«داعش» في ليبيا مطلب غربي…
مصطفى حكمت العراقي
تتزايد معاناة الشعب الليبي يوماً بعد آخر، فمصدر قوّته الوحيد هو النفط الذي يحترق شيئاً فشيئاً، حيث التهمت النيران سبعة خزانات في ميناءي السدرة ورأس لانوف منذ أيام ولا قدرة لحراس المنشآت على إطفائها… هجوم تنظيم «داعش» على الآبار جاء بعد سيطرته على مدينة بن جواد التي تبعد 50 كم، ما جعله يطاول أهمّ آبار الهلال النفطي شمال البلاد بعشرات القذائف والصواريخ. كما هزّ هجوم انتحاري كبير معسكراً لتدريب خفر السواحل الليبية في مدينة زليتن بالقرب من سوق شعبية، ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 70 شخصاً، وإصابة المئات.
القوات الليبية منقسمة بين صدّ هجمات «داعش» الطامح للسيطرة على منطقة الهلال النفطي كمورد مستقبلي له… وبين إنقاذ ما تبقى من مصادر الدخل الليبية. بينما ينشغل أصحاب الشأن الليبي من ساسة وعسكريين في البحث عن توافق بعد توافق صخيرات، حيث يلوّح نواب برقة بالانسحاب من مجلس حكومة السراج نظراً إلى تمسك ممثلي المؤتمر الوطني العام بالمادّة الثامنة من ملحق الاتفاق، والتي تنص على نقل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية العليا كافة الى مجلس رئاسة الوزراء فور توقيع الاتفاق، ما يعني عدم الاعتراف بقائد الجيش خليفة حفتر… كذلك يتخوّف ليبيون من خطة دولية لإقصاء غالبية ضباط الجيش الليبي من المشهد وفرض الحماية الغربية بحجة مساعدة الحكومة الجديدة على التخلص من «داعش».
الساحة الليبية التي تحوّلت الى قبلة لمجيء الإرهابيين من شتى أصقاع الأرض، خصوصاً بعد الدعوة الأخيرة لزعيم عصابات «داعش» ابو بكر البغدادي بترك العراق وسورية بعد الهزائم المتعددة التي مُني بها التنظيم الإرهابي والتوجه نحو الدول الأوروبية التي تعتبر ليبيا بوابتها الرئيسية من المتوسط… حيث رصدت تقارير أمنية ثلاث طرق رئيسية يستغلّها المتطرفون للتسلل إلى ليبيا، بغية الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية هناك وعلى رأسها تنظيم «داعش» الذي أعلن نفسه بتبني العديد من الهجمات الإرهابية النوعية، أول هذه الطرق هي الحدود بين مصر وليبيا.
أما ثانيها فهي الحدود بين تونس وليبيا حيث تستغلّ في تسلل العديد من العناصر الإرهابية وقادة الكتائب الموالية، إما لأنصار الشريعة أو مؤخراً لـ«داعش».
آخر هذه الطرق هي الحدود النيجرية الليبية حيث يعبر الملاحقون قضائياً وكبار شخصيات الجماعات الإرهابية الصحراء الفاصلة بين النيجر وليبيا، للانضمام إلى جبهات القتال في سرت ودرنة وغيرها من المدن.
يُلقي هذا الوضع المنفلت من رقابة الدولة بتداعياته الاجتماعية والسياسية والعسكرية على دول الجوار التي سينال كلّ منها نصيبه من زعزعة الاستقرار الداخلي، حيث يمكن اعتبار مصر أكثر دول الجوار تأثراً بسيطرة التنظيم على مدن ليبية، إذ تسعى السلطات المصرية إلى التأكد من صحة تقارير تتحدّث عن اختطاف 21 مصرياً في ليبيا، وفقاً لوزارة الخارجية في مصر.
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد إنّ الوزارة لا تزال تتحقق للتأكد من مدى صحة ما نشرته وسائل إعلام بشأن ذلك.
وكانت تقارير صحافية محلية قد تحدّثت عن اختطاف 21 شاباً من محافظة المنيا، بصعيد مصر، على أيدي مسلحين مجهولين في ليبيا.
كما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأمم المتحدة إلى استصدار قرار يسمح بتدخل قوات دولية في ليبيا التي تعاني من حالة فوضى أمنية وسياسية منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي… يبدو أنّ الوضع الليبي يتجه نحو مزيد من الخراب والدمار لأنّ كلّ هذه الأحداث الدموية التي تحصل في حين أن ليبيا واقعة تحت الفصل السابع، أيّ أنها تحت الرعاية الأممية، كما أنّ البوارج الحربية الأميركية تجوب المتوسط قبالة السواحل الليبية، وكذلك استخبارات بعض الدول الغربية والإقليمية وحتى الخليجية تعبث بالوضع الليبي كيف ما تشاء، وجميع هولاء لهم نفوذ في ليبيا ورغم كلّ ذلك فإنّ «داعش» يتمدّد ويكبر في الداخل الليبي وهو ما يؤكد دعم الغرب وحلفائه للتنظيم الإرهابي.
التدخل السياسي في الشأن الليبي حاصل بالفعل، ولكن من دون أيّ نتائج ملموسة تسهم في تحسين الحال والقضاء على الإرهاب. الحلّ هو عسكري بدرجة كبيرة ويكمن في زيادة الدعم للجيش الليبي بقيادة حفتر للقضاء على الإرهاب بعد الاتفاق على تسمية المجاميع المسلحة وعدم الإبقاء عليها كذريعة للضغط على مصر وتونس وحتى الجزائر للحصول على مواقف سياسية مقابل ذلك… إنّ تنامي وجود داعش في ليبيا والذي سيؤدّي الى انتشارها بشكل أكبر في المغرب العربي هو نتيجة حتمية لانحساره في العراق وسورية.
كما أنّ الكلام عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بلا جدوى، فإنّ المعنى الحقيقي لذلك هو تشكيل حكومة وحدة مصالح خارجية بين قطر وتركيا والسعودية والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تتخذ من الأطراف الليبية المتنازعة على المناصب عملاء لها.
الغرب جعل الأمور تصل الى هذا الحدّ بالرغم من أنّ ليبيا تهدّد أمنه القومي والاستراتيجي بشكل مباشر، لأنهم أرادوا للشعب الليبي الاختيار بين أن يكون في معسكرهم المعادي للشعوب العربية أو القبول بتحمّل تبعات انتشار الإرهاب مع ضعف القدرة في القضاء عليه لأنّ الفوضى تعني استمرار تدفق الثروة النفطية الى أوروبا بأبخس الأثمان… الحلّ في ليبيا لن يتمّ عبر الغرب الذي ساهم في الوصول إلى كلّ ما يحدث الآن…
«داعش» في ليبيا الآن مطلب غربي لاستمرار «الفوضى الخلاقة» التي بدأت في سورية والعراق واقتربت من الانتهاء.