هل تفعلها الحكومة العراقية؟ أتمنّى ذلك…

تركي حسن

العراق يتصدّر الأخبار، وتتراجع أوكرانيا وسورية إلى خبرٍ ثانٍ وثالث.

الرعب ينتقل إلى العالم كلّه. حكومات وأجهزة ومجتمعات. لم يبق في وسع الغرب وحلفائه الإقليميين والخليجيين التغطية على خطيئتهم. كانت سورية تنبّه إلى خطورة دعم الإرهاب وعدم إمكان حصره داخل سورية مستقبلاً عبر استخدامه في مشاريعهم لإسقاط الدولة السورية. تصرخ وتنبه وتحذر من أنّه سينتقل إلى ساحاتٍ أخرى، لكن لا مجيب. وإذا كان الجهاد الإرهاب الأفغاني استغرق أكثر من عقد لخروجه إلى ساحات أخرى، فإن الإرهاب في سورية كان سريعاً وانتقل خلال أشهر إلى دول محيطة بدءاً، وسنراه مستقبلاً في دول أخرى أبعد.

كيف أمكن للإرهاب أن يختطف قسماً من العراق فيستوطن بين أبنائه ليشكّلوا بيئة حاضنة بل مولّدة للإرهاب؟ وكيف تحولت تلك المنطقة التي كانت تفاخر بعروبتها وبالفكر القومي إلى الفكر التكفيري؟ أمر يحتاج إلى مناقشة وتدقيق.

من المعروف أنَّ النظام في العراق كان يحكم تحت يافطة العروبة منذ خمسين عاماً وخاض معاركه الداخليّة والخارجيّة بشعاراتها، فالصراع الدامي في شمال العراق بين الدولة والأكراد كان محكوماً أو على الأقل حصل تحت هذه الشعارات، والصراع مع الإسلام السياسيّ بشقيه السنيّ الممثل بـ«الإخوان المسلمين» أو الشيعي ممثلاً بحزب الدعوة الإسلامي ومنظمة العمل الإسلامي، والمجلس الإسلامي الأعلى في ما بعد كان صعباً وقاسياً ومريراً وإقصائياً، بل تعدى الى القتل والإعدام والنفي والتشريد والسجن، وإسقاط الحقوق وحتى الجنسية والملاحقة على أنهم شعوبيون. ثم حُمّل الفكر القومي مسؤوليّة الخيبات والحروب والصراعات، كالحرب الإيرانية ـ العراقيّه تحت مُسمّى القادسية، وحرب الكويت تحت ذريعة المحافظة التاسعة عشرة، ليذهب أخيراً في معركته ويسقط تحت الاحتلال.

لا يمكن القول إن النظام كان سبب احتلال العراق ونغفل المشاريع والمخططات الغربية، إنّما يمكن التأكيد أنه ساهم عبر مشاريعه وحروبه وسياساته التي دمّرت اقتصاد العراق وجيشه وشعبه عبر تلك الحروب العبثيّة. بالتالي، عندما احتُل العراق من قبل الولايات المتحدة ومن معها من دول التحالف، وسقطت بغداد، فكأنما سقطت العروبة معها. وعندما أعلن بريمر حل الجيش العراقي، المؤسسة الأساسيّة في تكوين الدولة، كان يدرك أن الجيش يقوم على الفكرة القومية والوطنيّة.

حينما أعلن بريمر ومجلس الحكم اجتثاث البعث وحظر أي نشاط سياسي لعناصره، حتّى على مستوى أمين فرقة، لم يدافع أحد عنه، بل كان لدى مكونات مجلس الحكم كلّه ثأر ضدّه. فالأكراد والشيوعيون والإسلام الشيعيّ والسني وحتى قوى قومية وناصرية ساهمت في لحظة تشفٍّ اعتقدت أن هذا أوانها في حظر البعث. لم يفكر أحد في أن هناك مئات ألوف البعثيين لا يُعرف إلى أين سيتجهون وكيف سيُمنَعون من ممارسة النشاط السياسي! ما دفعهم إلى العمل السري، وتبدلت المواقع بين المعارضة التي أصبحت حاكمة والنظام الذي أصبح في المعارضة، وبعضهم ذهب إلى التطرف الطائفي بل المذهبي، وتجلى ذلك في تشكيل جيش الطريقة النقشبندية بقيادة عزت الدوري، أو اتجه بعضهم إلى «القاعدة» أو إلى تشكيل مجموعات مسلحة مستقلة انخرطت في الصراع ضد القوات الأميركية والحكومة العراقية تعبيراً عن رفضها لما جرى.

أعتقد أنه كان من الأجدى عدم سن هذا القانون والاكتفاء بالحظر على بعض القياديين، وأن يترك الباقي لينخرطوا في العملية السياسيّة، فالفكر لا يحجر عليه ولو كان هناك إمكان للاستئصال الكامل لفعلها صدام حسين الذي استمر لخمسة وثلاثين عاماً مطارداً معارضيه الذين يحكمون الآن، بل منعهم من ممارسة أي شأن وطني وخير مثال على ذلك عندما نجح في نقابة المحامين العراقية، في انتخابات ديمقراطية، إثنان من البعثيين السابقين إلا أنّهما منعا من دخول النقابة! ولا أتهم هنا حكومة المالكي بعينها بل جميع أطراف العملية السياسية، ومن مختلف الطوائف والأعراق والمذاهب.

في الواقع الراهن، ولأجل مصلحة العراق وسحب البساط من تحت أرجل الإرهاب، أرى أن على الأطراف في العملية السياسيّة إعادة النظر في هذه المادة، والسماح لأولئك الذين لم يوغلوا في دماء العراقيين زمن صدام حسين أو بعده بالمشاركة والعودة إلى العمل السياسي، ففي ذلك تجفيف للإرهاب وحدّ من قدراته، إذ سيتخلّى هؤلاء عن الفكر التكفيري المتطرّف وينأون عنه. وأعتقد من موقع المحب للعراق وشعبه أن ذلك سيكون جزءاً من الحل، بحيث يُعدَّل الدستور ويُطَرح على الاستفتاء، فهل تفعلها الحكومة المقبلة، سواء كان السيد المالكي أو غيره؟ أتمنّى ذلك.

باحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى