تركيا تحصد ثمار سياستها
حميدي العبدالله
حتى هذه اللحظة، فإنّ الهجمات الإرهابية الارتدادية هي من نصيب الدول التي قدّمت دعماً أكبر للجماعات الإرهابية في سورية. من المعروف أنّ الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم «داعش» وهو فرع من تنظيمات «القاعدة»، شملت فرنسا والمملكة العربية السعودية وتونس والولايات المتحدة. ومعروف أنّ الحكومة الفرنسية كانت من أكثر الحكومات الغربية عداءً للدولة السورية ودعماً للجماعات المسلحة في سورية، وهي سهّلت عملية تدفق الإرهابيّين من فرنسا إلى سورية من دون أية رقابة أو قيود، ولأنّ الإرهابيّين حصلوا على تسهيلات كبيرة من الحكومة الفرنسية وغضّت عنهم النظر، فإنهم نجحوا في بناء خلايا قادرة على العمل بقوة داخل فرنسا، وبالتالي نجحوا في تنفيذ الهجمات التي شنّت في باريس. أما في الولايات المتحدة فكانت الهجمات التي سماها أوباما بهجمات ذئاب منفردة هي نتيجة للسياسة الأميركية.
المملكة العربية السعودية، تبنّت سياسةً مماثلة، فهي شجّعت إعلامياً وسياسياً ومالياً العناصر المتطرفة السعودية للقتال في سورية، وغضّت النظر عن ماضيهم وارتباطاتهم مع الجماعات الإرهابية، ولأنّ السياسة السعودية شكلت حاضنة للنهج الإرهابي، كان من الطبيعي أن تنجح التنظيمات الإرهابية في بناء خلايا قادرة على العمل في كلّ أنحاء المملكة، وفعلاً قامت هذه الجماعات بشنّ عدد من الهجمات ذهب في إحداها أكثر من 14 قتيلاً من جنود الجيش السعودي.
تركيا التي فتحت حدودها أمام تدفق الإرهابيّين من كلّ أنحاء العالم، وحوّلت أراضيها إلى ممرّ وملاذ آمن لهم، تدفع ثمن هذه السياسة عبر هذا الهجوم الانتحاري الذي استهدف السياح الأجانب وشكل ضربة قوية لأهمّ المرافق الاقتصادية التي لا تزال تعمل في تركيا، بعد أن تكفلت سياسة أردوغان، التي أوصلت تركيا إلى صفر صداقات مع دول الجوار، إلى تعطيل الجزء الأساسي من التجارة الخارجية والاستثمارات في دول الجوار.
أما تونس التي فتحت في عهد حكومة «النهضة» الباب على مصراعيه أمام تدفق المتشدّدين مغادرين تونس إلى سورية، فإنّ الحكومة الائتلافية الحالية تدفع هي الأخرى ثمن دعم سياسات حكومة «النهضة» للجماعات الإرهابية ولا سيما في سورية.
هجمات تركيا الأخيرة، وقبلها هجمات فرنسا تونس والسعودية والولايات المتحدة تؤكد درس ما بات يعرف بظاهرة «الأفغان العرب»، إذ من المعروف أنّ الحكومات العربية التي سهّلت دخول إرهابيّين عرب وشجعتهم على القتال في أفغانستان، دفعت ثمن عودتهم لاحقاً ليفجروا في بلادهم وليعرّضوا أمن المنطقة والعالم إلى هزات كبيرة، بينها هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة والهجمات التي استهدفت بريطانيا وإسبانيا.