سبسبي: دول الخليج متورِّطة في إراقة الدم السوري وزعزعة أمن المنطقة وأردوغان يحاول استعادة أمجاد الماضي وأحلام الدولة العثمانية
رانيا مشوِّح
أقام تجمُّع «نساء سوريات» لقاءً حوارياً حول «السياسة الروسية في القرن 21 ودور المجتمع المدني والمرأة في العلاقات السورية الروسية» مع نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الفيدرالي الروسي السوري الأصل السيناتور الدكتور زياد سبسبي في قاعة رضا سعيد في جامعة دمشق.
وألقى الدكتور سبسبي محاضرة حول العلاقات السورية ـ الروسية وتحدث عن تاريخ الاتحاد السوفياتي والمعاناة التي مرت بها روسيا إلى أن وصلت إلى ما هي عليه من تقدُّم عسكري وسياسي وتطور في المجالات كافة. وقدم سبسبي لمحة عن البدايات السياسية والعسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعن علاقة روسيا بباقي شعوب العالم.
وتحدث عن الدور الروسي والتعاون القائم اليوم في ظلّ الأزمة السورية والتنسيق بين الحكومتين الروسية والسورية، فقال: «بالنسبة إلى الموافقة على طلب الحكومة السورية المساعدة العسكرية والجوية لدحر الإرهاب الدولي، فقد اجتمعنا في مجلس الاتحاد الفيدرالي وبدأ الاجتماع بمقدمة لرئيس الإدارة الروسية إيفانوف أشار فيها إلى أنّ هناك تدخلاً جوياً روسياً ليس فقط في سورية وإنما في عدد من مناطق العالم، والقرار الذي اتخذه مجلس الاتحاد الروسي يعطي الحقّ للرئيس بوتين باستعمال القوة العسكرية خارج روسيا الاتحادية مما يعني أنّ الرئيس بوتين لديه حقّ قانوني باستخدام القوة في العراق أو في ليبيا أو في اليمن أو في أي منطقة، كونه القائد العام للجيش والقوات المسلحة، في حال تمّ توجيه طلب رسمي من الحكومات المختصّة في البلدان التي ذكرتُها».
يجب أن ننتصر
وعن الدور العسكري الذي تلعبه روسيا في سورية، قال سبسبي: «يتساءل الكثيرون ماذا تريد روسيا؟ هل تساعدنا بلا أية أهداف؟ بالطبع لا، ففي السياسة الدولية هناك شيء نسميه الأحلاف الاستراتيجية. إنّ روسيا، ورغم حالات الضعف والقوة وحالات التخبط السياسي والعسكري التي مرت بها في حقبات مختلفة من تاريخها، ظلت حليفة لسورية ومنطقة الشرق الأوسط منطقة حيوية وجذابة لكلّ القوى العالمية من الدول العظمى، لأوروبا وأميركا وروسيا. وبالنسبة إلى سورية، فإنّها تتمتع بموقع مميز، بالإضافة إلى الجغرافيا البسيطة فالحدود السورية الروسية في مجال الطيران هي حوالي 1100 كلم. الأمر الثاني أنّ الإرهاب اليوم لم يعد يهدّد أوروبا فقط لكنه بدأ يهدِّد روسيا، لذلك اتخذ القرار بأن تحارب روسيا الإرهابيين خارج الأراضي الروسية بالاتفاق وبالتنسيق مع الجيش العربي السوري». وأضاف: «عندما بدأ التحالف الدولي، بزعامة أميركا، يضرب من دون أي موافقة أو تنسيق على الأراضي السورية، كانت روسيا دائماً تُطالب التحالف والأميركيين بأن ينسقوا مع الجيش العربي السوري لكي تكون الضربات مفيدة ولها نتائج فعّالة على الأرض، لكنّ التحالف الدولي لم يستجب لذلك، وهذا ما يؤكد ضلوع المؤسسات الغربية في تمويل وتوفير الغطاء السياسي لعمل المجموعات الإرهابية، أكانت تلك التي تأتي من العراق أو التي تأتي من تركيا أو عن طريق الجار الجنوبي أي المملكة الأردنية الهاشمية».
وأضاف: «لقد لخّص الرئيس بوتين العملية العسكرية الروسية في سورية بقوله: يجب أن ننتصر. فثقوا تماماً بأنّ بوتين لم يدخل ولم يوافق على طلب الرئيس بشار الأسد إلا بعد دراسات طويلة جداً. فالاستجابة لم تأتِ بعد يوم أو يومين بل كان هناك دراسة وحسابات كبيرة للخطوة، وروسيا دخلت على أساس أن يتم ذلك لفترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، لكنّ الوضع يحتاج إلى أن تكون المدة أطول ويمكن أن تمتدّ لسنة أو سنتين لأنّ الهدف هو أن ننتصر. وهنا أقول ننتصر ولست أعني روسيا فقط يجب أن تنتصر بل الجميع يجب أن ينتصروا أي الدولة والشعب والجيش السوري. فجيش الدولة لا يمكن أن يُهزم أمام مجموعات إرهابية ولا يجوز ذلك. هذا هو الهدف من لقاءاتنا في دول العالم، خصوصاً أنّ دول الخليج المتورطة في إراقة الدم السوري وفي زعزعة الأمن في سورية هي اليوم غير قادرة على سحب أوراقها أو تصويب الوضع وهي متهمة بخلق الفتنة وإشعال الحرب في سورية.
