هجمة مضايا… ترقَّبوا المزيد!
علي مراد
إنها «حملة الجوع» في مضايا تتوالى فصولاً، رغم الحملة المضادة التي أطلقها الإعلام المقاوم لكشف أدوات التزييف التي رمت بشباك صورها القديمة أو المستعارة من مواقع إنترنت عالمية، لإضفاء الواقعية عليها واستدرار عاطفة الإنسان أينما كان.
من تابع وبدقة أبواق البروباغندا المسمومة في إعلام النفط الخليجي السعودي – القطري – الإماراتي وكيف سار الإعلام العالمي بركبه بعد أيام على إطلاق حملته، يستنتج أن هناك قطبة مخفية تكمن في استمرارية الحملة حتى بعد انكشافها والإجراءات التي اتخذتها الدولة السورية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية كالصليب الأحمر الدولي لإدخال المساعدات الى مضايا بالتزامن مع إدخالها الى بلدتي كفريا والفوعة.
أتت جريمة إعدام الشيخ نمر النمر يوم السبت 2 كانون الثاني لتغطي على مفاعيل قنبلة الإعلان عن عجز الموازنة العامة السعودية التي أُعلنت قبل أيام معدودة من انتهاء عام 2015. لم يتسنَّ للمواطن السعودي كما العربي أن ينشغل كثيراً في متابعة ارتدادات الزلزال الذي أعلن عنه السعوديون، أو الأصح أن نقول بأن السعودي درس ـ من ضمن عوامل عدة ـ النتائج المترتبة على إعدام النمر، مضافة إلى ارتفاع منسوب التوتر المذهبي في المنطقة للاستفادة من عملية التحشيد باسم الدين وزيادة حجم الاستقطاب بوجه إيران ومن تمثل في العالم الإسلامي. في بداية شهر كانون الأول الفائت زار الكاتب الأميركي الصهيوني توماس فريدمان الرياض واجتمع مع أمراء عائلة آل سعود وبعض وزراء حكومتهم، وعُقدت له الندوات وعاد بعد بضعة أيام الى واشنطن ليشارك في ندوة كانت تتناول القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني، سُئل فريدمان عن أبرز ما سمعه من المسؤولين السعوديين خلال زيارته، فأجاب معدّداً أبرز ما يشغل بال آل سعود هذه الأيام، والأهمّ كان الوضع الداخلي والعجز الهائل في ميزانيتهم نتيجة ارتفاع تكاليف العدوان على اليمن وانخفاض أسعار النفط. يقولها فريدمان وبالفم الملآن أنّ أحد المسؤولين السعوديين الكبار أخبره أنّ السعودية صرفت خلال عام 2015 فقط «خمس احتياطها النقدي».
كيف لدولة كالسعودية أن تستمرّ في صرف احتياطها النقدي على هذا المنوال عاماً آخر أو اثنين أو خمسة من دون اتخاذ اجراءات لسد العجز؟ ثم أن ما أعلنوه في أرقام موازنتهم لعام 2016 ـ كما مع كل إعلان لموازنة ـ يخلو من ذكر حجم الانفاق والمبالغ التي يصرفونها على ساحات النفوذ بالخارج في كل من سورية، العراق، ليبيا، مصر، السودان، باكستان، دول شرق آسيا، بالاضافة الى أوروبا والأميركيتين. حجم إنفاق آل سعود عبر سفاراتها وجهاز استخباراتها العامة في العالم يتمّ تمويهه في خانة أو أكثر بجدول أرقام موازنات وزاراتهم أو ديوانهم الملكي ولكن مع وجود أزمة حادة كهبوط سعر برميل النفط المزمن، عليهم أن يفرملوا ويفكروا قليلاً في وسائل بديلة لتحصيل واردات تسد العجز وتضمن استمرار ضخ الأموال في سوق استخباراتها في الخارج من دون أي ضعف أو وهن في وجه «النفوذ الإيراني» المتصاعد كما يوصّفونه، فاستقر الرأي على زيادة الضرائب على شعبهم ليتخلصوا من أزمة المصروفات في الداخل، أما في الخارج فأساليب أخرى كفيلة بتحصيل ما يغطي استمرار شراء الأسلحة والذخيرة للأعوان في سورية والعراق واليمن وغيرها من البلدان.
ما نشهده اليوم من حملة شعواء عنوانها الجوع في مضايا ما هو إلا رأس جبل الجليد المقبل، إنه بكل بساطة النموذج الذي أظهروه لنا على مدى 5 سنوات من عمر الأزمة في سورية، ولكن اليوم يُستحضر بعد أفول نجمه نسبياً بسبب حالة الفتور التي أصابت المُشاهد، الذي كذبوا عليه مراراً حتى شبع كذباً واعتكف، ثم عادوا اليوم ليوقذوه من باب «الخطر الإيراني الشيعي المباشر الذي طرق أبوابنا في الخليج».
السعوديون ومن يسبح في فلكهم اتخذوا قراراً بتسعير الحملات الإعلامية التحريضية وخاصة في سورية، والهدف تأمين تدفق التبرعات والإغاثة التي يتقن فنّها سلمان وهو الذي أمّن تبرعات «الجهاد» سابقاً في أفغانستان بثمانينات القرن الماضي ثم لاحقاً في البوسنة والهرسك في التسعينات. نظام الحكم السعودي ومعه ممالك الخليج الأخرى ـ التي طالتها أزمة انخفاض برميل النفط أيضاً ـ ستدأب مستقبلاً على ضمان استمرارية تمويل صفقات شراء الأسلحة والذخائر من أسواق السلاح العالمي ولكن هذه المرة من جيوب شعوبها والمتضامنين مع حملاتها التحريضية المذهبية، ولن يكون مستغرباً أن يُخرج لنا الإعلام الخليجي قريباً حملة مماثلة لحملة مضايا ليُفتح الهواء مجدداً في الفضائيات وتُعقد البرامج المباشرة على الهواء لاستقبال التبرعات وعطاءات فاعلي الخير حيث أنهم بحاجة الى ضمان استمرارها، والتي في نهاية المطاف ستتكدّس وتتحوّل الى ذخائر وصواريخ تفتك بجسد السوري ومبالغ في أرصدة الثورجيين بمصارف اسطنبول.
صحافي لبناني