هل آيات القرآن تشجّع على القتل والإرهاب كما يدّعي الصهاينة… أم مثيلاتها من «آيات» التوراة؟ 1/2
وجدي المصري
ما زال سائداً في الاعتقاد الشعبي، وحتى في الاعتقاد الديني والفهم الأكاديمي كذلك، بـ«سماوية» اليهودية، بحيث تضاف إليها محاسن الدين التوحيدي السماوي الذي ارتفع بالبشرية إيماناً ووجداناً من الاحتراب لأجل الإله إلى التوحّد به، مهما تباينت مسالك بلوغ هذا التوحُّد.
هنا، يناقش الباحث وجدي المصري ببحث من جزءين خطل الربط بين اليهودية والإسلام، وينقض اتهام الإسلام بالإرهاب غرضاَ واستهدافاً، بينما لا يُوجَّه هذا الاتهام عينه حيث يجب توجيهُه إلى اليهودية التي هي مصدر الإرهاب كله عبر التاريخ، ناسبة القتل الأول، كما في جريمة قابيل ضد أخيه هابيل، إلى أمر رباني!
هنا نص الحلقة الأولى وغداً تُنشر الثانية…
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، والتي أدّت إلى تدمير برجَيْ التجارة في نيويورك، مع ما استتبع ذلك من اتّهام فوري لتنظيم «القاعدة» بهذا العمل الإرهابي، فكان أن أدّى ذلك إلى نتيجتين: الأولى، بدء تنظيم حملةٍ إعلامية قامت بإعدادها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن ضدّ الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين بحجّة دعمه لـ«القاعدة»، وبالتالي الكشف عن امتلاكه أسلحة دمارٍ شامل. والثانية، البدء بحملة مركّزة لتغذية البغض والحقد والخوف من الإسلام بشكلٍ عام، في ما أصبح يُعرف بعد ذلك بـ«الإسلاموفوبيا»، والعرب بشكلٍ خاص. والنتيجة الأولى أدّت إلى ما بات معلوماً، وهو اجتياح العراق على الرغم من تقارير رُفعت إلى الرئيس الأميركي تؤكّد عدم وجود أسلحة دمارٍ شامل، لكنّه لم يأخذها بالحسبان، فالقرار كان قد اتّخذ استناداً إلى أسبابٍ أخرى أما زعم أسلحة الدمار الشامل فكان لذرّ الرماد في العيون. تقول هيلاري كلينتون في مذكّراتها خيارات صعبة في الصفحة 142 ما يلي: «يعود انعدام ثقتي بإدارة بوش إلى خريف العام 2002، حين تبجّحتْ بتقارير الاستخبارات الحاسمة عن أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدّام حسين… صوّتُ بالموافقة على العمل العسكري في العراق إذا فشلتْ الجهود الدبلوماسية، ويعني هذا عمليات التفتيش عن الأسلحة… ولقد ندمتُ كثيراً لأنني منحتُ الرئيس بوش فائدة التشكيك في ذلك التصويت. إذ تأكّد لاحقاً أنّ القرار أعطاه السلطة، وحيداً من دون غيره، ليقرّر متى ينفد مدة التفتيش عن الأسلحة. وآن أوان ذلك في 20 آذار 2003، فأعلن الحرب، فيما توسّل إليه مفتّشو الأسلحة الدوليّون إمهالهم بضعة أسابيع لإنهاء مهمّتهم». ثم تعود في الصفحة 195 لتوكّد مجدداً فشل الاستخبارات الأميركية بتزويد الإدارة الأميركية بمعلوماتٍ صحيحة مما أدّى إلى اجتياح العراق. وأنا أرى أنّ المعلومات كانت صحيحة كما ذكر البعض، وهي أفادت بأنّ العراق لا يملك أسلحة دمارٍ شامل، لكنّ مخطط ضرب العراق كان قد اتُّخِذ بغضّ النظر عمّا كان يملكه في ذلك الوقت.
