، وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً لبحث أوضاع القرى السورية المحاصرة، لكن النقاش تمحور حصراً حول أكذوبة «مجاعة مضايا»، بينما القرى الأخرى التي تحاصرها المجموعات الإرهابية، منذ سنوات لم يجر التطرّق إليها.
دول ثلاث دعت إلى انعقاد جلسة مجلس الأمن، بينها فرنسا التي تتحمّل المسؤولية عن خذل ما يقارب 200 ألف إنسان في منطقة جبل لبنان، قضوا نحبهم جراء مجاعة حقيقية موصوفة وغير مسبوقة في التاريخ، فرضها الجزار العثماني في سنوات الحرب العالمية الأولى.
اللافت أنّ اجتماع مجلس الأمن الدولي حول أوضاع القرى السورية المحاصرة، مارس ازدواجية معايير بين قرية وأخرى، فتلك التي تحاصرها المجموعات الإرهابية لم تكن حاضرة في المناقشات إلا في سياقات معينة، أما قرية مضايا الخارجة بفعل الإرهاب عن سلطة الشرعية السورية، والتي يعاني أهلها التنكيل والمتاجرة بلقمة عيشهم من جراء تحكم المجموعات الإرهابية بهذه القرية، فقد استحوذت النقاشات، لتفتح شهية الدول المشاركة في الحرب على سورية، على تحديث مواقفها المناهضة للدولة السورية، والتي استهلتها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سمانثا باور، وتبعها آخرون.
السفيرة الأميركية وجرياً على العادة الأميركية، وجّهت الاتهام إلى الدولة السورية زاعمة أنها «تخيّر السكان بين التجويع أو الاستسلام.» مضيفة: «أنظر إلى الصوَر المحزنة للمدنيّين ومنهم الأطفال وحتى الرضّع في مضايا… هذه فقط الصور التي نراها، يتعرّض مئات الآلاف للحصار والتجويع عن عمد الآن وتعيد هذه الصور إلى أذهاننا الحرب العالمية الثانية.»
السفيرة المذكورة، ومَن هم في صفها وحلفها ومحورها، اكتفوا بالنظر إلى الصور المزيّفة والتقارير المفبركة، ولم يقدّموا طرحاً واحداً يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول مزاعم «المجاعة» والفيلم الأكذوبة.
على أية حال، لا يجوز التشكيك في قصر نظر السفيرة باور، فهي تتحدّر من أصول ايرلندية «مضاياوية» قبل أن تصبح سفيرة أميركية، وبحكم منصبها الجديد، لم تعد تمارس التغطية الصحافية الميدانية للحروب اليوغوسلافية، ولا هي أتت إلى مضايا لهذا الغرض، حتى تعرف الحقيقة كلّ الحقيقة. كما أنّ ذهنها مفتوح على مجاعة الحرب العالمية الثانية ومقفل على مجاعة الحرب العالمية الأولى، لاعتبارات تتعلّق بحليفها العثماني!
والحديث عن المجاعات الحقيقية، وليست الوهمية، يقودنا إلى حرب المجاعة والإبادة التي يواجهها أبناء شعبنا في مخيمات النزوح الفلسطيني، حيث إنّ وكالة «أونروا» التابعة للأمم المتحدة قلّصت تقديماتها للفلسطينيين إلى حدّ الانعدام، ما ينذر بكارثة إنسانية حقيقية، ومع ذلك لا يرتفع صوت دولي لمعالجة تداعيات هذه الكارثة، ولا يجتمع مجلس الأمن لمناقشة هذا الموضوع، لأنّ قرار إعدام الفلسطينيين وإبادتهم قرار «إسرائيلي» و«إسرائيل» خط أحمر لا تُعاقَب ولا تُنتقد!
في العودة إلى مضايا، وقصة فيلم جوعها المفبرك والمدبلج، لن نستعين بما قيل عن أسباب وأهداف عرض هذا الفيلم الخرافي، إذ قال البعض إنّ الهدف هو التعمية على قضية إعدام الشيخ نمر النمر، وبعض آخر قال إنه للتعمية على مجازر يرتكبها التحالف العربي في اليمن، وآخرون قالوا إنها تمهّد لإحراق قرى سورية محاصرة من قبل الإرهابيين، وهناك مَن ربط هذا الفيلم بتسعير الخطاب الطائفي والمذهبي، وبعض قال إنه مرتبط بمشهدية الحوار السوري المرتقب…
ما هو ثابت وحقيقي، أن ليس هنالك من جوع في مضايا. فـأهالي القرى والبلدات يعتمدون تذخير المؤن الأساسية التي تقيهم شرّ الجوع، و«كلّ عائلة تذخر من المؤن الأساسية حاجتها وما يفيض»، يقول تسعيني قروي، لكن ما يواجهه أهل مضايا، أنهم يخضعون بالترهيب لمجموعات إرهابية مافياوية، تستخدمهم وسيلة للحصول على أكبر قدر من المساعدات، من أجل ازدهار تجارة الإرهابيين بقوت الناس ومصائرهم.
ولأنّ «أهل مضايا أدرى بشعابها»، كانت شهادة بعضهم بنفي الجوع مدوّية، مضافة إليها شهادة الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في سورية باول كرزيسيان، الذي أكد أنّ المواد الغذائية دخلت مضايا قبل شهرين، وأنّ «الصوَر التي بثت في وسائل الإعلام عن حدوث مجاعة غير مؤكدة». لكن الدول المنخرطة والمشاركة في الحرب على سورية، لا تريد أن ترى أو تسمع الحقيقة الكاملة، لأنها تريد أن تحقق أهدافاً وغايات مضمرة من وراء أكذوبة الجوع في مضايا.
وبمناسبة الحديث عن الحصار والتجويع، فإنّ الدول التي استشاطت غضباً على جوع افتراضي في قرية صغيرة، هي نفسها تمارس منذ خمس سنوات حرباً إرهابية ضدّ سورية، وتمارس حصاراً اقتصاديا ومالياً خانقاً ضدّها، فأيّ إنسانية يزعمها «الإنسانيون الجدد»؟
فيلم مضايا، يستبطن في طياته تأسيساً ممنهجاً لخلق بيئة تسودها الضغائن والفتن، ويندرج في سياق التمهيد لحرب جديدة تستهدف قوى المقاومة في أمتنا، وليس إدراج اسم حزب الله على أنه إرهابي في بيان المجلس الوزاري العربي، سوى ملمح من ملامح ما يتمّ طبخه في الدوائر الغربية والصهيونية.
لا شك في أنّ المواجهة لا تزال على أشدّها، وأنّ هناك سيناريوات عديدة منتظرة، لكن ما هو مؤكد، أنّ الدولة السورية تحقق إنجازات كبيرة في ميدان مواجهة الإرهاب وداعميه، ولعلّ تحرير منطقة سلمى من المجموعات الإرهابية مؤشر على قوة وفاعلية الإنجازات، كما أنّ حظوظ الأعداء في أيّ حرب قد تشنّ على المقاومة، ستكون أسوأ من حظوظهم في حرب تموز 2006.