كون متل… حالك!
فدى دبوس
منذ أقلّ من أسبوع اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي حملة «كون متل جعفر» هذه الحملة التي اجتذبت الناشطين لخفّتها وبساطتها. واستطاعت هذه الحملة بسرعة قياسية الانتشار على مختلف صفحات الناشطين، وبالتالي استطاعت صفحة «كون متل جعفر» أن تحقق نسبة تداول وإعجاب كبيرين، ولم يكتف الناشطون بصفحة «كون متل جعفر»، لتلحقها صفحات عدّة شبيهة «كون متل سمير، وكوني متل نانسي» وغيرها من الصفحات. لكن عندما نرى هذا الكمّ الهائل من الإقبال على هذه الفكرة نتساءل لم كلّ هذا الإعجاب بهذه الفكرة؟ لم جذبت الشباب اللبناني إلى هذا القدر؟!
لقد جذبت هذه الفكرة الشبّاب لخفّتها وقربها من جميع العقول خاصة لأنها تنتقد مواضيع حيوية باتت مؤثرة إلى قدر كبير في عقول الشاب وتتحكم في تصرفاتهم، فالصورة باتت همّ البنات الأوّل، وللسيلفي قواعدها وأصولها. أمّا عن الشبّان فالهوس بالصورة لا يختلف عن البنات وذاك الذي يعرض عضلاته وأخرى تعرض مفاتنها بانتظار «لايكات» لا يمكن لها أن تقدّم أو تؤخّر في حياة الآخرين. إلى الموسيقى الصاخبة التي تنبعث من السيّارات على الطرقات والتي تصيب الأذن بالتلوث، إلى النصائح المختلفة من الحفاظ على قلوب الفتيات إلى عدم جرح مشاعر الآخرين، إلى الدعوة للتواضع. لعلّ مجتمعنا بات اليوم يفتقد لمعظم هذه المعايير الاجتماعية والإنسانية التي من شأنها أن تشوّه معظم المبادئ التي تربينا عليها، والتي يجب أن تكون في عمق شخصية كلّ فرد منّا من دون القيام بأيّ مجهود يذكر.
وعلى غرار «كون متل جعفر» ونشر المعايير الإنسانية، بدأ الناشطون بنشر صور الشهداء والأسرى الذين دافعوا عن أرض الوطن ضدّ الإرهاب والاحتلال، ودعا معظمهم إلى الامتثال بهؤلاء لأنّ هؤلاء هم الأفضل من غيرهم للاقتضاء بهم، وبذلك تكون الشعارات السياسية التي كانت الحملة خالية منها في البدء قد اقتحمت عالم جعفر لتصبح حملة من نوع آخر.
لكن ما يجب النظر فيه فعلياً هو هل علينا أن نقرأ بعض العبارات على صور طريفة لنتمثل بهذه الشخصية أو تلك. جعفر وبلال ونادين وسمير ونانسي، ليسوا سوى شخصيات افتراضية لا تمتّ إلى عالمنا بصلة، فلم الاقتضاء بهم؟! لم لا ننتج صفحة يكتب عليها «كون متل حالك»؟ لم لا نسعى إلى تغيير أنفسنا بدلاً من الحكم على الآخر والتحكّم في نفسيات بعضنا البعض؟
المشكلة لا تكمن لا في الصورة التي اخترعت لتوثيق اللحظات والذكريات، لا في تجميل الشكل، أو في سماع الموسيقى، أو في الحب وغيرها من الأمور، لأنّ هذه القيم يجب أن نزرعها في أنفسنا قبل أن نقرأها في عبارات طريفة، لكن علينا جميعنا أن ندخل إلى أعماق شخصياتنا لنعرف ما هي المتطلبات الضرورية من الحياة التي على إثرها نحاكم غيرنا وأنفسنا على حدّ سواء.
«يمكن في متل جعفر كتير» لكن لا يوجد مثلنا هذه هي المقولة التي يجب أن نقتضي، بخلاف رأينا الخاص حول هذه الحملة التي ورغم كثرة انشغال اللبنانيين بها بشكل وصل إلى حدّ الإزعاج، إلاّ أنها تبقى حملة هادفة وواعية رسمت البسمة على وجوهنا في زمن قلّت فيه الضحكات، في زمن ما عاد يعرف غير الدموع والويلات والحروب. تحية إلى جعفر، علّه يكون قد أتاح لنا فرصة حقيقية لدراسة انفسنا بشكل صحيح.