أما النتيجة الثانية فهي إلقاء الرعب في نفوس الأميركيين من الإسلام والعرب وهو لمّا ينتهِ فصولاً بعد، بل أصبحت كرة الثلج تتّسع دائرتها ما دفع بأحد القساوسة المتصهينين إلى إحراق القرآن وصولاً إلى تصريح المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب المطالِب بوقف السماح للمسلمين بدخول الولايات المتحدة، وذلك بعد العمل الإرهابي الذي تمّ مؤخّراً في كاليفورنيا. ولقد انتقلت هذه العدوى إلى أوروبا، خاصة بعد تدفّق اللاجئين إليها وقيام بعض المتطرّفين بتنفيذ العمل الإرهابي الدموي في باريس، حيث أدّت إلى تنامي شعور البغض والحقد ضدّ المسلمين. بالطبع ليست أصابع الصهيونية ببعيدة عن هذا كلّه. فأحداث الحادي عشر من ايلول باتت واضحة القصد والغاية. وإذا كان صحيحاً أنّ مَن قام بالتنفيذ هم أفراد من «القاعدة»، فكثرٌ من المحللين كتبوا عن أيدٍ خفيّة للموساد «الإسرائيلي» والاستخبارات الأميركية قامت بالتخطيط بغية الحصول على سببٍ مباشر لمهاجمة أفغانستان وبعدها العراق، بحيث يضمن «الإسرائيليون» تدمير قدرات العراق العسكرية وسرقة كنوزه الحضارية التي تكشف زيف ادّعاءاتهم التوراتية، ويضمن الأميركيون السيطرة على الثروة النفطية العراقية وموطَأ قدم استراتيجي مع الحدود الإيرانية.
أما على الصعيد الدّيني، فكان همّ «إسرائيل» صرف نظر المجتمع الدّولي من جهة عن إرهابها كلّه في فلسطين المحتلّة طمعاً بموافقته على إعلانها «دولةٍ يهودية»، وتسليط الضوء على الإرهاب المنسوب زوراً إلى الإسلام من جهةٍ ثانية، فتكون بذلك قد أصابت عصفورَين بحجرٍ واحد. ومَن يتابع الأحداث لا بدّ أن يدرك بأنّ المخطط «الإسرائيلي» المدعوم من الغرب سائر بخطىً حثيثة نحو التطبيق خاصةً بعد تركيز جهودها على جرّ المنطقة إلى دعم مخططها من خلال إقناع هذه الدول بأنها لا تشكّل خطراً عليها، إنما الخطر كلّه يتمثّل بإيران «الشيعية»، مستغلّة بذلك الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ولم تكتفِ فقط بتحييد معظم الدول العربية عن الصراع ضدّها في المنطقة.
الإعلام الصهيوني يقود الغرب
هذه الدول العربية الإسلامية الغافلة عن الإعلام الصهيوني المسيطر كلياً في الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، والذي يحاول جاهداً إقناع العالم بأنّ القرآن هو مصدر الإرهاب. لقد حقق الإعلام الصهيوني نجاحاً باهراً لهذه الجهة حتى بتنا نسمع في أوساطنا بعض الأصوات التي تؤيّد هذا التوجّه من دون أن تكلّف نفسها عناء قراءة القرآن بتأنٍّ لفهم آياته وما قصدته.
وبنجاح هذا الإعلام في مسعاه هذا حقق نتيجتَين:
1 – الأولى تمثلت بإلحاق تهمة الإرهاب زوراً بالتعاليم الإسلامية، والثانية صرف النظر عن التعاليم الدينية الإرهابية بامتياز أيّ الشريعة الموسوية. وسنحاول في هذه الدراسة الإضاءة على هذا الموضوع الحسّاس انطلاقاً من النصوص القرآنية والتوراتية على السواء.
إنّ الآية الأولى التي حملت دعوة القتال هي الآية رقم 189 من سورة البقرة، وهي السورة الثانية بعد الفاتحة. ولا يجوز مطلقاً التغاضي عن أسباب ورود هذه الآية من الناحيتَين التاريخية والاجتماعية! فالجزيرة العربية عند انطلاق الدعوة على يدّ النبي الكريم، كانت تحت تأثير اتّجاهاتٍ ثلاثة:
الأول وجود بعض القبائل العربية التي اتّخذت من اليهودية ديناً.