تركيا وحلم استعادة الأمجاد
وعن الدور التركي في ما يجري على الأرض السورية، وفي ظلّ استغلال ما يُسمّى بالربيع العربي، قال السبسبي: «تركيا تريد، كما يعرف الجميع، أن تعيد أمجاد الماضي وأحلام الدولة العثمانية من خلال ما يُسمّى الربيع العربي الذي يُسمّى في وسائل الإعلام الروسية «الشتاء القارس العربي». قبل هذه الثورات لم يكن هناك اهتمام من الغرب، لا من أوروبا ولا من أميركا بتركيا، وكلنا يعلم أنّ تركيا تُسمّى «الصديق المنبوذ»، فالاتحاد الأوروبي لم يقبلها، لكنّ هذه الحركة دفعت أميركا وحلف «ناتو» إلى التدخل بجانب تركيا لكي تكون هي الشرطي الذي يحرس مصالح «ناتو» في المنطقة. قبل الأحداث الأخيرة، ظهرت سورية كمنافس لتركيا، وبعد اندلاع الأزمة ظنّ أردوغان أنّ سورية باتت ضعيفة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وهذا ما يعطيه فرصة جعلها امتداداً لأحلامه العثمانية، لكنّ أميركا والغرب وافقوا عليه فقط لكي يكون شرطياً لهم في المنطقة، ما أدّى إلى نشوب صراعات داخلية في تركيا. الموقف الرسمي التركي غير مُحبّب ويرفضه الشارع التركي، وقد أكدت المعارضة التركية ولا تزال تؤكد أنّ السياسة العدوانية والسلبية تجاه ما يجري في سورية ستؤدي إلى خلافات مع دول أخرى، وكما نعلم هناك خلاف إيراني ـ تركي، خصوصاً بعد توزيع أميركا منصّات صواريخ في أنحاء تركيا خوفاً من الإيرانيين».
دور المرأة السورية في ظلّ الأزمة
وفي سياق آخر، تحدث سبسبي عن الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في ظلّ المجتمع المدني والفرص التي يجب أن تُتاح للنساء في ظلّ الأزمة السورية، مشدّداً على «أنّ سورية ليست السعودية ولا قطر لكي نتكلم عن تحرُّر المرأة، إنما يجب أن نؤكد على تفعيل دور المرأة أكثر في المجتمع المدني، خصوصاً في الوضع الحالي لذا يجب أن يكون للمرأة دور كبير في الحياة السياسية ومن يعي مفهوم الأمن فهو يفهم أنّ المرأة في الموضوع الأمني أدقّ وأقدر ولها نظرة ثاقبة وتنظر إلى الأمام أكثر من الرجل. إنّ دور المرأة في المجتمع المدني هو أن تعالج المشاكل الأمنية ويمكن لها أن تُشخِّص حالة المرض ويمكن أن يكون لها دور هام في معالجة المرض لذا يجب أن يكون لها دور هام وكامل وعلى الدولة أن تعتمد على المرأة أكثر في ظلّ الحرب، فالأفضل من ذهاب المرأة إلى الجبهة وهو وجودها في المؤسسات القيادية، أي أن تكون في مركز القرار فنحن في القرن الواحد والعشرين».
وردّاً على سؤال عن رأي الشعب الروسي في التعاون الروسي ـ السوري وعن تأثر علاقة روسيا بالسعودية، أكد سبسبي «أنّ الشعب الروسي متعاطف جداً مع الحكومة السورية والشعب السوري وهو يوافق تماماً على كلّ ما يجري من تعاون وتنسيق بين البلدين والدليل على ذلك حصول الرئيس بوتين، بسبب أحداث سورية ولأول مرة على 83 في المئة ضمن استفتاءات الأكثر شعبية. الحكومة الروسية تعمل بصمت وضرباتها قوية وكلمة يجب أن ننتصر ليست كلمة دعائية». وأضاف: «أما بالنسبة إلى السعودية، فإنّ أسعار النفط، وإن كانت تؤثر على روسيا مرة، فهي تؤثر على السعودية آلاف المرات وقد لاحظنا حجم العجز والديون في ميزانيتها ما لا يسمح لها بتهديد أي دولة، خصوصاً إذا كانت هذه الدولة هي روسيا. كما أنني أؤكد أنّ محمد بن سلمان لديه لسانان وهذا حال السياسة السعودية كلها حيث أنهم يملكون سياسة خاصة للإعلام وسياسة وردود أخرى في الخفاء».
