الغضبة الفلسطينيّة ردّاً على المحتلّ وتقاعس القيادة الفلسطينيّة

رامز مصطفى

المشهد الفلسطيني بكل ما يحيط به من أخطار الاحتلال وجرائمه، والانقسام وتداعياته، كان في حاجة على ما يبدو إلى حدث وطني كبير أو فاجعة مؤلمة، لكي يكتشف الفلسطينيون ما يعتمل في داخلهم من حقن واحتقان وغضب، حتى وقعت حادثة الاغتيال الجبان في أبشع جرائم العصر التي تعرض لها الشاب المقدسي، شهيد الفجر محمد أبو خضير. وانفجرت هذه الجريمة غضبة جماهيرية لا مثيل لها منذ انتفاضة الأقصى عام 2000. الغضبة اليوم في مواجهة كل من الكيان الغاصب وجيشه المحتلّ على جرائمه المتواصلة منذ عام 1917. يوم منح من لا حق له ووطننا فلسطين، لمن لا حق لهم فيها من اليهود الصهاينة، على حساب من يملك الحق كاملاً، أي أصحاب الأرض الشرعيين من الفلسطينيين. المواجهة اليوم هي في الأصل رسالة تؤكد، للقريب قبل البعيد، أن لا تعايش أو تقاسم لدولتين مع الاحتلال وكيانه العنصري المجرم الذي أعمل آلة قتله في جسد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وحقوقنا الوطنية والتاريخية. آلة القتل هذه ما كان لها أن تستمر في إجرامها لولا اتفاق أوسلو عام 1993 الذي بدد المنجزات الوطنية التي حققتها الانتفاضة الأولى لشعبنا الصامد في الضفة والقطاع وأهدرها. يومذاك اعتقد أصحاب أوسلو واهمين أن التنازل الذي قدموه من شأنه أن يحمي البواقي من الأرض والحقوق والثوابت. وإذ بها تفتح شهية المحتل الصهيوني على استكمال مشروعه في القضاء على القضية الفلسطينية من خلال سعيهم إلى وضع اليد على كل شيء في تهويد القدس والاستيطان ومصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار واعتقال أكثر من خمسة ألاف أسير، وعمليات الاغتيال المتواصلة في الضفة والقطاع الذي يحاصره الصهاينة ويعتدون عليه يومياً. وليس آخر ما تقوم به العصابات المسمّاة بـ»تدفيع الثمن» بالتواطؤ مع حكومة نتنياهو من إبداعات الإجرام والإرهاب الصهيوني في حق أهلنا وأرزاقهم ودور عبادتهم.

ومثلما هي مواجهة مع العدو الصهيوني، هي صرخة وغضب في آن واحد في وجه قيادة استمرأت المغامرة السياسية على حساب تطلعات وطموحات شعبنا المستندة إلى حقه التاريخي فوق أرضه فلسطين. قيادة أسقطت عن سابق إصرار وتصميم من يدها جميع أوراق القوة، فهي لا توافق على المقاومة وتذنّبها وتعنّفها على الدوام وتصمها بالإرهاب، ولا تسمح باندلاع الانتفاضة، في حين تقدم الضمانات إلى الإدارة الأميركية وإلى نتنياهو، ملتزمة عدم التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية أو الانضمام إلى المنظمات والهيئات والمعاهدات الدولية ذات التأثير السياسي والقضائي أو القانوني أو الدبلوماسي. وهي فوق ذلك كله تتمسك بالتنسيق الأمني الذي وصفته بالمقدس. ولا أحد منا يعلم ماذا تريد أو كيف نستعيد حقوقنا في ظل مفاوضات عبثية يصرّ فيها العدو على أن يأخذ منا كل شيء مقابل لا شيء ؟ ورئيس السلطة نفسه اعترف في أكثر من مكان ومناسبة بأن «إسرائيل» لا تريد أن تعطينا شيئاً، بل هي جعلت السلطة فاقدة مضامينها فلم تبق سلطة لأنها لا تريد السلطة «. وهو أصلاً، أي نتنياهو أو ائتلافه الحكومي، إذا أراد أن يتصدق على المنظمة أو السلطة في شيء فإنه يتصدق علينا من حقوقنا، فهو أصلاً وأساساً لا يملك شيئاً ليتصدق به علينا!