والثاني وجود قبائل أخرى اتّخذت من المسيحية ديناً.
والثالث وهو الوجود الطاغي أيّ الجموع التي كانت تؤمن بالأوثان، وجاء القرآن ليطلق عليها اسم «المُشركين»، أيّ الذين كانوا يعبدون أكثر من إله، وكانوا يرمزون إلى هذه الآلهة بالأصنام. في هذه البيئة نشأ محمد واطّلع على كلتَا الديانتَين، وعاش الأحوال الاجتماعية السائدة آنذاك، والتي كانت تقوم على الغزو لتأمين الاستمرار والاستقرار انطلاقاً من المفهوم القبلي، فلم يكن في الجزيرة دولة لها مؤسساتها وجيشها لحماية المواطن من الظلم والتعدّي.
ومع بداية الدعوة التي أطلقها محمد، كانت المواجهة الأولى والأشدّ مع قبيلته قريش، وعمل اليهود على تغذية الفتنة بين محمد وأهله، لأنهم لم يتقبّلوا بروز نبيٍّ جديد يدعو إلى التوحيد الحقيقي من خلال دعوته لعبادة إلهٍ واحد، لأنّ اليهود يؤمنون بإلهٍ خاص بهم وبآلهة أخرى لبقية الشعوب.
جاء في الإصحاح الخامس من سفر الخروج ما يلي: «ثمّ كلّم الله موسى وقال له أنا الربّ. وأنا ظهرتُ لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأنّي الإله القادر على كلّ شيء. وأما بإسمي يهوه فلم أعرف عندهم… لذلك قل لبني إسرائيل أنا الربّ… واتّخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً». وبالرغم من سوء المعاملة التي لقيها محمد وأتباعه مع بداية انطلاق الدعوة لم يدعُ مرّة إلى الانتقام، أو التعامل مع الآخرين حسب الشريعة الموسوية أيّ العين بالعين والسنّ بالسنّ، بل صبر وطالب المؤمنين بأن يتحمّلوا أذى المُشركين لأنّ الله سيجازيهم خيراً.
جاء في كتاب تاريخ العرب للدكتور محمد اسعد طلس في الصفحة 9 من المجلّد الأول ما يلي: «ثم إنّ قريشاً ضاقت ذرعاً بمحمد وأصحابه فأخذت تؤذيه بالقول وتسلّط عليه سفهاءها يغمزونه ببذيء القول ويسخرون منه وهو صامد في دعوته، مؤمنٌ برسالته، يستغفر لقبيلته، ويقول: «اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون» وهذا يذكّرنا بقول يسوع . ثم إنّ قريشاً أخذت تقسو في مجابهتها للنبيّ وجماعته فأخذوا يعذّبون فقراء المسلمين ويضربون مستضعفيهم ويجوّعونهم ويعطّشونهم… وقد لقي النبي نفسه من سفهاء مكّة مزعجات كثيرة منها أنّ سفهاءهم حثّوا التراب على رأسه، ومنها أنّهم كانوا ينضدون الفرث والأوراث والدماء على ثيابه، ومنها بصق أمية بن خلف في وجهه، ومنها وطء عقبة بن أبي معيط على رقبته وهو ساجد في الكعبة حتى كادت عيناه تبرزان، ومنها أخذ بعض سفهائهم برقبته وخنقه خنقاً شديداً حتى أنقذه أبو بكر». وبالرغم من هذه المعاملة السيّئة كلّها لم تذكر الأخبار أنّ محمداً قد وقف في وجه أحد من هؤلاء السفهاء، ولم يكن ذلك عن جبن وعدم اقتدار بل عن رأفة ورحمة أظهرها تجاه هؤلاء المُشركين مفسحاً لهم المجال بأن يتمعّنوا بما يسمعون علّهم يهتدون. وتوصّل به الأمر أن طلب من المؤمنين الذين أُهينوا وذُلّوا أن يتركوا وطنهم ويهاجروا إلى حينٍ، وكان أن فعل ذلك كثيرون وعملوا بنصيحته وذهبوا إلى الحبشة. ولكن عندما استفحل الأمر وبدأ اليهود مؤامراتهم الهادفة إلى قتل النبي، وبدأت قريش تواجه النبي وأتباعه بالسلاح، لم يعُد أمامه من مجالٍ إلا المواجهة ليس دفاعاً عن نفسه وأصحابه، وإنّما دفاعاً عن الرسالة التي حملها إلى الناس يدعوهم فيها إلى ترك الأوثان والآلهة وعبادة إلهٍ أحد صمد. عندها نزلت سورة البقرة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المُعتدين. واقتلوهم حيث ثقفْتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين… وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين… فمَن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتّقين». وعلى هذه الآيات نسجّل الملاحظات التالية:
أولاً: الدعوة للقتال لم تكن حبّاً بالقتال، «كُتِب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم». آية 215 سورة البقرة، ولا طمعاً بمغنمٍ، وإنما لردع المشركين وحثّهم على الإيمان بالله الواحد، فالقتال في سبيل الله «ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءً عند ربّهم يُرزقون»، 168 آل عمران. كذلك جاء في سورة النساء: «الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً».
ثانياً: القتال يجب أن يكون لمَن يبادرهم بالقتال.
ثالثاً: الدعوة لعدم الاعتداء على الآخرين لأنّ الله لا يحبّ المُعتدين.
رابعاً: التشديد بأنّ الفتنة أشدّ من القتل، واليهود وإن كانوا أرادوا قتل محمد، فهُم جيّشوا عليه قبيلته أي أرادوا الفتنة بينه وبين أهله، والتاريخ يُعيد ذاته إذ أنهم اليوم يُذكون نار الفتنة بين أبناء الدّين الواحد.
خامساً: إنهاء القتال إن توقّف البادؤون به، وهذا يعني أنّ القتال بالنسبة لمحمّد لم يكن يوماً هدفاً بذاته، بل كان قراراً ضرورياً لصدّ الاعتداء.
سادساً: مواجهة الاعتداء بمثله أي إذا انتصر المسلمون فعليهم أن يلتزموا المعايير الأخلاقية والدينية التي تمنعهم مثلاً عن التنكيل بالأسرى أو قتلهم.
لقد جاء في الآية رقم 19 من سورة آل عمران: «فإن حاجّوك فقل أسلمتُ وجهي لله ومَن اتّبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأمّيين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد»، بل طالبهم بقتال وقتل مَن يبادرهم القتال ويبغي قتلهم، وهذا موقف كلّ إنسان إن تعرّض لمحاولة التعدّي بغية القتل، كما يصحّ على الجماعات والشعوب والأمم التي تتعرّض لمحاولة التعدّي بغية القتل، فإنّ أبسط الإيمان يفرض عليها التصدّي للمعتدي.
يعدّد عباس محمود العقاد في كتابه «عبقرية محمد» عددٌ من الحقائق يردّ فيها على مَن يدّعون أنّ الإسلام يحرّض على القتل وما كان لينتشر لو لم يستعمل المؤمنون سيوفهم لفرض الدين الجديد. فيشير بدايةً إلى ما أشرنا إليه من أنّ محمداً لم يواجه المُشركين في بداية الدعوة بالقوّة بل بالحسنى وطلب من أتباعه، بالرغم مما عانوه على يد المُشركين، الصبر والتأنّي والتغاضي درءاً للفتنة. فلو كان الإسلام دين عنفٍ لكان محمد وابتاعه استعملوه منذ البداية، بينما تشير كل الحقائق إلى أنّ محمداً استنفد كلّ الوسائل لوقف الاعتداءات عليه وعلى أتباعه ولم يلجأ إلى القوة إلا عندما تجاوز المشركون حدّ الإهانات الكلامية والجسدية إلى تقصّد القتل. أما الحقيقة الثانية فهي أنّ محمداً جاء نبيّاً ليُهدي الناس إلى عبادة إلهٍ واحد ثم اضطر أن يكون رجل دولةٍ في غياب المؤسسات التي كانت معروفة في البلدان المتحضّرة المجاورة لسورية وإيران، وبالتالي واجه قريشاً قبيلته صاحبة السيادة الموروثة التي رفضت التعاليم الجديدة التي تتعارض مع تقاليدها، فكان لا بدّ من سلطةٍ تواجه سلطتها. هاتان الحقيقتان لا تنطبقان على الأوضاع التي كانت سائدة حين دُوِّنت التوراة ولا في فلسطين تحت الحكم الروماني عندما بشّر يسوع برسالته الجديدة.
السبي إلى بابل لتمدين اليهود
بعد أن سبى نبوخذنصّر اليهود إلى بابل حاضرة ذلك الزمان سنحت الفرصة لليهود نتيجة المعاملة الحسنة أن يطّلعوا على حضارة بابل وما سبقها من حضارتَي الكلدانيين والسومريين، وفُتحَت أمامهم المكتبات التي كانت تضمّ آلاف الرُّقَم التي كانت تحتوي على النفائس العلمية والأدبية والقانونية. فاطّلع عزرا الكاتب على أساطير الأوّلين ومنها أسطورة الخلق الإينوماإليش عندما كان في الأعالي وجلجامش، وقرأ فيهما أسطورتَي الخلق والطوفان، فسرقهما وصاغهما بأسلوبه الغث فحوّر وزوّر وادّعى أنّ ما كُتِب هو كلام الله الذي تحدّث به إلى ابراهيم واسحق ويعقوب وموسى، واستمرّت بعده الزيادة على ما كُتِبَ من قِبَل كتبة آخرين حيث أدلى كثيرون بدلوهم ودوّنوا قصصاً فولوكلورية لا علاقة لها بالتاريخ. هذه التوراة حُفظت لكونها اعتُبرت كتاباً إلهياً بينما نزلت الكوارث بمكتبات بابل ونينوى وطُمِر التراث الإنساني المبدع كلّه تحت الأنقاض، ولم يتم الكشف إلا على النزر القليل منه حتى الآن. وكان على البشرية أن تنتظر القرن التاسع عشر كي يبدأ بعض الآثاريين بالتنقيب عن هذه المدن البائدة فكان أن تمّ اكتشاف مكتبة آشور بانيبال التي ضمّت عشرات آلاف الرُّقَم. وعندما بدأ علماء اللغات القديمة فكّ رموزها ترجموا هذه الأساطير التي سبقت التوراة بما لا يقلّ عن ألفَي سنة، فوجدوا أنّ ما كُتِب في التوراة، وفي سفر التكوين تحديداً، عن الخلق والطوفان ما هو إلا نقل فاضح عن أساطير الأوّلين. وبالرغم من ذلك، يأبى اليهود الاعتراف بذلك، ويُصرّون على أنّ كتابهم هو أعظم ما قدّموا للإنسانية. فلنقم بجولةٍ على بعض ما جاء فيه لكي نبرهن أنه يخلو من أيّة موعظة إنسانية أو أي درس أخلاقي يصلح أن ندرّسه لأولادنا. ومما يؤسَف له أنّ اليهود استطاعوا بدهائهم إقناع الكنيسة أنّ العهد الجديد هو تتمّة للعهد القديم، وعليه تمّ دمج العهدَين في كتابٍ واحد أطلقوا عليه «الكتاب المقدّس»، وهي تسمية تصحّ على العهد الجديد شريعة يسوع السوري، ولا تصحّ أبداً على العهد القديم الذي جاء ليجسّد النفسية اليهودية العنصرية المنغلقة، فهو لم يكن أبداً كتاباً يدعو لتوحيد عبادة الله الأحد، بل هو كتاب خاص بالقبائل الإسرائيلية البربرية، كتبه عدد من الكتبَة، وكان لعزرا سبق البدء بكتابته واختراع إله حرب لجماعته مقرراً أنّ هذا الإله هو لهم وحدهم وهو بدوره اختارهم شعبه الخاص كما مرّ معنا. وسنتطرّق بدراسة لاحقة إلى الفارق الكبير بين الشريعة الموسوية وبين شريعة عيسى التي نقض فيها كل الموروثات التي تناقلها اليهود ودعا إلى تجاوز ناموسهم.