الأحمد
وعلى هامش الندوة، كانت لـ»البناء» لقاءات مع المنظمين وبعض الحاضرين. وفي هذا الإطار، قال عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد: « إنّ السيناتور زياد السبسبي، وهو نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الاتحاد الروسي الفيدرالي بما يمثله وهو أول سيناتور ليس روسي الأصل يتبوأ هذا المنصب، هو اليوم في زيارة رسمية بدعوة من قيادات المجتمع المدني سورية وتربطنا به علاقات وثيقة، وهذه المحاضرة هي للتعبير على الانفتاح على المجتمع السوري الذي يتمثل بالجهة الداعية أي تجمّع نساء سوريات والذي يريد، كتجمُّع مدني وسبب هذا الحراك المدني، أن لا تبقى البنى التقليدية في الساحة فقط، بل يؤكد أنّ هناك مجتمعاً مدنياً يجب أن يعمل ويتفاعل مع هذه الشخصية السياسية ومن أجل أن يفهم الشعب السوري من خلال مكوناته الحقيقية، وأهمها المرأة ما هي حقيقة موقف السياسة الروسية».
ميرزا
وقالت الدكتورة ربى ميرزا مؤسِّسة جمعية «سورية المدنية» وتجمُّع «نساء سوريات»: «الدكتور زياد سبسبي في زيارة رسمية لقطرنا وأحببنا أن نستغل هذه الفرصة ونستمع إلى رأيه حول السياسة الروسية والمستجدات، بالإضافة إلى تفعيل العلاقات بين المجتمعين السوري والروسي وتفعيل دور المرأة السورية، لما له من أهمية في الحراك المجتمعي الحالي».
ميداني
وعن النجاح الذي أثبتته السياسة الخارجية الروسية حالياً، تحدثت رئيسة شبكة العلماء السوريين في المغترب ورئيسة مؤسسة «أحفاد عشتار» في سورية الدكتورة أيسر ميداني، معتبرة «أنّ السياسة الروسية ناجحة بامتياز وتكسب الكثير من الصداقات في العالم بسبب مواقفها المبدئية، أولاً من ميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة الشعوب وسيادة الدول وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. روسيا الاتحادية تدافع عن هذه المبادىء في كلّ المجالات وفي كلّ الأماكن والمحافل الدولية. ومن ناحية أخرى، فإنّ التعاون السوري ـ الروسي من أجل دحر الإرهاب أكسبها شعبية كبيرة جداً، و هذه المساهمة جاءت بالتنسيق مع القيادة السورية والجيش السوري، علماً بأنّ موقفها هذا أثّر عليها، خصوصاً عندما استعملت الفيتو ضدّ اختراق سورية حيث بدأ الغرب يحاربها منذ ذلك الحين، لكنّ الوجود الروسي اليوم في المنطقة هو وجود حليف للشعوب ويستقطب الشعور بالصداقة مع الاتحاد الروسي من قبل كلّ هذه الشعوب».
فاكوش
ورأت عضو القيادة القطرية في حزب البعث الدكتورة شهناز فاكوش «أنّ زيارة الدكتور السبسبي لها تأثير كبير على ربط وشائج العلاقات بين سورية وروسيا، وهي تأكيد على أنّ التفاعل العسكري بين سلاحي الجو السوري والروسي لا يقلّ عنه أهمية توطيد العلاقات الخارجية بين الجهتين لأنّ السياسة اليوم تتلازم تماماً مع العمل العسكري على الأرض في مكافحة الإرهاب وهذا هو الأساس». وأضافت: «وجود السيناتور سبسبي في سورية يحمل الكثير من المعاني. فمن يعملون في الخارجية الروسية شاركوا في أعمال موسكو1 و موسكو2 وهذا ليس جديداً، فموسكو كانت السباقة دائماً منذ أيام الاتحاد السوفياتي إلى شدّ أزر سورية ضدّ أي عدو غاصب، ولا ننكر فضل الاتحاد السوفياتي في انتصارات تشرين عام 73. نحن نشهد اليوم عودة هذه العلاقات لتتوطد وتكون أكثر متانة عبر القيصر الروسي بوتين الذي أثبت أنه قيصر حقيقي. هو ليس قيصراً بمعنى ديكتاتور، بل قيصر في اتخاذ القرارات الحاسمة في اللحظات الحاسمة. وأبرز هذه القرارات استجابته لطلب سورية فوراً في طلب دعم سلاح الجو الروسي لسلاح الجو السوري، وقد أدى هذا الإسناد الجوي إلى تحقيق نتائج مهمّة على الأرض وتحقيق إنجازات كبيرة، آخرها و ليس أخيرها إنجاز تحرير سلمى، تلك المنطقة التي عانت لفترة كبيرة من الإرهاب وقدمت تضحيات كبيرة».