إن ما يعتبره الشعب الفلسطيني من تخلٍّ وإدارة ظهر وتخاذل أمام الاحتلال وحكومة نتنياهو ومهادنتها في الكثير من المواقف شجعه وشجع مستوطنيه على التمادي والإيغال في دماء الشعب الفلسطيني وحرق أبنائه. وحكومة نتنياهو لا تترك فرصة إلاّ توظفها في مواصلة الاعتداء وارتكاب الجرائم في حق شعبنا من دون أن تقيم وزناً لغضب قيادة السلطة التي وضعت نفسها في دائرة الشجب والتنديد والشكوى والبكاء على أبواب الأمم المتحدة أو الخارجية الأميركية. كيف لا وهذا الكيان يشعر بالأمان والاطمئنان لخطوات السلطة ومن خلفها المنظمة التي لم يعد لها أيّ قيمة أو وزن في تصويب الأخطاء التي ترتقي إلى مستوى الخطايا؟! كيف لا ونتنياهو وجنوده وقادته العسكريون والأمنيون مطمئنون إلى أن احتلالهم هو أرخص احتلال، لأنه غير مكلف على الإطلاق، في ظل أجهزة أمنية تابعة للسلطة حرص الجنرال دايتون على وضعها في قالب من صنع يديه! بلى، لقد أظهرت الأيام القليلة الماضية عقم السلطة وعقم القيادة الفلسطينية. شعبنا الفلسطيني من ناحية، وقيادته المفترض أنها الأمينة عليه في حاضره ومستقبله من ناحية أخرى كلّ منهما في واد. وأسمح لنفسي بالقول أنه منذ زمن بعيد فقدت الثقة بين القيادة وشارعها، وإن تكن قضية شهيد الفجر المقدسي محمد أبو خضير ظهرتها على نحو جلي. المفترض أن القيادة الفلسطينية، ومن خلال عيونها وأجهزتها الأمنية، بل من خلال ما تنشره وتسرّبه وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، عن حجم الاحتقان والغضب الشعبي منها ومن ممارساتها وتخليها عن مسؤولياتها حيال شعبها وحاجاته ومتطلباته ليس في السياسة فحسب بل في مسائله الحياتية والاقتصادية وظروفه المعيشية، وإن تكن المطالب السياسية والوطنية تتقدم على ما سواها.

حتى هنا لا أتهم، بل أسلط الضوء على سلوكيات السلطة وممارساتها، وهي تتحمل بالتأكيد القسط الأساس والأهم في ما تعانيه الساحة الفلسطينية، معكوساً على نحو مباشر على القضية الوطنية وعناوينها. غير أن ذلك لا يعفي الآخرين في القيادة الفلسطينية من جميع الفصائل من تحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية تصحيحاً للمسار لا الانقلاب عليه، إذ تكفي قضيتنا وشعبنا انقسامات. إن على القيادة الفلسطينية وفي اللحظة التاريخية التقاط الفرصة واغتنامها لكي تعود إلى شعبها وناسها وشارعها وتواجه موحدة ما تتعرض له قضيتنا من تحديات متعاظمة، في ظل ما تشهده المنطقة من حوادث كبرى ومتنقلة أصبحت فيها القضية المركزية أقل من فرعية. وجريمة حرق الشهيد أبو خضير حياُ، والعدوان الصهيوني المفتوح على الضفة والقطاع، يقابلها صمت مطبق في الواقع العربي والإسلامي، إلاّ ما رحم ربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى